على سيرة إعادة الإعمار..لا تنسوا الخروج من “لعنة” الخبير المستورد كي لا نحول خبرائنا إلى “باعة بسطات”..

 

 

خاص – الخبير السوري:

لا بد من عدم نسيان الخبراء السورية الآن ونحن نرسم خارطة طريق إعادة الإعمار كما تؤكد الأوساط الحكومية في أكثر من مناسبة بل في كل مناسبة أي “كلما دق الكوز بالجرة”، ولعله آن الأوان لفتح ملف الخبير المحلي، مع توقف خبرات المنح والمانحين والمتعاقدين، التي كانت تأتينا من كل حدب وصوب لتقدم لنا العون التقني، بصرف النظر عمّا إذا كنا بحاجة إليه أم لا، فـ(الفرنجي برنجي).

الواقع أنه و منذ عقود، وعقدة “الخبير الأجنبي” تسكن نفوس مديري مؤسسات وشركات القطاع العام، حتى لو كانت تلك الخبرات من بضاعتنا الفاسدة التي يعاد تصديرها إلينا على هيئة “خبراء ومعلمين”، لكن بـ “برنيطة وغليون”. فالميزانية السورية، طالما كانت مثقلة بأعباء استقدام هؤلاء والتمديد لهم، علماً أن تكلفة خبير أجنبي واحد يعمل في شركة الفرات للنفط -على سبيل المثال- تبلغ أربعين ضعفاً من متوسط تكلفة الخبير الوطني.

هدرٌ

ملايين الدولارات -وفق تقارير رسمية- أُهدرت دون داع، أو وجه حق على خبرات أجنبية أُرسلت من باب التنفيعة، وكان من الممكن استبدالها بخبرات محلية مطلعة على واقع حال الاقتصاد الوطني وآلامه. فهل يُعقل أن شركة حكومية أنفقت في عام واحد 21 مليون دولار على استقدام 75  خبيراً، بحجة أنهم من شركة عالمية مرموقة لها باعٌ طويل في تصدير العقول، أو يحملون شهادات “سرتفيكا” من البنك الدولي أو المنظمة الفلانية.

الخبرة الوطنية في الظروف الراهنة أبدأ من أية خبرة، فهي من الناحية الاقتصادية أقل تكلفة من الخبرة الأجنبية، فضلاً عن أن الخبير المحلي أعلم ببواطن الأمور المحلية من المتنفعين بفتات المنح الأجنبية، وهيئات التعاون الدولية والأوروبية، والذين تسببوا بنزف حاد لمدّخراتنا من القطع الأجنبي، على مرّ السنين الماضية.

مساعدات

استنهاض القدرات المحلية، في ضوء تعطل عمل جهات ومؤسسات وتوقف برامج تنموية عديدة، بسبب العقوبات المفروضة على الاقتصاد الوطني، وخاصة من جانب الأوروبيين، بات يشكل فرصة دسمة لاكتشاف ما لدينا من خبراء وفنيين واستشاريين، حيث نستفيد من مؤهلاتهم ومهاراتهم من منطلق وطني محض، لا كيدي أو تنفيعي كما يحدث في معظم حالات الاستعانة والاستقدام. إن هذا يدفعنا إلى السؤال عن سبب اعتماد الحكومة على خبراء أجانب في مشروعاتها، بينما خبراؤنا يديرون العالم؟.

 مزمار الحيّ

المعطيات تشير إلى أن الاعتماد المزمن – الذي نرجو ألا يعود – على الخبير الأجنبي يعود بالدرجة الأولى لعدم ثقة المسؤولين الحكوميين بالخبير المحلي، حتى لو “جمع لهم مياه البحر في قارورة”، فهو بنظرهم ليس أجنبياً، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن معظم الخبراء الأجانب الذين يأتون إلينا يكونون خبراء المساعدات بالعموم، لكن الهالة التي يثيرها المسؤول حولهم تجعلهم كأنهم سيخرجون (الزير من البير)، ناهيك عن ضبابية الآلية التي يتم عبرها انتقاء هؤلاء والتعاقد معهم.

منذ سنين طويلة وحكومتنا تعتمد على الخبرات الأجنبية في كل مجالات العمل الحكومي، دون أن نرى خبيراً واحداً مميزاً قدم شيئاً عليه القيمة لها. التساؤل الأبرز هنا: ماذا نستفيد من هذه الخبرات، مادام مردودها على مستوى الاقتصاد الكلي، غير باد أو خجولاً قياساً إلى معدلات الإنفاق عليها، اللهم إلا إذا كانت رواتبها تصرف من تكية؟.

