الاستثمار في الطاقات المتجددة.. تأجيل حتى الملل.. والدراسات “كلام” يكفي لتشغيل محطة

الاستثمار في الطاقات المتجددة.. تأجيل حتى الملل.. والدراسات “كلام” يكفي لتشغيل محطة

خاص – الخبير السوري:

يمتزج حديث الطاقة المتجددة بين فكي معادلة الإمكانات والحاجات، فالطاقة النظيفة ضرورة بيئية دون شك، ولكن البعض يعتبر أن عدم توفر الإمكانات المادية (الاستثمارية) يمكن أن يشكل عائقاً في وجه نشر تكنولوجيا الطاقة المتجددة على المدى المنظور في أحسن الأحوال، متناسين ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية (الأحفوري)، وتناقص الاحتياطات النفطية عالمياً، وفي سورية بشكل خاص، الذي يفترض الذهاب نحو هذه الطاقة المتجددة..

 

بديل

«أمن الطاقة» مفهوم لم يعتد السوريون الحديث عنه، لاطمئنانهم لجانب امتلاكهم الكثير من مقوماته حتى لو لم تكن مستثمرة حتى الآن، وخاصة في مجال الطاقة المتجددة، إلا أن وجود هذه المقومات غير المستثمرة، وعدم اعتبارها إحدى ركائز التنمية الاقتصادية مستقبلاً لا يبشر بالكثير من الخير، فأمن الطاقة يصب في نهاية المطاف بخانة الأمن الاقتصادي- الاجتماعي، كما أن الفشل في الوصول إلى مفهوم «طاقة آمنة» سيهدد الاستقرار السياسي دون شك، ولكن هل هناك ما يدفعنا للتوجه نحو الطاقة البديلة؟! وهل من ضرورات تلزمنا بذلك؟! وهي النقطة التي أفرد لها خبير الطاقة د. زياد عربش جانباً مهماً من حديثه عندما أشار إلى أن «إنتاج النفط بدأ ينخفض بشكل جوهري منذ بداية العقد الحالي، والغاز بدأ يرفد انحدار مستويات إنتاج النفط، إلا أننا نشهد منذ عدة سنوات ارتفاعاً ملموساً في الاستهلاك، كما أننا لم ندخل بعد مرحلة الإشباع الطاقوي، ومن المتوقع أن تبقى مستويات الاستهلاك لجميع مشتقات الطاقة مرتفعة، وتحديداً الكهرباء، كما سيستمر الاستهلاك بالارتفاع بمعدل يفوق معدل

**التكلفة عائق مزعوم في وجه التحول إلى الطاقة النظيفة..

وغياب الجدية متهم لم يثبت عكسه**

 

النمو الاقتصادي، وبما يتجاوز ضعف معدل النمو السكاني، وبالتالي وفي ظل محدودية الطاقة التقليدية، فإن سورية لا تزال تواجه تحدياً في استهلاك الطاقة الذي يعد عاملاً مغذياً للنمو الاقتصادي، وليس كابحاً له».. وبالتالي فإن محدودية الطاقة المترافقة مع تزايد الاستهلاك والطلب، تتطلب زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة كبديل للتقليدية، فما كان كمالياً منذ عدة سنوات أصبح الآن أساسياً لمعظم الأسر السورية، فمن النادر أن تجد بيتاً لا يمتلك العديد من الأدوات الكهربائية التي تحتاج إلى طاقة كهربائية لتشغيلها..

 

خارج كفتي الميزان

الباحث في نفق ضرورة تحول سورية نحو الطاقة المتجددة ولو بشكل جزئي لا بد من أن يتساءل عن حجم اعتمادها على هذه الطاقة اليوم، فالأساس في مكونات الطاقة هو المصادر التقليدية الاحفورية كالنفط والغاز والمياه، بالإضافة إلى نوعين غير تقليديين هما، الجديدة، وهي مستخدمة منذ 30 عاماً تقريباً، وتسمى بالطاقات البديلة، أو الكتلة الحيوية، والطاقة المتجددة كالشمس والرياح والمياه.. وبالنظر إلى خارطة مصادر الطاقة، نجد أن النفط يحتل نسبة 65% في الاستهلاك السوري من الطاقة، ليلحقه الغاز بحدود 25%، والطاقة الكهرومائية بحدود 8 – 9%، وأنواع الطاقة الأخرى نحو 2%، أي كل مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وعند هذه التقسيمات لمصادر الطاقة أوضح د. عربش أن «مصادر الطاقة المتجددة تقتصر على الطاقة الكهرومائية ولا تملك آفاقاً كبيرة للتوسع لارتباطها بالوارد المائي، لذلك فإن استخدام سورية لمصادر الطاقة المتجددة الاخرى (الطاقة الريحية والشمسية) لا يزال في بدايته، أما الطاقات البديلة الأخرى فلم تدخل بعد في ميزان الطاقة السوري، ويقتصر استهلاكها على بعض المناطق الريفية (الكتلة الحيوية المتمثلة بالروث الحيواني، ونفايات المعامل الصناعية، والحطب).

