هل يمكن تعويم الليرة …جدل حول إمكانية حذف الأصفار من العملة السورية؟

الخبير السوري:

كلما ارتفع سعر الصرف، وخاصة حين يرتفع بشكل كبير، ويرفع معه أسعار السلع والخدمات، دار الحديث ذاته بين الناس، وتحديداً غير المختصين، وتطرح الأسئلة ذاتها : لماذا لا يتم تعويم الليرة؟ البلد الفلاني فعلها ونجح، لماذا لا يتم حذف أصفار من عملتنا؟ البلد الفلاني فعلها ونجح، ويساعد على “تعويم” هذه الحالة مواقع التواصل، وخاصة (فيسبوك) الذي تنتشر فيه الكثير من المغالطات والمعلومات الخاطئة وغير الموثقة.. فما سعر الصرف؟ وماذا يعني تعويم العملة وحذف الأصفار؟ وهل هذان الإجراءان بالإمكان إجراؤهما من دون شروط ومواصفات معينة؟

  • سعر الصرف

عرّفت الباحثة الاقتصادية، الدكتورة رشا سيروب، سعر الصرف بأنه سعر عملة دولة ما بالنسبة لعملة دولة أخرى، وعند تغير سعر الصرف يُقال إنه حدث ارتفاع / أو انخفاض في العملة المحلية، مقابل انخفاض / أو ارتفاع في العملة الأجنبية.

  • كيف يتحدد سعر الصرف؟

تقول سيروب إن تحديد سعر الصرف يكون بناء على نظام الصرف الذي تتبعه الدولة. وتشير اﻟﺘﺠﺎرب الدولية إﻟﻰ أنه ﻻ يوجد معيار ﻣﺤدد لعملية ﺗﺒﻨﻲ ﺳﻌﺮ اﻟﺼﺮف ﻣﻦ الدول، ﻛﺄن ﻧﻘﻮل ﻋﻠﻰ سبيل اﻟﻤﺜﺎل : الدول الغنية ﺗﺘﺒنى ﻧﻈﺎم ﺳﻌﺮ ﺻﺮف مرن، أو إن الدول الفقيرة ﺗﺘﺒﻨﻰ ﻧﻈﺎم ﺳﻌﺮ ﺻﺮف ثابت.. إﻟﺦ. ﻷن عملية تبني ﻧظام ﻟﺴﻌﺮ اﻟﺼﺮف، ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺜﻮاﺑﺖ واﻟﻤﺤﺪدات الهيكلية الاقتصادية، وﻛﺬﻟﻚ مجموعة من اﻟﻌﻮاﻣﻞ الخارجية.

في هذا السياق، يوجد عدد ﻣﻦ الأنظمة اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، التي تتراوح بين ﻧﻈﺎم ﺳـﻌﺮ اﻟﺼـﺮف المرن، وﻧﻈﺎم ﺳـﻌﺮ اﻟﺼـﺮف الثابت، وﻟكل ﻧظام بيئته الاقتصادية اﻟﺨﺎﺻﺔ.

ففي نظام الصرف المرن، تلعب آلية السوق دوراً ﻓﻲ تحديد ﺳـﻌﺮ اﻟﺼـﺮف، وينقسم هذا النظام إلى فرعين، الأول، (نظام الصرف العائم)، وفيه يتحدد سعر الصرف بناء على العرض والطلب، وكأن العملة سلعة، عندما يزداد الطلب على العملة يرتفع سعرها، وهو النظام الذي تطبقه معظم الدول المتقدمة (ليس جميعها)، الثاني، (نظام الصرف الموجه أو المدار)، أيضاً يكون سعر الصرف فيه محدد، بناء على العرض والطلب، لكن يُسمح لسعر الصرف التقلب في هوامش معينة (السماح بتحرك سعر الصرف إلى قيمة توازنية جديدة)، وعندما يتجاوز تذبذب سعر الصرف هذه الهوامش، يتدخل المصرف المركزي كبائع أو شارٍ للعملة، كي يعيد سعر الصرف إلى قيمة توازنية جديدة، تضمن اﻻﺳﺘﻘﺮار وﺗﺠﻨﺐ اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﻤﻔﺮط ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن.

