تغييرُ المتربّعين على كراسي الكونترول في مؤسَّساتنا.. سيرة وانفتحت في “غرفة عمليات” الحكومة ؟!

 

 

خاص – الخبير السوري:

لا ندري إن كانت موضة تغيير المديرين في حركة أفقية وعمودية يلعبها عدد من الوزراء أو ربما رأس الهرم التنفيذي الذي يكرر هذه الأيام كثيراً من وعيده للمديرين الفاسدين، ويتحدث عن إحالات إلى القضاء ويححد أحياناً عدد القضايا المنظورة تحت بند ذي صلة بالفساد..ولا ندري إذا كان ذلك ضربٌ من الحراك الجدي والنية الحقيقية بمكافحة الفساد، أم نوعاً من تغيير (الأطقم) بألوان مركبة ومتناغمة مع امتيازات الكرسي وما درجت العادة عليه من لملمة (ذوي القربى)، أو ربما محاولة لتهدئة خواطر المكتوين بنار الفساد الأسود.

فإقالةُ مدير مؤسسةٍ هنا ومديرٍ هناك تزوّدنا بجرعةٍ من التفاؤل لأن خبراً كهذا نادراً ما يتناهى إلى مسامعنا، والسبب أن مؤسساتنا ابتليت بمديرين (طبعة أصلية) غير قابلة للتعديل أو النسخ مع غياب (بديل مؤهَّل أو ذي كفاءة تضاهي كفاءته)، طبعاً من وجهة نظره وحجّة من يدعم بقاءه على كرسيه مقابل ملفات خدمة متبادلة بشعار (ادفع التسعة لتأخذ العشرة)، وهذا سببٌ أولُ لبقاء معظم مديري المؤسسات لفترات طويلة قد تتجاوز عشرين عاماً وخاصة الحساسة منها والمعروفة بنسبة المنفعة الكبيرة التي لا يصل إليها إلا شخصٌ (توافقيّ) بين عدّة متنفذين داعمين لمن يستلم المنصب.

 

موضة

ما يبعث على التفاؤل المشوب بتقدير صعوبة المهمة أنَّ من بدأ بحملات التغيير هي وزاراتٌ تمسّ مباشرة الحياة اليومية للمواطن وبإرادة وزراء مشهود لهم بالنيات الجدية بالتغيير، فوزارة الكهرباء مقتنعة بضرورة تبديل حوالي 50 % من قاطعي التيار والضابطة العدلية ومؤشري العدادات الفاسدين واستبدالهم بآخرين يتمتعون بالصدق والأمانة وهم كثيرون حسب وزيرها، أما وزارة الاقتصاد فقد كشف البعض عن نيتها القيام بحملة موسَّعة لتغيير مديري مؤسسات ومديري تموين في المحافظات، وخاصة ممن ساهموا في التخبُّط والخلل الذي عمَّ الأسواق المحلية في الآونة الأخيرة، وما رافق ذلك من ارتفاع في أسعار العديد من المنتجات والسلع لعدم تطبيق التوجيهات الخاصة بمراقبة الأسواق وضبطها، وهناك أنباء عن تغيير على مستوى معاوني الوزراء.

لبُّ المشكلة

البعض يرى أن المشكلة في مؤسساتنا ليست مشكلة وزير، وبالتالي فإن تغيير الوزير لا يقدّم ولا يؤخر وإنما المعضلة تكمن في انتقاء المديرين وخاصة أن هنالك مديرين عامين لديهم من الإمكانيات في شركاتهم ما هو أكبر من إمكانيات وزير، فالتغيير المطلوب هو تغيير المديرين العامين ومديري الدوائر المفصلية وإبعادهم وعدم إطلاق أيديهم في مؤسسات أخرى، فإذا ما تمّ تعيين وزير مشهود له بالكفاءة وبقيت بعض القيادات الإدارية على حالها فلن يتمكن من تنفيذ خططه. والبعض الآخر يرى أن أي مدير مهما علت معرفته لا يمكن أن يعطي ويبدع في دائرته أكثر من أربع إلى خمس سنوات فما بالنا بمن يلتصق بالكرسي أكثر من عشر سنوات لذلك يجب تحديد مدّة لبقائه في كرسي الإدارة وأي وزير لا يرى تقدماً في مؤسسة معينة عليه أن يغيّر مديرها.

لكنّ للباحث الاقتصادي الدكتور هاني الخوري رأياً آخر، فالفساد لا يحارب بمنهجيات فردية والمكوّن الأساسي لمحاربته هو تحصين المديرين من خلال اختيار الأشخاص الذين يكون لديهم مشاريع تطوير يعبرون عنها خلال إدارة مؤسساتهم.

ويوضح الدكتور خوري أن أي شخص يتم وضعه في منصب معين ولا يحمل قيمة خاصة به تغني المكان الموجود فيه يتحول المنصب والسلطة إلى مزايا قابلة للتداول والبيع وناتجة عن عدم إنسانية ومشروعية هذا الشخص وهي مشكلة متركزة في مجتمعنا على اعتبار أن طريقة التربية وطريقة التعيين لا تتطلبان شخصياتٍ ذات بعد اجتماعي وسياسي وذات خلفية علمية وعملية ومصداقية عالية، وغالباً ما تتطلب المناصب لدينا تأهيلاً عاماً بعيداً عن الاختصاص والكفاءة ما يجعل معظم السياسات العامة تأخذ طابع التشدُّد في تطبيق القوانين ظاهراً وهذا يسمح لتلك الإدارات ببيع بعض المزايا مقابل مصلحة شخصية.

