نبوءة نابليون التي تحققت بعد 200 عام.. «الصين استيقظت وبدأت تهز العالم»..

الخبير السوري:
«دعوا الصين نائمة فهي إن استيقظت سوف تهز العالم».. إنذارٌ يُنسب إلى امبراطور فرنسا نابليون بونابرت أطلقه قبل 200 عام متوجهاً للغرب، فكان بمنزلة النبوءة لما سيمثله هذا الاستيقاظ على مستقبل العالم وصراعاته للاستفراد بالقوة والنفوذ، في الربع الأخير من القرن الماضي أيقظ أنصار العولمة العملاق الصيني الذي انطلق في خطة توسعية عالمية شاملة، منطقتنا في القلب منها، بما يحمله من ثقة كبيرة لدى كل الأطراف، تعود لماضيه البعيد عن الفكر الاستعماري والقائم بشكل رئيس على تبادل المنفعة مع الشركاء، بما يضمن استقراره واستدامة قوته الاقتصادية والعسكرية وتعزيز مكانته كقطب عالمي.
رابع أضخم اقتصاد في العالم حسب الناتج القومي الإجمالي، وثاني أضخم اقتصاد حسب مكافئ القوّة الشرائية، هو تصنيف الصين عالمياً وفق البيانات الرسمية المُعلنة، بينما التقديرات الأخيرة تؤكد أنها في الطريق للحصول على المرتبة الأولى متجاوزةً الولايات المتحدة الأميركية كأكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2040.

اعترافات رسمية
اختراق دبلوماسي حققته الصين كان مثار جدل الأوساط الرسمية الغربية، حمل الكثير من الإشارات حول توجه الغرب للحياد عن سياسة الأحادية القطبية، أكدها تصريح وزير خارجية أميركا الأسبق هنري كيسنجر بقوله: «إن الولايات المتحدة لم تعد تلك القوّة التي لا يمكن الاستغناء عنها في المنطقة، إذ إن الصين أصبح لديها من القوّة ما يؤهلها للمشاركة في صُنع نظام عالميّ جديد» لتأتي خطوة الصين الأخيرة بإعلان عن ميزانيتها العسكرية للعام الحالي 2023 من أجل التطوير بمنزلة الخطر وإثارة التساؤلات حول إمكانية أن تشكل الصين قُطباً موازياً للولايات المتحدة الأميركية.

الصين قوة اقتصادية مُحصنة بقوة عسكرية ضاربة على قاعدة الشراكة العالمية المتكافئة نحو القرن الصيني الجديد

بما أن الصين قطعت شوطاً كبيراً في النمو الاقتصادي، بحيث تحتل المرتبة الأولى عالمياً في التجارة والتصدير والثانية عالمياً بالاستيراد، فهي في الوقت نفسه تحتاج إلى جيش قوي يجمع بين الكم والنوع، لحماية أمنها القومي ومصالحها الحيوية وفق توصيف الباحث والخبير في الشؤون الاستراتيجية الدكتور سليم حربا لأهمية الصعود الصيني، لاسيّما في مسألة محاولات الولايات المتحدة وحلفائها المتكررة استفزاز الصين، فيما يتعلق بدعم انفصال تايوان والأطماع للسيطرة على الملاحة في المحيطين الهادىء والهندي، ناهيك بمخاوف أميركا من الصعود الاقتصادي الصيني وتطويع التكنولوجيا لأغراض مدنيّة وعسكريّة، التي ترجمتها بحظر شركة «هواوي » في محاولة منها لحصار الصين وتقييدها والإمساك بعنان انطلاقها السريع، الذي يتطلب برأي الدكتور حربا امتلاك جيش صيني قادر على حماية الأمن والمصالح في تلك المنطقة المهمة من العالم.
توجهات لم تأتِ عن عبث، بل نتيجة السياسة المُتبعة من أميركا نفسها، القائمة بشكل رئيس على تطويق شركائها الكبار لمنعهم من العودة إلى ساحة القرار العالمي، ضمن منهجية احتواء الكبار وابتلاع الصغار، حسب توصيف الخبير العسكري وفيق نصور، عدا إشعال فتيل الأزمات بين روسيا وأوكرانيا والصين وتايوان، فكان الصراع معقداً بأهدافه ومركّباً بأدواته وأساليبه، لتغدو الصين الأكثر حاجة لامتلاك أدوات الصراع والقوّة العسكرية، عبر بناء جيش متطور وفق النظريات الاستراتيجية العسكرية، يُحاكي متطلبات النهوض الاقتصادي الصيني المتسارع، ويحقّق حالة الردع في وجه الاستفزاز العسكري الأميركي بعد سلسلة التحركات العسكرية الأميركية في بحر الصين.

