في ديارنا أغنياء..بقلم: ناظم عيد

 

 

قد يكون لافتاً ومريباً أن نبقى من الدول القليلة في هذا العالم التي تفتقر في تشريعاتها الضريبية إلى العقوبات الزاجرة بحق المتهرّبين من تسديد التزاماتهم تجاه الخزينة العامة، فعقوبة السجن غائبة تماماً عن نواظم ردع حالات التهرّب لدينا، لكنها طالت بيرلسكوني مثلاً رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، الذي لم تشفع له حصانته بتحييده من قائمة المساءلة.

ونعتقد أنه ليس من مدعاة الغبطة أن تكون بلادنا أشبه بـ “جنة ظل ضريبية”، وهذه حقيقة كانت وما زالت تفضي إليها أي مقارنة أولية لحجم التوظيفات الرأسمالية مع العائد الضريبي الناجم عنها، بغض النظر عن التفاصيل وهوية المتهم هنا أكان المكلف أم موظف المالية!!..

أمام هذا المشهد يبدو من المقلق أن تكون حصّة المعالجات الضريبية متواضعة جداً في أجندة الحكومة، في ظرفٍ قاهر يستوجب العودة إلى الدفاتر القديمة ليس فشلاً وإنما استدراك لهفوات ماضٍ لم يعد من الحكمة تجاهلها والهروب منها، ولعلّنا في حالٍ من التعقيد والحساسية بما لم يعد من المجدي الاتكاء على أدوات وزارة المالية منفردة، لأننا بحاجة إلى قرارات مؤثّرة في تعديل “طعم” الواقع المرير، وهذا فوق قدرات مجرد وزارة حسبها أن تلملم مَن بقي مِن كوادرها، وعلينا ألا “نجلدها” على وهنٍ تسببه الظرف العصيب، لكن ثمة أشياء لا بد من فعلها الآن لترميم كامل المشهد الضريبي بدءاً من التشريع وصولاً إلى التحصيل، وهذا يتطلب جهداً جمعياً تشترك فيه السلطة التنفيذية مع شقيقتها التشريعية مع المكلّف، للخروج مما يشبه “عنق الزجاجة”، المأزق الذي يشي به حال خزينتنا العامة حالياً.

الآن ربما علينا أن نسلّم بأننا بحاجة ماسة لمطارح ضريبية جديدة، لكن أيضاً علينا أن نبتعد في بحثنا عن الخيارات الجاهزة والسهلة، مثل راتب الموظف، أو أرباح القطاع العام، أو رسوم إنفاق الماء والكهرباء وتثقيل الفواتير بتحويل الوزارات إلى جابٍ ضريبي.

فعلى الضفة الأخرى تقبع شريحة الإنفاق الترفي، التي يصفها علم الاقتصاد بـ “الطبقة المحمولة” في المجتمعات، وينطوي سلوكها الاستهلاكي على “دسم ضريبي” يندرج في خانة الرسوم، فلا بأس أن تفرض الحكومة بقرار جريء رسماً يصل إلى 500 أو 600 بالمئة على استهلاك الكماليات بل على استيرادها أساساً، بما أننا مصرون على استيرادها رغم أزمة الليرة وحاجتنا الماسة لعدم التفريط بدولار أو يورو واحد مما بحوزتنا إلا لاستيراد الأساسيات، ولنحوّل نقمة استيراد سلع الرخاء في زمن الأزمة إلى نعمة.. وهذا ممكن وليس مستحيلاً، إن أردنا ذلك، كما أن قائمة الكماليات الطويلة المستوردة إلينا تعد بعائدٍ مجزٍ لو فعلنا، ويجب أن نفعل لأن من أدمن أمسيات السمر في المقاهي والمطاعم ليس كمن يقاتل في ميادين المواجهة مع الإرهاب، وعلى الأول أن يدفع للثاني مجازاً لأن “الغرم بالغنم” وهذه قاعدة فقهية المنشأ اقتصادية التطبيق بحكم دلالاتها.

على العموم تبدو المقاهي والمطاعم والفنادق بمختلف درجات التصنيف، في حالة ملاءة دائمة رغم الأزمة، فلا بأس من إعادة النظر برسوم الإنفاق فيها وكذلك نسب التكليف وطريقة تحصيل ضريبة دخل الأرباح، وهذا ينسحب على مختلف الأعمال التجارية والخدمية، دون الإنتاجية التي علينا أن نخفف عنها الأعباء قليلاً كي تقلع مجدداً.

لا بد أن تضطلع الطبقة المُترفة وقطاع الأعمال الأهلي بدور اجتماعي واضح في هذه المرحلة الصعبة، وبما أننا مازلنا أمام مبادرات شبه معدومة حتى الآن، وسلبية مفرطة وَصَمت المنتمين إلى “نادي المترفين” بعد كل هذه السنوات العجاف، تصبح قرارات التكليف واجبة ولا بأس أن نُخرجها تشريفاً ومع بعض التصفيق لهم أيضاً.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]