درس مدفوع الثمن..بقلم:ناظم عيد

 

 

وكأننا أمام تطبيقات تعسفية لمقولة “لو خرجت من جلدك لما عرفتك” التي لم تعد نكتة مقتبسة من حكايات الأدب الساخر، بل ملخص مختزل لسلسلة بالغة الطول لتفاصيل علاقتنا كسورية مع مراكز القوى السياسية والاقتصادية العالمية، من تلك التي توصف بالدول العظمى، أو المنظمات الحائزة لقب “دولية” والمفضوحة بأنها وليد غير شرعي لـ “العظمة” المزعومة والمنسوبة لعواصم بعينها.

ربما لم نكن يوماً لنخلع ثوب خصوصيتنا، ونتخلى عن قناعات بلورتها تجربة سنين طويلة إن في السياسة أو في الاقتصاد، لكن ثمّة ممرات إجبارية تشكل قوام الطريق المؤدية إلى الآخر، تفرض لبوساً بألوانٍ محدّدة، كان لا بد من ارتدائه و”انتقاله” للوصول إلى المصافحة مع ما هو كوني، وهو إملاء السعي لمحاكاة ذلك الآخر ومحادثته بمفرداته ومصطلحاته.. ولعلها هي ذاتها المفردات التي أنتجها قاموس النظام العالمي الجديد، والعولمة بأبعادها وملامحها المتعددة.

الآن وبعد طول تجربة يبدو أن علينا إعادة حساباتنا ونحن نُبحر بعلاقاتنا في مشارق الدنيا ومغاربها, ولا بأس أن نُتّهم بـ “التمرّد” ونحن نخرج برؤية وقرارات جديدة ونعقد العزم على لهجة مختلفة في التعاطي مع الخارج، لأننا تيقنّا أن إرضاء هواة السطوة المطلقة غاية لا تدرك، حتى لو كانت الولايات المتحدة الأمريكية “الشرطي المزعوم” التي أعدّت قوائم حسن سلوك لتلوِّح بها إرهاباً وتخويفاً لمن لا يمتثل لنزواتها السياسية ورغباتها الاقتصادية، أو لتوزع شهادات الثناء والمرحى التشجيعية على آخرين ممن حوّلتهم إلى “أصنص” انبطاح.

أمريكا تعاقب من تشاء وتكافئ من تشاء، وعلى الأغلب لن تنال من حقائق دامغة وراسخة ولن تفلح في تغييرها، فلنتفرج ولنتسلَّ بالضحك على ما يشبه مسرحيات الأطفال.

وكما أمريكا، يوزع البنك الدولي وكذلك صندوق النقد الثناءات لكل من ألقى بأدواته وأسلحته وتجرّع ما تم اختياره له من وصفات دون أن يسأل إن كانت ترياقاً أو سماً زعافاً.

ومثلها منظمة الصحة العالمية، ومنظمات حقوق الإنسان، والشفافية، ومنظمة التجارة العالمية.. وإلى آخر سلسلة منظمات الاستلاب، إن لم يكن استلاب المقدرات، فليكن استلاب القرار وربما هذا هو الأهم.

على المستوى الاقتصادي نبدو الآن كسورية على مفترق طرق جديد يملي الحكمة في اختيار الاتجاه الصحيح، لن نتدخل في خيارات أصحاب القرار لدينا بل سنلفت عنايتهم إلى نتائج ما اتفقنا على تسميته انفتاحاً، وأن المرة الوحيدة التي أثنى فيها صندوق النقد والبنك الدوليان على أرقام اقتصادنا كان فيها الثمن باهظاً يتعدى انهيار قطاعاتنا الإنتاجية واتساع رقعة الصارخين من خواء البطون إلى مساحات ذات صلة باعتبارات الأمن القومي.

باختصار مصلحتنا الوطنية بكل مستوياتها أهم بكثير من أن يرضى أو يغضب الآخر، كبر أم صغر شأنه وحجمه وسطوته، وعواء الذئاب إن أخاف “القطيع” فلن يخيف رعاته وحماته.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]