مُتطلبات فرض الهيمنة
تطويع الـ«هاي تكنولوجي» والذكاء الصناعي وصناعة الروبوتات وتطوير كل القوى الأساسية البرية والبحرية والجوية والجوفضائية والسيبرانية، بحيث يصبح الجيش الصيني حتى عام 2030 أكبر جيش في العالم، واحتلاله المرتبة الأولى نوعياً، إضافة لزيادة عدد المدمرات والسفن البحرية خلال السنوات الخمس الماضية إلى 450 مدمرة نوعية حديثة وفي مقدمتها المدمرة 055 الأحدث في العالم، واستخدام صواريخ «بحر – جو» و «بحر- بحر» ومضاد الغواصات، وغيرها الكثير من التقنيات الحديثة، هو ما يرعب الولايات المتحدة وفق توصيف الدكتور سليم حربا، والذي أثبته تصريح الأدميرال الأمريكي وين ويندور بأن الفجوة التكنولوجية في القوى البحرية بين الصين وأميركا أصبحت كبيرة لمصلحة الصين، وأن ما يمكن صناعته خلال عامين في أحواض صناعة السفن في الصين، يحتاج إلى 22 عاماً في أميركا.

نصور: تأمين القوة الاقتصادية وضمان استقرارها يحتاجان إلى قوة عسكرية ضاربة وهذا ما حققته الصين براً وبحراً وجواً

امتلاك هذه المعطيات الجديدة التي فرضت عناوين استراتيجية حديثة، يفرض امتلاك الأداة العسكرية أيضاً، وفق تأكيدات الخبير نصور، لتلبية حاجة المشروع الاقتصادي والسياسي للصين، بصفتها صاحبة مشروع اقتصادي كبير عنوانه التشبيك والربط مع الحلفاء، ضمن صيغة «طريق واحد، اقتصاد واحد»، ما يتطلب امتلاك مفاتيح القوة عبر البحار والمحيطات، لذا كان لا بد، في رأي نصور، من تطوير وتحديث الجيش الصيني لجهة التعداد والتسليح، بما في ذلك امتلاك السلاح الاستراتيجي وبناء وتطوير الأسطول البحري الصيني.
التنين الصيني الذي بدأ يجتاح البحار والمحيطات، يتطلب وجوداً عسكرياً بحرياً صينياً، مقابل وجود الخصم الأميركي، حسب تحليل الخبير نصور للمشهد العسكري، الذي كان يحكمه وجود الأساطيل البحرية العسكرية «الفوق والتحت مائية» أساس التفوق العسكري للقوى العظمى، ما جعل الصين تتجه لتطوير وتحديث وبناء أسطولها البحري العسكري، بما يضمن الوجود إلى جوار أسطولها التجاري وعلى حدود الفصل العسكرية في المياه التي تستخدمها أميركا كساحات عسكرية استفزازية للصين، حيث ظهرت في الآونة الأخيرة مناورات عسكرية متعددة بين الصين وحليفها الاستراتيجي الروسي، الذي يخوض صراعاً عسكرياً ضد الخصم المشترك، كما اتضحت العقيدة العسكرية للجيش الصيني عبر جاهزيته القتالية للدفاع عن حقوق ومصالح الصين.

