رغم أن الرقم صعب المنال…تقديرات حجم الفساد في القطاع العام تصل إلى 4 آلاف مليار ليرة!!

الخبير السوري:

مع تفاقم ظاهرة الفساد، لا يعتمد بعض الموظفين بعد الآن على “الإكرامية” لتسوية الأمور غير القانونية فحسب، بل أصبحوا يبتكرون أساليب جديدة لتعطيل أي معاملة حتى وإن كانت كاملة، بهدف فرض ضغوط مالية على أصحابها.

الفساد أصبح كارثة حضارية قديمة ومستمرة في سورية، والتي وصلت أرقامها إلى مستويات مرعبة، حيث تم تقدير استنزاف الخزينة الوطنية بمبلغ يصل إلى 4 تريليونات ليرة سورية!

واحدة من التجارب التي تعاملت مع مصرف، محتاجة إلى مرونة وكفاءة عالية، ولكنها واجهت موظفًا يعمد إلى التباطؤ الشديد والمغادرة العشوائية للعمل، ثم يعود ليؤدي المهمة بطريقة بطيئة جداً. وعندما سألته عن سبب تلك البطء، أخبرها بأنه سيسلم لها المبلغ المطلوب من فئة الألف والألفي ليرة.

وهذا يعني أن عليها أن تتعامل مع كميات كبيرة من الورق، لذا طلبت منه تسليم المبلغ بفئات الخمسة آلاف ليرة. لكنه رفض وقال : “ما عنا”. ولكنه أخيرًا وافق على الصفقة عندما عرضت عليه ورقتين من تلك الفئة مقابل “الخدمة” التي يقدمها.

تكررت قصص التقاعس والتعمد في عرقلة عمليات تسوية الأمور بمقابل، مثلما حدث مع كاتبة التقرير عندما قامت بإعداد معاملة معقدة باستخدام نموذج “ملف الاستقالة”. واجهت هي الأخرى تأخيرًا كبيرًا واختفاءً متكررًا للوثائق الرسمية، حيث تباينت التصريحات بين جهة تقول إنها وضعت الوثائق في الملف وجهة أخرى تنفي وجودها على الإطلاق. هذا يجعل الشخص البسيط الذي يعتمد على هذا الملف عاجزًا عن فهم ما يحدث ولماذا اختفت الوثائق.

وفي محاولة لاستعادة إحدى الوثائق المفقودة، تذكرت مقولة اقتصادي سابق قال إن الفساد في بعض البلدان يشبه الزيت اللازم لتشغيل الروتين والتقدم، ولكن يبدو أن هذا التصور لا ينطبق على الوضع في سورية. إذ أصبح الروتين أفضل من التعمد في تعطيل المشاريع والمعاملات بهدف الحصول على “إكرامية”.

مع تدهور القدرة الشرائية، أصبح الموظف الذي لا يتلقى رشى هو الاستثناء، والوضع يزداد سوءًا عندما تكون القطاعات حيوية، وتؤثر بشكل كبير على حياة الناس. الجميع يعلم أن هذا الواقع يمتد إلى جميع القطاعات دون استثناء.

لا بد أن نطرح السؤال بعد سنوات من انتشار هذه الظاهرة : هل يمكن للموظف الذي اعتاد على تقاضي الرشى أن يتوقف عن عرقلة العمل مقابل الحصول على الرشوة إذا تحسن دخله؟ يقول بعض الخبراء إن من اعتاد على الإكرامية لن يتغير ولن يترك هذه العادة حتى وإن تحسنت ظروفه المالية، رغم اعتقادهم الجازم بأن الدخل لن يتحسن أبدًا. ويتجلى ذلك في التصريحات السابقة التي تشير إلى وجود شرعنة غير معلنة للفساد. وهناك وجهة نظر تقول إنه ليس هناك موظف يعمل بدون مكافأة نقل ويترك مصيره للمواطنين.

الخبير الإداري عبد الرحمن تيشوري يؤكد أن الرواتب المنخفضة تمثل مفتاحاً لانتشار الفساد وتشجيعه، وأن أي جهود لتحقيق الإصلاح يجب أن تبدأ بضمان كفاية الرواتب وتوفير مستلزمات العيش الكريم. ويشدد على ضرورة ربط الرواتب بالقدرة الشرائية وسلة الأسعار ومستوى المعيشة.

تيشوري يشير إلى أن حاجة الموظفين لا تقل عن مليوني ليرة لتأمين احتياجاتهم الأساسية، وأن زيادات صغيرة بمقدار 200 ألف أو 300 ألف ليرة لن تكون كافية لتحسين مستوى المعيشة المطلوب. ويؤكد على أهمية تقليل الفجوة الكبيرة بين الرواتب والأجور وبين أسعار السلع والخدمات، ويقترح رفع الأجور بنسبة لا تقل عن 300 % كخطوة لسد هذه الفجوة وضمان عدم تحميل الدولة والمواطنين عبئاً إضافياً.

تيشوري يشدد على أن الأجور المرتفعة هي جزء أساسي من الإصلاح وأنه لا يمكن الحديث عن تحسين الخدمات أو التحول إلى الخدمات الإلكترونية دون معالجة القضية الأساسية للرواتب المنخفضة. ويناشد بضرورة معالجة هذه القضية لضمان استقرار اقتصاد البلاد.

تيشوري يُلقي الضوء على دورة الفساد والتي تصل إلى أرقام هائلة تقدر بحوالي 4 تريليون ليرة. ويؤكد أنه يمكن زيادة الأجور من مصادر هذه الدورة دون زيادة أسعار السلع. ويستند إلى دراسات سابقة تؤكد إمكانية رفع الرواتب بنسبة تصل إلى 200 % دون تكبد أي تكاليف إضافية للخزينة العامة.

بدوره، الخبير الإداري صلاح الدين سقر، يشير إلى أنه من الطبيعي أن ينعكس تدهور الأوضاع الاقتصادية على أداء الموظفين في ظل ظروف الحرب، وهذا قد يزيد من حالات الفساد. ويجب أن يتم التفريق بين الفساد الكبير والصغير واتخاذ الإجراءات المناسبة لمكافحته.

ويشدد سقر على أهمية تحسين الدخل والمستوى المعاشي للموظفين، وضوح الإجراءات وتبسيطها، والمحاسبة الفعّالة للمقصرين. ويشير إلى ضرورة تحقيق توازن في الرواتب بحيث لا تقل أي راتب عن مليون ليرة والحد الأدنى للرواتب لا يقل عن 500 ألف ليرة، وعدم فرض أي ضرائب على هذه الرواتب.

هاشتاغ

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]