المحاكم الاستثمارية والتجارية حلقة ناقصة في هيكلية قضائنا.. تسببت بـ “فوات” الفرص

 

الخبير السوري:

هناك واقع يجزم بأن الاستثمارات عصب اقتصادات الدول على اختلاف أحوالها متقدمة أم نامية أو أقل نمواً، والسباق يشتد بين الثلاثة كل في دائرته على جذب الكم الأكبر من هذه الاستثمارات       ضمن إدراك أن العملية ليست بتلك العشوائية وبالموجود فقط بل تتعداها إلى توفير إطار قانوني لحمايتها، وفي حال انتفائه ستتحول إلى طارد لها وبامتياز، ولعله ليس اعترافاً جديداً القول إن غياب المحاكم الاستثمارية والتجارية المتخصصة عن بيئتنا هو أحد أبرز معوقات التدفقات الرأسمالية نحونا، وربما هو ذاته السبب الذي يدفع رأس المال المحلي وحائزيه إلى التفكير بالاستثمار خارج البلد.

مرفق طارد

فرأس المال في المحصلة “جبان” والمستثمر لن يغامر في توظيف رأس ماله سواء في دولته أو خارجها إلا إذا توافرت له فرص تحقيق الربح وخاصة أن بيئة الاستثمار حساسة وأي حلقة تسقط تفرغ العملية من معناها ولو جزئياً، لذلك توفير هذه البيئة بحاجة للدقة والاستمرارية لتجذير الاستثمارات وتيسير ممارسة نشاطها والاستفادة القصوى من ميزات تحقيقها، وكل من يرى في الاستثمارات عصب التنمية يؤكد ثلاثة أمور أولها السرعة فالأمان ثم الوفرة، فالسرعة هي أول شرط لنجاح بيئة الاستثمار وبغيابها يصبح الأخير بحكم المعدوم على اعتبار أن الوقت هو المكون الأساسي للبيئة السليمة، وكل نشاط استثماري في أي مجال اقتصادي لديه دراسة زمنية تحكمه، وأي خلل في زمن التنفيذ يصيبه بالضرر، والسرعة نحن من يوفرها –مع أننا لم نصل حتى الآن لذلك- بدءاً من توفير المعلومات التي يريدها المستثمر عن النشاط الاقتصادي المتوجه إليه وبشفافية، إلى توفير الكادر اللازم إلى متابعة التطورات الحاصلة في هذا المجال، وكذلك المستثمر يريد الوفرة المتمثلة بإصدار تشريعات مالية وضريبية تشجيعية وتحفيزية للمستثمر المحلي والأجنبي.

بعدها ينشد هذا المستثمر الأمان، والأمان يكون بإحاطته هو ومشروعه ببيئة تنظيمية وقانونية مستمرة ومستقرة تحميه من أي طارئ محلي أو عالمي، أي على أرض الواقع إصدار تشريعات وقوانين خاصة بالبيئة الاستثمارية متناغمة ومتجانسة مع عمل كل الوزارات والإدارات والقطاعات الراعية لهذه البيئة، حيث لا يكون هناك تعارض بينها.

ولأن البيئة الاستثمارية مؤلفة بطبيعتها من عدد من الأطراف والعلاقات فيها متداخلة ومعقدة رغم العقود الناظمة، هناك نزاعات وخلافات تحدث وهنا أهم وأخطر نقطة تواجهها البيئة الاستثمارية وخاصة في سورية وهي العلاقة بينها وبين المرفق القضائي كما يقول الحقوقيون فالمفروض بالمرفق القضائي أن يوفر للبيئة الاستثمارية عامل الأمان فعند لجوء أي من أطراف النزاع إلى القضاء الوطني صاحب الصلاحية في الأغلب تبدأ إشكالات ومفارقات أبسط ما يقال عنها أنها أصبحت (محرجة) جداً للمرفق القضائي وهي عدد من البروتوكولات والتقاليد والعادات التي يتميز بها وأهمها البطء الشديد بإجراءات تسجيل الدعاوى والتبليغات والإمهالات ومحاولات تسريع الدعاوى بالرشوة الصريحة أو المقنّعة، وهذا عائد برأيهم إلى نقص التخطيط لدى القائمين على هذا المرفق وضبابية الرؤية وخاصة أن ازدياد عدد المتقاضين نتيجة التطور الكمي والنوعي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية أفرز عدداً كبيراً من المهن الجديدة التي لم نكن نعرفها.

بوصلة

كلما أعطت الدولة المضيفة للمستثمر ضمانات أكثر لماله واستثماره استطاعت جذب أكبر عدد من المستثمرين لإنشاء مشروعات على أراضيها، هذا برأي المستثمرين الذين التقيناهم فالاستثمارات -كما يقول- هي البارومتر والمؤشر العملي على نجاح أي تنمية وزيادتها تعني دليل سلامة خطواتها وبالعكس تراجعها يعني وجود خلل في قوانين هذه التنمية أو تطبيقاتها.

