بعد أن ضاعت في زحام أولويات الأزمة…الجودة تعود إلى طاولة النقاش …شرط لازم لمرحلة الاعمار

 

 

 

 

 

دمشق – الخبير السوري:

لاشك أن لمرحلة الإعمار متطلباتها، التي يفترض أنها استثنائية بامتياز، مقارنة مع ما تطلّبته المراحل السابقة، وهذا الأمر يستدعي بالضرورة رسم الخطط المستقبلية لبناء الوطن من جديد آخذين بعين الاعتبار ألا يكون هذا البناء عشوائياً، وإنما مرتكز بالدرجة الأولى على معايير الجودة، وألا نسمح بإعادة ممارسة الأخطاء التي أحدثت في وقت ما مواطن خلل في كثير من المفاصل الاقتصادية والاجتماعية، وهذا يحتم على جميع الجهات الحكومية التركيز على عامل الجودة واعتماد معاييره بشكل صارم، حتى نصل بالنتيجة إلى منتج –سواء كان إنتاجياً أم خدمياً– ذي مواصفات تنافسية ولو على المستوى الإقليمي على أقل تقدير.

الخاص ليس بمنأى

ما سبق لا يعني أن مفهوم الجودة محصور فقط بقطاعنا الحكومي، بل إن نظيره الخاص هو الآخر معني بهذا الأمر، وهنا لابد لاتحادات غرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة العمل على ترسيخ هذا المفهوم بكل منتجاتها وفعالياتها الإنتاجية والخدمية وخاصة في مرحلة الإعمار، بحيث يكون للجودة مفهوم آخر متجدّد، وفي هذا السياق يوضح نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية للجودة محمود حناوي أهمية المرحلة الجديدة التي تنصبّ الجهود فيها على إعادة الإعمار، في كل نواحي الكينونة السورية نتيجة ما سبّبته هذه الحرب الغادرة، فإعادة الإعمار تشمل النواحي البشرية والاقتصادية وغيرها، مؤكداً أن إعادة الإعمار يجب أن تكون بأعلى مستويات الجودة الممكنة وعلى مختلف الصعد، مع ضرورة إعادة النظر بجودة التعليم من المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الجامعية، إذ لا يمكن تصوّر إمكانية تحقيق حلمنا بالارتقاء إلى مستوى الدول المتقدمة دون أن يكون قد تزوّد الإنسان السوري بأفضل العلوم وأفضل الوسائل.

 

ضرورة الالتزام

وأضاف حناوي: إن الاقتصاد القوي المأمول لا يمكن أن يُبنى دون منتجات صناعية راقية قابلة للتصدير وقادرة على المنافسة في الأسواق الخارجية، ولا يمكن لمنتَج سوري أن ينافس منتجات أجنبية في الدول المختلفة دون أن يتمتع بجودة عالية تجذب المستهلكين لشرائه، أما قطاع السياحة فهو يحتاج بمختلف جوانبه إلى خدمات عالية الجودة حتى تستطيع منافسة أسواق السياحة العالمية وجذب أعداد كبيرة من السياح، وهذا ينطبق على كل نواحي حياتنا المختلفة، وهنا لابد من التأكد أن الجهات والفعاليات المختلفة تستطيع تطبيق معايير الجودة المطلوبة في مرحلة إعادة الإعمار.

ويضيف حناوي: من هنا لا بد لتلك الجهات والفعاليات أن تلتزم بتطبيق المواصفات القياسية العالمية للجودة ولأنظمة إدارة الجودة المختلفة التي تغطي مختلف أنواع النشاطات الاقتصادية والتعليمية والطبية وغيرها، فلكل نشاط مواصفة تحكمه في مواصفات المنتج والخدمة التي يقدّمها ومعرفة كيفية إدارة نظام الجودة للتأكد من الالتزام المستمر بتلك المواصفات والتحقق من المطابقة مع معايير الجودة، من خلال جهات معتمدة في مثل هيئة الاعتماد السورية والجمعية العلمية السورية للجودة.

 

خبرات ولكن..!

