حكومة حرب صامتة…بقلم: ناظم عيد

عندما تنزل الحكومة إلى الشارع نكون أمام عنوان مغرٍ للتداول، تنضوي تحته تفاصيل كثيرة، على الأرجح هي ما سيكون قوام متوالية تساؤلات ينتجها ذهن من يتلقى الخبر وتدور كلها حول سؤال يفرض نفسه بالخط العريض، يستفسر عن النتائج – وبشيء من التوجس بالقياس على تجارب سبقت- على طريقة: ولكن ماذا بعد؟؟.
وإن شئنا الإنصاف، لا بد أن نعترف بأن ثمة نتائج جيدة على الأرض رتبتها التحرّكات الميدانية لبعض أعضاء الحكومة حتى الآن، بدءاً من رأس الهرم التنفيذي، الذي حقق انعطافة في واقع أداء الناقل الجوي الوطني بمجرد زيارة “تصويبية” سريعة إلى مطار دمشق الدولي، مروراً بإعادة إحياء الناقل البحري الحكومي، الذي تمّت “إماتته” سريرياً في ظروف غامضة مضت، وصولاً إلى الجولة ذات “المظهر الشعبي” لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والتي انتهت بإحالة مخالفين إلى سلطات الضبط والمحاسبة، وغيرها من حالات الظهور خصوصاً للوزراء الجدد، كان واضحاً أنها لم تكن مجرد احتفاء بالمنصب.
وما بدا جلياً أنه لم يكن في مثل هذه النتائج ابتكارات خارجة عن المألوف، أي لا تحتاج إلى ميّزات خارقة في الرجل التنفيذي لإنجازها، إلّا أن العلامة الفارقة فيها تمثّلت في أنها تعدّت البعد البروتوكولي وأسلوب “العراضات” المقصودة لذاتها أمام كاميرات التلفزة وعيون الصحفيين، إلى الانخراط في زحام تحديات ماثلة خارج المكاتب المُغرية بسكونها وسكينتها، ودعونا نعترف أن أمام أي وزير في الحكومة الجديدة سلسلة فرص سهلة لتسجيل بصمة راسخة في مضمار عمله، إن أسعفته همّته، لأن الكثير من حلول المشكلات المؤجّلة معطّلة، وليست غائبة، تحتاج لمن ينفض عنها الغبار ليس إلّا، كما في هذا البلد الكثير من المسائل المتوقّفة على قرار لم يُتخذ بعد وينتظر من يتخذه، وقضايا ملحة لم يُقاربها أحد منذ سنوات ليس لأنها معقّدة، بل لترهل وقلّة اهتمام غير مُبررين!؟..
وبصراحة أكثر تنتظر محبي العمل الميداني من أصحاب حقائب الأوزار التنفيذية الثقيلة، فرص أكثر دسماً لتسجيل شكل وجوهر أداء مختلف عما درجت عليه تقاليد العمل “المتثائبة” على مر أدوار الحكومات السابقة، منذ ما قبل الحرب علينا وحتى الآن، تختبئ في أروقة مؤسساتنا وحنايا المدن والأرياف، وهي تلك المتعلقة بكشف الفساد ومعالجته، والحقيقة أنه بات لدينا المزيد.. المزيد من تجليات هذا المصطلح البغيض، بعد أن غدا ثقافة تكفّلت بامتدادات تعدّت الحالة العمودية إلى البعد الأفقي له، وهذا وضع خطير يرتب أعباء هائلة على الفريق التنفيذي، نرى أنها هي ذاتها الأبواب المُشرّعة لترك ملامح ولمسات الأيدي الحكومية البيضاء التي ينتظرها المواطن، وهي استحقاقات مستعجلة لم تعد ترفاً بتاتاً.. وإن عدنا إلى نتائج جولات من جال من الوزراء، سنجد أنها تصب في خانة علاج ما رتبه إما الفساد كسلوك مباشر، أو ما تسبب به الإهمال، وربما يعود هذا الأخير إلى ضروب مستترة من الفساد، وفي الحالتين نجد أنفسنا أمام الآثار الهدّامة ذاتها.
وأغلب الظن أن الحكومة دخلت في مواجهة شبه صامته مع جملة من التحديات، ولن يكون بوسعها تفادي الصدام مع “منظومات” الفساد بعد هذا الشوط الجاد الذي قطعته، أي ربما بدأنا حرباً منظّمة على الفساد دون إعلان صريح، ولعلها الطريقة الأجدى لحصاد نتائج مختلفة عما سبق.. حرب بلا إنذار، على اعتبار أن من يُنذر لن يكون مؤثراً.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]