 

الطاقة التقليدية حل مؤقت

واقع مصادر الطاقة المعتمد عليها في هذا الوقت يشكل تحدياً كبيراً لسورية في مجال الطاقة مستقبلاً، وهذا التحدي سيزداد تفاقماً إذا لم يتم تأمين مصادر إضافية من النفط والغاز.

** انتشار الطاقة الشمسية أو الريحية سيزيد بشكل جوهري من فرص العمل المتاحة،

وخاصة إذا تم تصنيع مكونات هذين المصدرين محلياً**

 

هذا ما أعلنه صراحة خبير الطاقة السوري د. عربش، الذي اعتبر في معرض تشخيصه لمصادر الطاقة المتاحة في ضوء الإمكانات المتوافرة أن «المشكلة تتجسد في كون البحث عن الطاقة التقليدية يتطلب استثمارات مالية هائلة، وتكنولوجيا متقدمة لتطوير حقول هامشية، واستكشاف آبار جديدة، هذا في حال سمح الاحتياطي الجيولوجي المؤكد بتأمين الكميات الزائدة من النفط، بالإضافة لآجال زمنية طويلة تمتد على الأقل خمس سنوات، وبالتالي يجب ضخ أكثر من 1,5 – 2 مليار دولار لتطوير احتياطي نفطي جديد، وهذا حل مؤقت لكون أي احتياطي يتم تطويره لا يلبث أن ينضب بعد عدة سنوات»..

 

القضية تحتاج إلى قرار فقط

مشاريع الطاقة المتجددة لم تلقَ طريقها بعد إلى التنفيذ في سورية رغم أننا من الدول الغنية بالإشعاع الشمسي والطاقة الريحية، وعلى الرغم من الحديث الدائم في أوساط الإدارة الاقتصادية عن عدة مشروعات في هذا المجال إلا أنها لا تزال حتى الآن «حبراً على ورق»، فسورية تمتلك إمكانات شمسية وريحية تحسد عليها إلا أنها لا تزال حتى الآن غير مستثمرة، وهذا يدفعنا للتساؤل عن سبب ضعف اهتمام مخططي السياسات الاقتصادية عموماً ووزارة الكهرباء خصوصاً بهذه النقلة التي يجب أن تخطوها سورية باتجاه الطاقة البديلة، وهل ضعف الإمكانات المادية هو السبب فعلاً؟! وإذا كان كذلك، فلا بد من التساؤل، لماذا لا يتم تخصيص جزء من استثمارات الخطط الخمسية السابقة، وخصوصاً أن الخطة الخمسية الحادية عشرة خصصت 385 مليار ليرة كاستثمارات في مجال القطاع الكهربائي، وهنا طالب د. عربش «باستثمار هذه المبالغ في تطوير الطاقة الشمسية (الكهروشمسية) والريحية (الكهرو ريحية) لتوليد الكهرباء، معتبراً أن أي «وزير كهرباء يفضل إنتاج الطاقة التقليدية لأن تكلفتها أقل، متناسين أنه وعلى مستوى الاقتصاد الكلي نقوم بتوفير استيراد الفيول، ونحرق الشمس بدلاً عنه، أي إن الإنفاق الكبير يقتصر على الاستثمارات الأولية عند إنتاج الطاقة الشمسية (الكهروشمسية) أو الريحية (الكهرو ريحية)، بينما تكلفتها التشغيلية ضعيفة جداً، فعلى الرغم من ارتفاع تكلفة إنتاج الكيلو واط من الطاقة الشمسية أو الريحية التي تصل إلى الضعف مقارنة مع الطاقة التقليدية إلا أن عائدها على مستوى الاقتصاد الكلي يميل لهذين المصدرين»…

 

