تكاليف النقل تتحكم بخيارات التخصص الجامعي….. الكليّات الأقرب إلى مكان الإقامة مرغوبة ” ولتذهب العلامات والتفوق والأحلام إلى الهاوية”..

الخبير السوري:
اضطرت (رولا) إلى التخلي عن رغبتها في دراسة الهندسة المدنية، لتسجل بدلاً من ذلك (اللغة الإنكليزية)، ليس حباً منها للّغات، ولا لافتقارها للمعدل، بل على العكس فقد كانت علاماتها ممتازة وتتيح لها دخول أفضل فرع، ولكن السبب أن كلية الآداب قريبة من سكنها في المزة ٨٦ بينما تقع كلية الهندسة في منطقة الصناعة(الهمك)، والتي يتطلب الوصول إليها دفع ما بين ٤٠٠٠-٥٠٠٠ ليرة يومياً أجرة مواصلات (سرفيس)، بمتوسط قدره ٣٠٠ ألف ليرة لكل طالب يواظب مدة 22 يوماً في الشهر على الدوام في الجامعة.
حيث تسببت زيادة سعر المحروقات في ارتفاع أجور مواصلات النقل والسلع والخدمات، في وقت تشهد قيمة الرواتب انخفاضاً كبيراً أمام هذا الارتفاع.
ونتيجة لهذه الأسباب، فقد اضطر العشرات من خريجي الثانوية العامة هذا العام إلى التخلي عن التخصصات التي كانوا يحلمون بدراستها، واختيار تخصصات توفرها الكليات الواقعة بالقرب من مناطق سكنهم.
والطالبة هدى هي الأخرى كان حلمها أن تصبح مُهندسة مدنية وخاصة بعد تفوقها في الثانوية، وحصولها على مجموع ٢٣٣ من أصل ٢٤٠، ولكن على ما يبدو أن الظروف أقوى منها لأنها أجبرتها على أن تتخلى عن هذا الحلم، وتقبل بدراسة الحقوق بسبب بعد سكنها عن الكلية، فهي تقطن في منطقة جديدة عرطوز، وكليات الهندسة بعيدة جداً عن مكان سكنها وأشارت خلال حديثها إلى أنها ليست الوحيدة، فشقيقتها هي الأخرى اضطرت إلى تغيير تخصصها للسبب نفسه.
وهنا نسأل: ما ذنب الطلاب الجامعيين، ولماذا لا يكون في كل منطقة باص نقل على الأقل لنقل طلاب الجامعة بمعدل رحلة واحدة يومياً ذهاباً وإياباً…؟

خطة للتخديم
محمد أبو رشيد مدير عام شركة النقل الداخلي في دمشق وريفها بيّن أن هناك خطة لتخديم طلاب الجامعات، حيث سيتم تشغيل خطوط لباصات النقل الداخلي لنقل الطلاب من وإلى كلية الهمك ذهاباً وإياباً، حيث ستنطلق الباصات من قطنا في ريف دمشق إلى الهمك، وضاحية قدسيا – همك، وقدسيا – همك.
وهذه الباصات ستكون مخصصة لطلاب الجامعات (همك) حصراً بمعدل رحلتين الأولى صباحاً الساعة السابعة، والثانية العودة عند الثالثة بعد الظهر إلى الأماكن نفسها التي انطلقت منها.
نصيب كبير
بدوره الخبير الاقتصادي فاخر القربي بيّن أن الأزمة الاقتصادية أسدلت ستارها على جميع القطاعات، ولم تستثنِ قطاع التعليم، الذي ناله نصيب كبير من انعكاساتها السلبية، فمع ازدياد نسبة الفقر لم يعد بمقدور عدد كبير من الأهالي تسجيل أولادهم في فروع الجامعات الرسمية منها، فحتى تكلفة النقل تحتاج ميزانية ليس في استطاعتهم تأمينها، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات بشكل جنوني، عدا المستلزمات الدراسية من قرطاسية وحاجات أخرى، الأمر الذي اضطر بعض الطلبة إلى تقليص الدوام الجامعي لأيام، وهذا يؤثر في مستوى تحصيلهم العلمي، وبالتالي فإنّ هذا التسرب الجامعي له آثار سلبية على مستوى التطوير المجتمعي، وهو ما ينعكس سلباً على مستوى الوطن كله، لكون الحركة الاقتصادية تتعثر والمستويات التعليمية تتدهور.
وإن ما يعيشه الطلبة في هذه المرحلة يؤثر في مستوياتهم النفسية والفكرية والاجتماعية، فكثيرون منهم يصابون بنوع من الاستسلام، وهذا الأمر ينعكس على التنمية المجتمعية، فكان دائماً حلم طلابنا الالتحاق بركب من سبقوهم في بناء الوطن وتقديم الخدمات للمواطن.

خطة إسعافية
نحن بحاجة لخطّة إسعافية، حسب القربي، نستطيع من خلالها تعويض فاقد التعليم الجامعي لدى شبابنا وبناء جيل يحمل شهادات جامعية نستطيع من خلاله بناء وطن يحمل أبناؤه فكراً بطابع ثقافي واجتماعي وأخلاقي، لكن لم يكن متوقعاً لدى الكثير من طلبتنا انتزاع حقهم في التعلم الجامعي وتحقيق طموحهم وبناء مستقبلهم نتيجة انتقالهم للعمل إلى جانب دراستهم، وربما في معظم الأحيان ترك الدراسة من أجل العمل نتيجة وقوع الطالب في أغلب الأحيان بين طرفي كماشة الدوام الطويل من جهة، واحتياجاته الجامعية غير المحدودة وخصوصاً في الفروع ذات الطابع العلمي العملي من جهة ثانية.
ومادامت الفئات الشابة المتعلمة تهاجر، ومن على مقاعد الدراسة تتسرب من التعليم، وبالتالي لا تتثقف للوصول إلى وعي في التفكير وفي العلاقات، فلن نؤسس لبناء مجتمع ووطن أفضل في المستقبل، ومن هذه المقترحات: منح القروض الإنتاجية بتسهيلات يستطيع الطالب من خلالها توليد فرصة عمل تنعكس اقتصادياً وذاتياً واجتماعياً، وتكون مدة هذه القروض فترة دراسته الجامعية كحد أقصى، وربط الكفالة المصرفية ببراءة الذمة حين تخرجه من مرحلته الجامعية، وكذلك إيجاد صيغة قانونية بين وزارة التعليم العالي ووزارة المالية لتقديم منحة مالية ولو لمرة في العام من أجل تغطية نفقات الطالب الأساسية، وأن يكون هناك تعاون بين وزارة التعليم العالي ومختلف الوزارات للاستعانة بالطلاب ضمن عقود موسمية، يستطيع من خلالها الطالب تغطية نفقات دراسته وبالتالي يؤدي دوره من خلال خبرته في خدمة المجتمع بشكل عام.
إضافة إلى تعزيز الدور الاجتماعي للمؤسسات والجهات التي تعمل في المجال الإنساني لتقديم الدعم للطلاب في الجامعات وتحفيز رجال الأعمال على تقديمهم منحاً مالية للطلاب وتغطيتهم بعض المنح الدراسية الجامعية، إضافة إلى تشجيع رجال الأعمال على تبني مشروعات ريادة الأعمال الإنتاجية التي يقوم بها الطلاب في الجامعات…

تشرين – دينا العبد

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]