ويؤكد حناوي أن الجمعية تمتلك من الخبرات الوطنية أشخاصاً على مستوى عالمي من المعرفة والخبرة والنزاهة، وهي قادرة على أن تقوم بدورها في مرحلة إعادة الإعمار من خلال مساعدة المؤسسات الصناعية والخدمية والتعليمية والتدريبية وغيرها، كما أن الجمعية تستطيع تبني وتطبيق أنظمة الجودة الخاصة بها وكل ما يلزم هذه العملية، بالإضافة إلى الإجراءات والترتيبات المتعارف عليها عالمياً، إلى جانب قيام الجمعية واستمرارها بنشر ثقافة الجودة في المجتمع السوري من خلال ورشات العمل التوعوية المجانية، وكذلك من خلال الدورات التدريبية التخصصية لتأهيل الكوادر الفنية المتخصصة في مجالات الجودة وإدارتها.

 

الخطأ وارد

عضو الجمعية العلمية للجودة هشام كحيل بيّن أن مفهوم الجودة يرتبط بشكل رئيسي بالتوصيف الوظيفي وتحديد السلطات والمسؤوليات وسبل المراقبة والمحاسبة وربطها بتقييم الأداء، بالإضافة إلى وضع الأهداف الاستراتيجية والعلمية لتتسم بها جميع أنشطة إدارة الجودة في البناء الجديد من خلال طرق وإرشادات وتعليمات العمل المبسّطة والموثقة والواضحة.

وبما أن ممارسة أي يعمل ينتج عنها بعض الأخطاء يؤكد كحيل أن الخطأ ممكن حدوثه لدى الإنسان والآلة والمعدات، وأنظمة الجودة تمكّن من التعرف على الخطأ بشكل مبكر وتصويبه بالأفعال التصحيحية، ومن أهمها مراعاة عملية التواصل لأن ضعف الاتصال بين العاملين يؤثر في جودة الأداء، إضافة إلى نشر سياسة الجودة وتعريف العاملين بدورهم ومسؤولياتهم في تحقيق النجاح وتحديد المسؤوليات والصلاحيات في العمل المؤسساتي وتقييم الأداء ومعرفة حقيقة وجود العمل المؤسساتي ووضوح هيكلية المؤسسات على أسس الترابط الإداري، والتحكم بالعلاقات الشخصية أثناء أداء الأنشطة، كما يجب تجاوز ربط العمل بقوة أو ضعف شخصية القائم على العمل، وربط كل الخيوط والمعلومات بيد أشخاص محدّدين.

 

بعيداً عن الشخصنة

ويتابع كحيل: يجب على نظام الجودة أن يكون قادراً على تقييم النتائج ومراقبتها واتخاذ الأفعال الضرورية لضمان تحقيقه، والبحث بإمكانية تجاوز المشكلات والأزمات الطارئة، مع دراسة المخاطر المحتملة والتأكد من التطبيق الفعّال لخطة الطوارئ رغم وجودها، ومن واجبات منظمة الجودة كما يرى كحيل تحديد وإدارة العوامل البشرية والفيزيائية لبيئة العمل من أجل تحقيق أهدافها، وبالتالي فإن التقيّد التام بهذه الضوابط يمكّن الإدارة من التحكم بدفة السفينة من خلال إنجاز العمل وفق معايير الجودة الحقيقية وإدارتها لعملية إعادة الإعمار، التي تتطلب العمل الجاد وفق معايير بعيدة عن الشخصنة، ورفع شعار “لا مكان لمن بنى جداراً مائلاً قبل وخلال الأزمة” وألا يكون له دور في مرحلة إعادة البناء.

 

تعاطٍ سلبيّ

ما زلنا نعاني في مجتمعنا من عدم وجود ثقافة الجودة ومدى أهميتها لحيثيات العمل الاقتصادي والعلمي وحتى الاجتماعي، ولعل هذا سبب انكفاء التعاطي المؤسساتي العام والخاص وكذلك المجتمعي مع الجهد الذي تبذله الجمعية من ورشات عمل ودراسات علمية ومحاضرات، فرغم أهمية الأخيرة إلا أنها لا تلقى ذلك الاهتمام من معظم جهاتنا الرسمية والخاصة، ما انعكس بالتالي على تقلص دور الجمعية وعدم اضطلاعها بدورها الفعّال لرفع مستوى أعمالنا، الذي لا يمكن أن تضطلع به إلا من خلال دعم حكومي وفرض تشريعات وأنظمة تلزم وتحدّد مستوى أداء وأعمال الجهات الحكومية الخاصة بمعايير الجودة.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]