 

نقل الخبرة

لا أحد ينكر، أن اقتصادنا استقبل في سنوات ما قبل الأزمة مباشرة حزمة من المعونات المتمثلة بخبرات فنية لا بأس بها من مجموعات مانحة دولية وإقليمية، اندرجت في إطار “المساعدات التنموية”، ما أتاح له توطين بعض الخبرة الأجنبية، التي تعد وفق المعايير الحالية لبنة أساسية للانطلاق بمشروعات تحديث مؤسساتية وقطاعية وحتى فرعية، تكون مستوحاة من الخبرات الدولية الأكثر تجربة في العمل الاستشاري والتقني.

إن عملية نقل الخبرة الأجنبية وتوطينها في سورية لم تعد مستحيلة، في ضوء تكوّن خبرات محلية باتت تشكل في مجالات معينة كالنفط، بديلاً منها كما يرى أحد اختصاصيي الإدارة .. فإحلال الخبرات المحلية محل الأجنبية، وخصوصاً مع انفتاح الاقتصاد السوري في السنوات السبع الأخيرة، سيؤدي حتماً إلى تعظيم الإيرادات المحلية، وإيقاف نزف القطع الأجنبي، رغم إقرارنا بالحاجة إلى تبادل الخبرات لتطويرها.

 

ضرورة

في الظروف الحالية، تغدو الاستفادة من الخبرات المحلية المعطلة -في رأي الأخصائي الإداري- ضرورة لتعزيز عمل مفاصل الاقتصاد الوطني، وتلافي السلبيات، وذلك عبر إنتاج بدائل وطنية من وحي الواقع الحالي، وخاصة أن هناك العديد من الخبرات التي حان الوقت للاستغناء عنها لأسباب جمة أبرزها الفساد، واستبدالها بأخرى محلية غير مكتشفة.

وتبقى ضمانة نقل الخبرة للخبير المحلي، إلزام الجهات التي تقدم المعونات الفنية أو ترسل الخبراء، بالاستعانة بالخبير المحلي في مرافقة الأجنبي بكل مراحل العمل، كجزء من فريق العمل، لا أن يكون الأجنبي في واد والمحلي في واد.

تطفيش

يهتم العاملون في ميدان تقييم الخبرات الحكومية بتطفيش الخبرات الوطنية، بعد أن تم تصنيعهم عبر إرسالهم إلى الخارج للتعلم واكتساب الخبرات، وهنا نقصد الخبرات التي يتم انتقاؤها وفق آليات سليمة، بقصد الاستفادة مما تحصّله من دراية ومعرفة وخبرة، دون أن تشفع لها هذه المهارات للعمل في مشروعات وطنية لأسباب شخصية تخص هذا المسؤول أو ذاك؟.

الأمر ذاته، بالنسبة لانتقاء الخبرات “التنفيعية” الذي يتم من باب جبر الخواطر والمحسوبيات، أو أحياناً كثيرة بهدف السياحة والاستجمام، فتعود إلى أرض الوطن –البعض منها- وكلها خبرة. في حين أن البعض الآخر، يأبى العودة ويستقر حيث المحفزات والنعم، ليبدأ بعدها بعقد الصفقات من كعب الدست، وللأسف من المال العام.

إن الجدوى من إيفاد أفراد إلى أرجاء المعمورة بقصد نهل الخبرة وتلقي النصح، يكاد يكون مساوياً لعدم الجدوى من الإرسال، ومشابهاً لحالة عدم الاستفادة من الخبراء الأجانب الجرح النازف لاقتصادنا.

ضربةُ خبير

لا شك، أن الاستعاضة عن الخبرات الأجنبية، بتأهيل أخرى محلية، توفر ملايين الدولارات التي تدفع كتكاليف استقدام وصيانة مستمرة تتطلبها هذه الخبرات، ونفقات تمديد، أيعقل أن شركة من شركات القطاع العام تدفع رواتب لخبراء أجانب تتراوح بين 22 و23 ألف دولار للخبير الواحد؟.

التساؤل الآخر، لم لا تشترط معظم الجهات الطالبة أو المستقدمة للخبراء، تأهيل الكادر الفني لديها، ومن ثم تشكل فريق خبرة محلية منهم يقوم بالأعمال المطلوبة من صيانة وتدريب، ينطلق من واقع الحال لا الأرقام التي لا تعبر عن الواقع في معظم الحالات، كما حدث مع الخبراء الأجانب الذين استقدموا لإعداد الخطة الخمسية العاشرة، وكانت النتيجة أنهم أعدوا خطة طوباوية؟.

واقع الحال يفرض علينا الاستفادة من خبراتنا المحلية، مع العدول عن موضة الأجنبي ولو مؤقتاً، وما شركة اسمنت عدرا التي بدأت تعمل بخبرات محلية بعد انسحاب خبراء الشركات الأجنبية الموردة للمبردات والفلاتر القماشية فيها، إلا انعكاس فعلي لعمل محلي محض متحرر من عقدة الخبير الأجنبي في الأزمة الراهنة.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]