مقومات الصعود
لم يكن ظهور الصين كقوّة عسكرية بديلاً عن قدرتها لتحقيق الهيمنة الاقتصادية، وسط الاستفادة من حليفها الروسي القوة العسكرية العالمية الحاضرة بموازاة القاعدة الشعبية والتعداد السكاني الكبير واتساع الامتداد الجغرافي الواسع الذي هو وفق رؤية الخبير العسكري وفيق نصور فرض بناء قوات برية متطورة وضخمة، إلى جانب القوات النووية العسكرية الصينية التي تحدثت عنها وسائل إعلام عسكرية، ضمن تأكيدات مفادها تطوير الصين لمنظومات صاروخية مختلفة عابرة قادرة على حمل رؤوس نووية، الذي بدوره فرض واقعاً عسكرياً عالمياً للوصول إلى النسق الأول في النادي العسكري الدولي.
واقعٌ فرض تطوير القوى الجوية كماً ونوعاً أيضاً، وعلى رأسها الطائرات التي تعد، برأي الدكتور حربا، الأحدث في العالم مثل «j11 و j15 و j16» وهي طرز مطوّرة للقاذفات الاستراتيجية «سو 27 وسو 30 وسو 35»، وفي الوقت نفسه تطوير منظومات الصواريخ المُضادّة للطائرات وامتلاك أساطيل من الطيران المُسيّر الاستراتيجي، التي أتت بالتوازي مع زيادة العدد والنوع من عتاد القوات البريّة وخاصة الدبابات «90ف والدبابة Tv4»، وهما من أحدث الدبابات في العالم، إضافة لتحويل المقاتل إلى ما يسمى المقاتل المنظومة، وتطوير آفاق الحرب الإلكترونية والأمن السيبراني الدفاعي والهجومي، الذي من الممكن برأي حربا أن يتم إلى جانب الحُلفاء في روسيا وكوريا الديمقراطية، ما يجعل ضمن هذه الرؤية والآفاق الجيش الصيني المقبل حتى نهاية 2030 نتاج الصبر الاستراتيجي على مدى عقود.
إشعال الحروب من الولايات المتحدة الأميركية واستخدام سطوتها الاقتصادية لمعاقبة من يتطلع للخروج من تحت عباءتها، ودعمها حرب أوكرانيا ومسألة تايوان، كل ذلك يعد خطوة باتجاه صناعة فتنة وأداة في مشروع إضعاف الصين، إلا أنه من الواضح أن الأقلام الصينية والروسية جادّة في رسم المرتسمات وخطوط الفصل الجديدة التي تؤسس لعالم مُتغيّر ومختلف، كما أن هناك، برأي الخبير وفيق نصور، رغبةً وتلقُّفاً واضحاً للمشهد الجديد من قبل أطراف وقوى عديدة، البعض منها بدأ بالاستدارة إلى القطبية الصينية – الروسية، والآخر يُجري حساباته وبدأ برسم زوايا الدوران الجديد.

د. درويش: كل ما يخص الصين يُرعب أميركا التي تترقب اقتراب عام 2027 الذي ضربته الصين كمحطة فاصلة لتصبح القوة الاقتصادية الأولى عالمياً

استثمار الحروب وساحات الصراع التي دمرت اقتصادات شعوب بأكملها، أثبت أن الحقبة الأميركية فاشلة في قيادة العالم، ليبدو المشهد سوداوياً، وفق توصيف نصور، فقد دمّر مبدأ الحوار والتلاقح بين الثقافات والحضارات، ما جعل من التحركات السياسية والاقتصادية للتعاقد والتشبيك باتجاه الصين العملاق الاقتصادي الجديد، الذي كرّس سياسة الحوار والتكامل مع ضمان احترام حقوق وحريّات الشعوب، تصب في إطار تأسيس النادي العالمي الجديد، الذي سيعيد – والحديث هنا للخبير العسكري وفيق نصور- للمنظمة الدولية ألقها ودورها الريّادي، كما سيُفعّل مواثيق الأمم المتحدة، بما يحقق آمال شعوب العالم.