تمنٍّ

بعد عجز الجهات الأربع عن لجم الفساد المتضخّم تقرَّر إحداث هيئة أو مجلس أعلى لمكافحة الفساد تعهد له اختصاصات كلٍّ من الجهاز والهيئة المقترح إلغاؤهما دون تعليق التحقيق في قضايا الكسب غير المشروع، وكذلك التحقيق في قضايا الفساد التي تنسب إلى أصحاب المناصب والموظفين العامين على أن ترتبط الهيئة أو المجلس الأعلى برئاسة الجمهورية. ‏لكن الهيئة تريد مكمّلات على المستوى الإجرائي ولا يكفي إحداث هيئة لدحر الفساد بل هناك معالجات ضرورية لتقويض الأسباب غير المباشرة له ومنها طريقة التعيين في أي مستوى وظيفي.

ويشير الدكتور الخوري إلى أن إنشاء هيئة لمكافحة الفساد ضروري، لكنه لا يكفي فقط، وهي شكل من أشكال الضبط، لكن أي كيان محدث لمكافحة الفساد سواء أكان هيئة أم جهازاً أم غيرهما وباعتباره سيفاً مرفوعاً دون مزايا يصبح شريكاً بالتغطية على الفساد، والكثير من الملفات لا تفتح إلا ضمن ظروف معينة. مضيفاً: إن ما يفرغ أساليب مكافحة الفساد من هدفها هو عدم تشميلها منهجية فكرية وسياسية وأنها لا ترتبط بالأسباب الكامنة وراءه ولا تشمل تحليل العلاقة بين الفساد الكبير والفساد الصغير، موضحاً أن الفساد ينمو في بيئة حاضنة ومكافحة شعاراتية تبتعد عن الاحتياجات الاجتماعية، والحراك الاجتماعي والمدني يساعد في ضبط الفساد ضمن اعتبارات منها أن الشخصيات التي تبرز بمشروع اجتماعي سياسي إنساني لا تستطيع الانخراط بالفساد بسهولة وتسعى لحماية نفسها، أما الأشخاص الذين يعتمدون على التهيئة العامة وليست التخصصية فيكونون عرضة للفساد بسهولة.

فإذا لم يكن هناك محاسبة فلن تتم مكافحة الفساد -يتابع – ويمكن أن تخفي إقالة بعض المديرين وتعيين غيرهم أحياناً محاولة أخرى لإيصال عناصر جديدة إلى كرسي الإدارة بعد انتهاء قبول المديرين الذين تتم إقالتهم بذهاب من يسندهم مقاصد أخرى ليس بغرض محاربة الفساد وإنما لمنح الامتيازات.

والمشكلة برأيه في منهجية إصدار القرارات والمراسيم بشكل مركزي دون متابعة التنفيذ والعودة إلى الوراء واستمرار منهجيات الخطا لسنوات طويلة. فهناك منهجيات في اتخاذ القرارات تجعل الإدارة المركزية مستفيدة منها، أي هناك عمل بفلسفة (المنع والاستثناء) حيث يتم التغاضي عن نقص ما بالشروط مقابل الاستفادة وكلما رفعت درجة العقوبة تم تجفيف منابع الفساد.

ويقول: إن منهجيات الإدارة تبدأ بمراجعة شاملة للأخطاء والتبعات، وكل المنهجيات التي تجعل من مواطنة الشخص ورأيه أداة قيمة لمراقبة المجتمع تتحول إلى قوة أمام ماكينة الفساد، مشيراً إلى أن مشكلة الفساد لها مقوماتها الثقافية والسياسية والإنسانية وتتناسب مع الثقافة القبلية والعائلية السائدة في المجتمع وهذا ظاهر في مؤسساتنا.

 

تبديلُ طرابيش

في الوقت الذي تحدثت فيه أوساط مقربة من الحكومة عن حملة تغييرات ستطول عدداً من المديرين العامين بمختلف الوزارات، وحدثت في بعضها وجدنا أن الأمر لم يتعدَّ التنقلات وتبديل المديريات أحياناً داخل الوزارة ذاتها، وهنا تعود الريبة مجدداً من إمكانية تحقيق مبتغى التغيير لعدد من المديرين، والخوف من أن تبقى تلك الإجراءات مجرد إسعافات أولية لا تستطيع في الظرف الراهن ملامسة الحل الجذري للمشكلة التي تعدّ أحد أهم عناوين الفساد العميقة والذي يتهم بهدر أكثر من 30% من مواردنا.

من أهم أسس مكافحة الفساد القدرة على معالجة الظاهرة كلها -حسب الخوري- والمحاسبة الشاملة بما فيها الأسباب غير المباشرة وإلا يكن العلاج عن طريق التضحية ببعض الرؤوس، وأن تكون محاربة الفساد لها الحق بالوصول إلى أي ملف وبشكل منهجي، وبالمقابل يجب دعم الشخصيات النزيهة والترويج لها وإظهار عملها، لكنه يرى أن الوضع السائد في المؤسسات ليس مثالياً للمعالجة الجذرية وليس له أفق واضح، وإذا لم يتم تحليل الواقع بشكل معمَّق لتقديم مقاربة صحيحة فسيكون هناك فقط شيءٌ من تبديل الأوجه.

ربما يكون تغيير المديرين والمسؤولين حلاً جزئياً للمشكلة، لكن ما يكملها إعادة النظر بالقوانين والتشريعات المليئة بالثغرات التي تسمح باستغلالها من هؤلاء، وقد تكون المحاسبة الجدية خير ما نفعل حتى لا ترتهن مؤسساتنا باحتمالات نزاهة شخص أو عدمها.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]