أما نظام الصرف الثابت، فيسيطر عليه المصرف اﻟﻤﺮﻛﺰي ﺑﺪرﺟﺔ كبيرة، ويُحدد سعر الصرف بقرار من السلطة النقدية، بصرف النظر عن العرض والطلب، حيث يتم ربط سعر الصرف الرسمي للعملة المحلية بعملة دولة أخرى، وتعتبر ﻋﻤﻠتا اﻟﺪوﻻر الأميركي واليورو ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻌﻤﻼت اﻷجنبية اﻟﺘﻲ يتم ﻣﻘﺎﺑلها تثبيت ﻋﻤﻼت دول اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻷﺧﺮى، أو مقابل سلة من العملات (تتحدد حسب الشركاء التجاريين)، أو مقابل حقوق السحب الخاصة (وهي عملة حسابية أصدرها صندوق النقد الدولي وتشمل عملات جميع الدول المساهمة في الصندوق).

وبحسب سيروب، يشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد، إلى أن عدد الدول العربية التي تتبع نظام الصرف الثابت هي 13 دولة، من بينها سورية ولبنان والأردن، وبالنسبة لسورية فإنها تثبت الليرة السورية مقابل حقوق السحب الخاصة، بينما يثبت لبنان سعر الليرة اللبنانية مقابل عملة الدولار الأميركي. وتطبق 6 دول عربية نظام الصرف الموجه، منها مصر وتونس والجزائر، ويوجد دولة عربية واحدة تطبق نظام الصرف العائم، وهي اليمن.

  • التعويم وشروطه

أما تعويم الليرة السورية أو تحريرها، فيعني تطبيق نظام الصرف المرن كما أكدت سيروب، بحيث يتحدد سعر الصرف بناء على العرض والطلب. لكن للتعويم متطلبات، من أهمها وجود وفرة في الاحتياطي الدولي من العملات الأجنبية والذهب، كي يتمكن المصرف المركزي من التدخل كبائع للعملات الأجنبية (ضخ حاجة السوق من القطع الأجنبي) عند حدوث تذبذب غير مقبول في سعر صرف العملة المحلية، مقابل العملات الأجنبية. فضلاً عن أن التعويم يتطلب وجود سوق للنقد الأجنبي على درجة كافية من السيولة والكفاءة تسمح باستجابة سعر الصرف لقوى السوق، ويعمل على تخفيض عدد موجات التقلب المفرط. ويتألف سوق النقد الأجنبي من سوق لتداول العملة بالجملة بين الوسطاء المعتمدين (عادة المصارف والمؤسسات المالية)، وسوق للتداول بالتجزئة، حيث تتم المعاملات بين الوسطاء المعتمدين والعملاء النهائيين (الأفراد والشركات).

وحالياً، باعتبار أن الطلب على الدولار الأميركي مرتفع جداً، ولا يوجد قدرة على ترميم المستنزف من الاحتياطي، نتيجة ضآلة الصادرات وضعف السياحة وعدم القدرة على الاقتراض من المؤسسات الدولية أو الدول بسبب العقوبات الدولية، وفي ظل فقدان الثقة بالليرة السورية، كل ذلك، أفقد مصرف سورية المركزي السيولة الدولارية، التي يحتاجها لمواجهة المضاربة على الليرة السورية، بالتالي فإن التعويم، يعني مزيداً من انهيار سعر صرف الليرة السورية، إلى مستويات لن تتمكن الدولة من ضبطها.

  • ماذا يعني حذف الأصفار؟

توضح سيروب أن حذف الأصفار ليس سياسة اقتصادية، بل هو مجرد إجراء فني تقني يتمثل بالتخلي عن عملة قديمة وظهور عملة جديدة، وبالتالي نجاح تطبيقه مرهون بـنجاعة السياسات الاقتصادية التي تترافق أو تسبق هذا الإجراء الفني.

وأظهرت التجارب الناجحة للدول التي لجأت لهذا الإجراء – رغم ضآلتها مقارنة مع التجارب الفاشلة – بأن أفضل وقت للتنفيذ هو بداية النمو الاقتصادي، بعد معالجة مسببات التضخم، المتمثلة في زيادة الإنتاج المحلي، والصادرات، واستقرار سعر الصرف، والحد من المستوردات، ودون ذلك سيعود التضخم أقسى من السابق وستظهر مشكلة الأصفار من جديد.

وباعتبار أن الاقتصاد السوري، لم يبدأ بعد بالتعافي مع ارتفاع مستمر ومزمن في الأسعار، وعدم استقرار في سعر صرف الليرة السورية، إضافة إلى الإفراط في المعروض النقدي، الناجم عن سياسة التمويل بالعجز، فضلاً عن غياب وضعف الثقة في أي قرار حكومي، لهذا لن يكون قرار إزالة الأصفار من الليرة السورية، غير فعال فقط، بل سيكون مجازفة خطيرة للاقتصاد، وسيتفاقم الوضع الاقتصادي ليصبح أكثر سوءاً.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]