إمبراطورية لاتغيب عنها الشمس لأن “الله لايثق بها في الليل”..سرد سيرة ذاتية لأخطر دولة في التاريخ

الخبير السوري:

تعدّ الدولة من أهم محاور دراسة العلوم السياسية بوجهٍ خاص، والعلوم الاجتماعية بوجهٍ عام، بما تحتويه من معانٍ متعلقة بشبكات المؤسّسات والمصالح والمجموعات وعلاقات السلطة والقوة ومستوياتها المختلفة. والدول أنواع فهناك دول قوية ودول ضعيفة، هناك دول بنظام جمهوري وأخرى بأنظمة ملكية برلمانية.

وثمة أنواع لا تقع في بؤرة الدراسة عادة مثل حكومات الظل، الدولة الموازية، ولعلّ من أهم تلك التعريفات هي الدولة العميقة. كافة التعريفات تتعرض لشكل العلاقات بين المؤسسات المختلفة وبعضها البعض، هذا الشكل الذي ينتج عنه خريطة التفاعلات التي تؤثر على صناعة واتخاذ القرار السياسي والسيادي في أي دولة ما أي كان نوع نظامها الاقتصادي والسياسي، ويدخل في ذلك التشابكات والمصالح والعلاقات المتبادلة.

حين نتحدث عن زعامة الدولة العميقة في العالم اليوم، نذكر العديد من الأسماء: مثل الدول العميقة في الولايات المتحدة والكيان المؤقت، وهيئات مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي، ومنظمات مثل وكالة المخابرات المركزية، الموساد أو غلاديو، الجمعيات السرية من المتنورين والماسونية، والجمجمة والعظام وفرسان المعبد، وأولئك الذين يسيطرون على الاقتصاد العالمي مثل بارونات المال في وول ستريت، وشركات النفط متعددة الجنسيات. ولكن هذه كلها مجرد أدوات في هذا النظام. هم أيدي الأخطبوط، وهي تشكل المستويات الدنيا من الهرم.

أما الدولة البريطانية العميقة، من ناحية أخرى، فهي تقع في الجزء العلوي من هذا الهرم لعدة قرون. الدولة البريطانية العميقة هي أيضا سبب الاستعمار والاستعباد. لقد ظلّت الصين والهند واندونيسيا وماليزيا تحت نير الاستعمار البريطاني لعدة قرون. كما كانت الدولة العميقة البريطانية هي التي تقدم الأفيون إلى الصين، وجوّعت الهند، وأرهبت معظم جنوب شرق آسيا. في الوقت الحاضر، لم يعد أحد يتذكر الإبادة الجماعية التي قامت بها بريطانيا في الهند في تلك الفترة. بريطانيا في تلك الفترة، سببت المجاعة لحوالي 330 مليون شخص قبل 150 عاما، وتسببت في وفاة أكثر من مليون هندي.

إنها أيضا الدولة البريطانية العميقة التي دمّرت الإمبراطورية العثمانية واحتلت الأناضول. مؤسسو الليبرالية، آدم سميث وديفيد ريكاردو، كانوا بريطانيين. وتشارلز داروين، الذي وضع الأساس الأيديولوجي للداروينية الاجتماعية التي أطلقت كل هذه الفظائع على العالم في القرن العشرين، كان بريطانيا.

السياسات التي أوصلت الشرق الأوسط إلى حمام دم هي من عمل الدولة العميقة البريطانية. حيث تم تأسيس معظم دول الشرق الأوسط من قبل بريطانيا. تم ترسيم الحدود لدول الشرق الأوسط في اجتماع القاهرة برئاسة ونستون تشرشل. وقد تم اختيار معظم قادة البلدان المعنية من قبل الدولة العميقة البريطانية. رجال الدولة العميقة البريطانية مثل T.E. لورنس، وجيرترود بيل، والجنرال اللنبي، وهيوبرت يونغ، والسير بيرسي كوكس، وهربرت صموئيل وغيرهم من الذين أوجدوا، ودرّبوا هؤلاء الناس.

تم تدريب الغالبية العظمى من الكوادر الذين حكموا الشرق الأوسط في القرن العشرين في المدارس البريطانية مثل أكاديمية ساندهيرست العسكرية، وكلية الدراسات الشرقية، وإكستر، وكامبريدج أو أكسفورد لخدمة خطط الدولة العميقة البريطانية. وهنا يجب التذكير أن هناك عدداً لا يُحصى من الناس من الذين تم تدريبهم في تلك المدارس كانوا من الشرفاء والمخلصين. ومع ذلك، فمن الواضح أيضا أن هذه المدارس كانت تستخدم كمراكز للتدريب من قبل الدولة العميقة البريطانية.

بريطانيا لم تتراجع يوماً عن دعمها لإسرائيل، وتوظيف أدواتها ونفوذها وخبراتها لإسناده، سواء عبر المسيّرات في سماء غزة، أو الفرقاطات المنتشرة قبالة شواطئ غزة، أو على الارض في الضفة الغربية عبر استنزاف المقاومة الفلسطينية والتمهيد لإجهاضها.

أخرج الانكليز ما في جعبتهم من خبرات لخدمة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين واحتواء أي نزعة للتحرر والثورة في الضفة الغربية؛ ولم يترك الانكليز كيان الاحتلال يقاتل وحده في الضفة، تحت غطاء من دعم السلطة في رام الله، وإعادة تأهيلها لتتناسب مع احتياجات نتنياهو الذي عبّر عن رفضه للصيغة القديمة من العلاقة والتنسيق.

الممارسات الميدانية لبريطانيا تؤكد أنها مخلصة لإرثها الاستعماري، وأن الدولة العميقة متمسكة بدعم الاحتلال، وأن حراك الشارع البريطاني ورغم مرور شهرين؛ تم تجاوزه بمهارة عالية، وإصرار كبير من الدولة العميقة التي تحكم هذا البلد.

الكاتب:

نسيب شمس
-كاتب وباحث سياسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]