مهمة حكومية خاصة..؟؟بقلم: ناظم عيد

لعلنا وقعنا في خطأ اجتزاء مفهوم إعادة الإعمار، وتبلورت تطلعاتنا نحو بناء المدن وخدماتها الأساسية… ففي تعاطينا مع أعمالنا وملامحنا الاقتصادية والإدارية ما يشي بأن الكثير من القطاعات العائدة من مضمار الأزمة تحمل ذات تجليات الخلل والارتباك التي “وصمتها” قبل سنوات الحرب، وبشكل ينتج سؤالاً محرجاً بصيغة استفسارية-اتهامية نختصره بجملة: ماذا فعلت مؤسساتنا خلال فترة “عطالة الحرب” بكوادرها ورواتبهم، وإداراتها وامتيازاتهم..!؟؟
إلا أننا نبدو حالياً في سياق قناعات جديدة لا بدّ أن نتصالح معها ونرجئ قليلاً فصول “دراما” العودة إلى الوراء، فثمة أولويات مستعجلة لا تحتمل الجدل العقيم حول الماضي وانتظار الحسم وتوزيع المسؤوليات، كما لا تقبل التعاطي معها بسياسات ومتابعات رخوة، لأننا نقف وجاهياً أمام استحقاق إعادة إعمار بإسقاطات شاملة ومتكاملة على الأرض، وليست منقوصة بالشكل الذي يتبلور به في أدبيات سلطتنا التنفيذية بمعظم رجالاتها.
وإن كانت مثل هذه الأولويات قد نضجت لدى الحكومة أو لم تنضج بعد، لا نعتقد أن بوسع أحد الاجتهاد والقذف بقطاع الزراعة إلى ترتيب غير متقدّم على لائحة الانتظار، فالوقائع فرضت نفسها بقسوة علينا، وأرجعتنا إلى حسابات مربع الأمن الغذائي الأول، وليعذرنا الشغوفون كثيراً بالياقات البيضاء، فهذه الأخيرة كانت مجرّد أشباح تبخرت مع أول رصاصة تم إطلاقها في الحرب على بلدنا، أي لنهدأ قليلاً ولنفكر بواقعية أكثر، لأننا بلد زراعي شئنا أم أبينا.
البداية المفترضة التي لم نشهد ما يطمئن بشأنها حتى الآن، تنطلق من إعادة بناء السياسات الزراعية، عبر فريق خبراء اقتصادي تنفيذي وأكاديمي متكامل ومتحرر من أوهام الريعية، أو من الطموحات الجوفاء اللاهثة وراء توطين مشروعات صناعات ثقيلة لا أمل بأن تتعدى حدود “الخربشات” على الورق الذي رُسمت عليه، وتكون مهمة الفريق المعزز بصلاحية صياغة مسودات قرارات ملزمة لا تقبل التسويف، وضع قوائم دقيقة بالأصناف الاقتصادية المسموح زراعتها والمساحات المسخّرة لها، والتركيز على منتجات الميزة النسبية والمطلقة، والتمييز بين الزراعة للاستهلاك المحلي وبين الإنتاج بقصد التصدير، لأننا كنا نصدر الماء – في زمن الندرة المائية – على شكل خضار ونفاخر ونصفق لأنفسنا ونطلب الثناءات على إنجاز ليس إلا خسارة تستوجب المحاسبة والمساءلة..!!
أما جوهر مهمة الدارسين فيجب أن يتمحور حول رسم إحداثيات استراتيجية للتصنيع الزراعي يجري ترتيبها وفق احتياجات السوق المحلية وفرص التصدير، وبشكل يحجب إمكانية التصدير الخام لأن فيه ما فيه من ضياع لقيم مضافة وفواتٍ لفرص كبيرة وأرباح هائلة مباشرة كانت أو غير مباشرة، ولا بدّ من ربط حقول الإنتاج بمطارح التصنيع بشكل يكون توطئة لمراسم وداع مشاهد الكساد والتلف والخسائر التي أرهقتنا لسنواتٍ طوال.
لن نتقمص دور هؤلاء الخبراء الذين نطالب بهم، بل ننبّه إلى خطورة أن تكون “الولادة الجديدة” لاقتصادنا عموماً عودة مثقلة بذات الأوجاع التي اعترته في سنوات التشوهات البنيوية والهيكلية وعشوائية النهج وضياع البوصلة، ليس لقصور الإمكانات بل لارتباك السياسات وتقوقع الرؤى، و”لعنة” الاسترخاء غير المسؤول حيث يكون لا بدّ من شد الأعصاب.
وعلى الأرجح في مشروع إعادة الإعمار تكمن الفرص المواتية للاستدراك ورسم ملامح الاقتصاد الجديد على التوازي مع المشهد العمراني الذي ربما خاله بعضهم ذروة ما يرتجى من مشروع إعمار البلاد..!!

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]