خطط مُسبقة
البحث في تفاصيل الصراع الأميركي- الصيني يحمل أوجهاً متعددة، كما يطول الحديث به بدءاً من عهد ماوتسي توننع مؤسس الصين في نهاية الأربعينيات، الذي عجز عن تطوير خبرته السياسية والعسكرية وفق رواية الدكتور والأستاذ في العلوم السياسية بجامعة دمشق أوس درويش، فدخل في نزاعات وحروب، ليأتي بعده دينغ سياو بينغ الذي أطلق مقولته الشهيرة عام 1978 بقوله: «نحن نخطط في الصين لأن نكون عام 2027 القوّة العسكرية والسياسية والاقتصادية الأولى في العالم» والتي طُبقت اليوم، وهو ما يُرعب أميركا في كثير من الأمور، حيث إن الصين تعمل جاهدةً لتجاوزها خلال السنوات الأربع المقبلة وصولاً إلى عام 2027.

د. حربا: تطويع الـ«هاي تكنولوجي» والذكاء الصناعي لتطوير القوى الجوية والبحرية سيجعل من الجيش الصيني حتى عام 2030 أكبر جيش في العالم من حيث النوع

الحلفاء يشكلون مصدر قلقٍ للولايات المتحدة الأميركية أيضاً، بما في ذلك التنسيق الصيني – الروسي، كما أن انهيار الاتحاد السوفييتي سابقاً كان نتيجة زرع الخلافات بينهما وفق تأكيدات درويش، في حين أن الوضع اليوم اختلف كُليّاً لجهة التطور في مسار العلاقات بتبادل النشاطات الاقتصادية فيما بينهما، ليبقى تحريض أميركا للأقليات داخل الصين مثل التركستان والإيغور بتجنيدهم في الحرب على سورية، وضرب أي دولة لها علاقات مع الصين، وتحريض تايوان على الانفصال عن الصين والتي أكدتها التقارير الأخيرة بتأكيد عملية نقل صواريخ باتريوت لى تايوان، وقيامها بإنشاء تحالفات مثل (أوكوس وكواد) يثبت ماضي الولايات المتحدة الأميركية القائم على الفكر الاستعماري وفق تأكيدات الدكتور درويش، عكس الصين التي انتقلت من حالة الدفاع إلى الهجوم، والذي يؤكده القبول العالمي والدولي والإقليمي لها، والثقة الكبيرة لدى الأغلبية بها، يُضاف لذلك تقرير صحيفة «وول ستريت جورنال» الذي أوضح قيام اتفاقيات مع كوبا والهندوراس والمكسيك، الذي سيشكل حتماً ضربةً للولايات المتحدة الأميركية.
إلا أن أميركا لن تقف متفرجة بل ستسعى للمزيد من الاستفزاز وفق قراءة الخبير الاستراتيجي الدكتور سليم حربا للموقف الأميركي تجاه الصين لمنعها من التمدد بالبعد السياسي، كما حصل مؤخراً في الاتفاق السعودي – الإيراني، أو كما يحصل من بناء للقاعدة العسكرية الصينية في الإمارات، وفي الوقت ذاته ستسعى لتوسيع حلف أوكوس برأي حربا، وزيادة سباق التسلح لإرهاق الصين، التي تعد شريكاً مقبولاً أكثر من الولايات المتحدة نفسها، لاحترامها الشركاء والحلفاء ورأي وحق الشعوب، واعتمادها مبدأ المصالح المشتركة واحترام القانون الدولي والعدل، الذي تجسد وفق رؤية حربا للدور الصيني بحل المشكلات وعدم دخولها حروباً منذ سبعين عاماً، يُضاف لذلك الآفاق الاقتصادية لكل من منظمتي بريكس وشنغهاي، على خلاف الدور الأميركي في المنطقة والعالم، القائم على القتل والتدمير، ما جعل الصين أكثر مصداقية سياسية واقتصادية وأخلاقية وقانونية وإنسانية، لكبح جماح الولايات المتحدة، وهو ما بدأ يظهر جليّاً وبشكل متسارع في مواقف ومواقع الدول الحليفة لأميركا.

بارعة جمعة – تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]