والمطلوب بالنسبة للمستثمر المحلي فيما يخص القضاء دعم سلطة القضاء لجهة الحيادية وسرعة البت في الخلافات المعروضة عليه من خلال وضع ضوابط ضامنة وآليات وهيكلية تحقق ذلك، ويشير بعضهم هنا إلى النشاط الملحوظ في إنشاء مراكز التحكيم الخاصة السورية والمشتركة ما يعني تزايد عدد الشركات العاملة في سورية والتي من الطبيعي أن تربط أفرادها علاقة قانونية قد تكون مثار خلاف بينهم في يوم من الأيام، وكذلك ما قد ينجم من إشكالات أو خلافات أثناء عملها مع الجهات العامة أو الخاصة ويضيفون: إن المستثمر الخارجي يبحث دائماً عما يضمن ماله واستثماره في الدولة المضيفة وخاصة المرجعية القانونية في حال وقوع خلاف مع الدولة المضيفة بجهاتها الرسمية أو في حال حدوث تراجع أو تغيير أو تعديل بالقوانين أو شروط الاستثمار التي كانت قائمة أثناء دراسة أو تنفيذ مشروعه ما قد يعود بالضرر على استثماره واستمرارية وجوده وهنا يتطلع المستثمر إلى مرجعية قضائية أو تحكيمية محايدة يقبل بها المستثمر والدولة المضيفة لحل أي خلاف يقوم بينهما حيث تكون قراراتها ملزمة للطرفين، ويبين آخرون أنه تقدم باسم مجموعة رجال الأعمال السوريين الذين دعوا لمنتدى رجال الأعمال العرب بداية عام 2011 بمقترح إنشاء محكمة اقتصادية عربية تتخصص بالنزاعات الاقتصادية التي تقوم بين الشركات المستثمرة والبلد المضيف حيث تكون قراراتها ملزمة، وكان موضوع إيجاد مرجعية قانونية محايدة للمستثمر أحد أهم المواضيع التي أخذت حيزاً مهماً من النقاش في هذا المنتدى.

حلقة مفقودة

بما أن الإطار القانوني هو الضامن الأول لاحتضان الاستثمارات وتوطينها، لا تزال هناك حلقة غائبة بعدما يسّرناه للاستثمارات من تشريعات مالية وضريبية ومصرفية وإنشاء هيئة أوراق وأسواق مالية إلى مدن صناعية ومناطق حرة وغيرها، والآن كبلد يعمل على إصلاح القضاء فيه وفي الوقت نفسه نحاول بكل الوسائل جذب الاستثمارات علينا -حسب الحقوقيين- أن نوطن محاكم تجارية ولا يكفي أن نخضع الأعمال التجارية لأحكام قوانين الشركات والتجارة والتحكيم لنوفر فصل النزاعات الناشبة بين التجار بسرعة وسرية حتى لا تتعطل مصالحهم خلال الفترة اللازمة لفصل النزاع وحتى لا يطلع غيرهم على وضعهم المادي ومصادر بضائعهم وهوية زبائنهم، ويرون أن غياب هذه المحاكم يدفع بالتجار إلى فصل منازعاتهم عن طريق المحاكم الخاصة، ففتح المجال أمام الاستثمارات والشركات الأجنبية والتطور الاقتصادي الجاري في العالم أوجد معاملات تجارية متطورة لم تكن معروفة من قبل ولا يمكن للقاضي أن يحكم في معاملة إلا إذا عرفها حق المعرفة، وهنا تبرز الحاجة لوجود قضاء تجاري متخصص يلمّ القاضي فيه بالمستجدات والمعاملات المعاصرة وهناك أمثلة كثيرة يمكن استحضارها دلت على غياب التخصص في القضاء لدينا كما حدث مع شركة إماراتية وعلامتها التجارية (كارفور) وكيف أصبحت قلّة الخبرة في قضايا العلامات التجارية وغيرها من النزاعات التجارية عائقاً أمام الاستثمارات، وكذلك خسارة قطاعنا العام لمعظم قضاياه التحكيمية في التحكيم الدولي نتيجة قلّة خبرة المحامين ونقص كفاءتهم المهنية.

مركز جذب

في خطتنا الخمسية التي لم يمضِ على نهايتها الكثير كان هناك تركيز على إحداث محاكم استثمارية لفض النزاعات التجارية والاستثمارية والهدف طبعاً الجذب الاستثماري، والإدارات السابقة لهيئة الاستثمار أشارت حينها إلى أن العمل كان جارياً لإحداث مركز تحكيم وطني لكون التحكيم طريقة يفضلها المستثمرون في فض المنازعات لأنها توفر الوقت والجهد والمال وحينها قالت الإدارة: إنه يتم العمل بالتنسيق مع مركز التحكيم في ميلانو بما يتوافق مع المعايير الدولية لاعتماد معايير وأنظمة عمل للمركز تقررها لجنة مختصة قبل نهاية العام الجاري.

مصادر هيئة الاستثمار بينت أن العمل على إحداث المركز لا يزال جارياً ويشير إلى أن وجود مركز تحكيم وطني سيحسن مستوى سورية في مؤشر تنافسية الأعمال إضافة إلى تحسين البيئة الاستثمارية وأجريت ورشة عمل ضمت خبراء محليين وأجانب للخروج بتوصيات تفضي إلى الإسراع في إحداث مركز وطني للتحكيم يتبع لجامعة دمشق ويقول: إن التحكيم وجد للإسراع بالبت بقضايا المستثمرين على اعتبار أن التأخير بالبت لدى القضاء أحد معوقات الاستثمار، مضيفاً إن عوامل الجذب الاستثماري تتمثل بالتشريعات المناسبة وتبسيط الإجراءات وتوفير البنى التحتية.

حلقات سلسلة إجراءاتنا الجاذبة للاستثمار لا تزال بغياب المحاكم التجارية والاستثمارية المختصة غير مكتملة والبطء سمتها الغالبة، فهل تنتظرنا الاستثمارات بالدعاء أم بالتوطئة المناسبة لقدومها؟.

 

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]