«تعرية» التعرفة المرتفعة

تكلفة إنتاج كل كيلو واط ساعي من الكهرباء تتراوح بين10 و 12 سنتاً بالطاقة التقليدية (الفيول أو الغاز)، بينما بالطاقة الكهروشمسية تصل تكلفة الكيلو واط الساعي إلى 20 سنتاً، فكيف يمكن الحديث عنها كبديل في ظل تعرفة كهربائية مدعومة يعتبر فيها المواطن السوري المتضرر الأول إذا لم تستمر أو تضاعف الحكومة درجة دعمها على مستوىً أعلى مما هي عليه حالياً، وهنا برر خبير الطاقة توجهه هذا موضحاً أن «المشاريع الكبيرة من الطاقة المتجددة تنتج القيمة نفسها وبالتكلفة نفسها تقريباً مقارنة مع المصادر التقليدية، فالتكلفة الاستثمارية لمشاريع الطاقة الريحية هي 1,5 – 2 ضعف، وبالطاقة الشمسية ما يقارب أربعة أضعاف، إلا أن كبر حجم المحطة هو الذي يحدد التكلفة، فمثلاً محطة كهرو شمسية بإنتاج 100 ميغا واط تصبح تكلفتها ضعف محطة الفيول، أما إذا كانت 300 ميغا واط فتكون بتكلفة محطة الفيول نفسها، وسورية تحتاج إلى 600 ميغا واط طاقة شمسية، وهي تنتج 5 مليارات كيلو واط ساعي»..

 

إيجابيات عدة

بناء محطة تنتج الكهرباء من الفيول بطاقة إنتاجية 4 مليارات كيلو واط ساعي يحتاج إلى تكلفة استثمارية تصل إلى 800 مليون دولار، أي ما يتراوح بين 8 – 10% من إنتاج سورية الحالي للكهرباء، ويضاف إلى ذلك بالكلفة التشغيلية التي تقارب الـ 400 مليون دولار سنوياًُ، وهي قيمة مادة الفيول بشكل أساسي، وهو يقارب تكلفة بناء محطة للطاقة المتجددة بالطاقة المنتجة ذاتها أولاً وبالتكلفة الاستثمارية ثانياً، إلا أن للطاقة البديلة إيجابيات عدة لا يمكن إنكارها، فالبعض يضع السلبيات في المقدمة للإيحاء بعدم ضرورة وإمكانية تبنيها كمؤشر استراتيجي على مستقبل الطاقة في سورية، بينما عدد د. عربش الايجابيات غير القليلة للتحول نحو الطاقة المتجددة معتبراً أن «انتشار الطاقة الشمسية أو الريحية سيزيد بشكل جوهري من فرص العمل المتاحة، وخاصة إذا تم تصنيع مكونات هذين المصدرين محلياً (معامل الخلايا (الفوتو فولتاييك)، أو توربينات مراوح الطاقة الريحية) أولاً، سيخفض من تكاليف البيئة وثانياً، وتضمن لسورية استقلالها الطاقوي، لأن أمن الطاقة له تبعات أولها اقتصادي، كما أن ذلك سيخفف العبء عن فاتورة استيراد المشتقات النفطية، فالطاقة الشمسية أو الريحية لا تحل مكان النفط في جميع الاستخدامات لكنها داعم جوهري بشرط أن تنشأ المعامل والتكنولوجيا المطبقة بأحسن المعايير الفنية والعالمية»..

 

تبني إرادة متكاملة

الطاقة البديلة تعد عنوان الاستقرار المستقبلي في مجال الطاقة إلا أن المستثمرين والقطاع الخاص يفضلون التوجه نحو القطاعات التي تدر أرباحاً كبيرة غير مكترثين بمتطلبات التنمية الاقتصادية التي تحتاجها سورية، والتي تعد هذه المشاريع إحدى ركائزها، فدول العالم سبقتنا أشواطاً في مجال استخدامات الطاقة المتجددة، حيث إن نحو 90% من احتياجات الماء الساخن على مدار العام في بلدان البحر الأبيض المتوسط تتم عبر أنظمة تسخين الماء بالطاقة الشمسية، كما أن أكثر من 30 مليون أسرة صينية يمتلك أنظمة شمسية، على الرغم من أن المستوى الإشعاعي الشمسي لهذه الدول يعد أقل مما هو عليه لدينا، حيث أوضح خبير الطاقة د. زياد عربش أن «هناك ضعفاً في مجال تبني إرادة متكاملة وجوهرية وشاملة لتحقيق نقلة نوعية في ميزان الطاقة لدينا، وما زالت مشاريع الطاقة المتجددة خجولة، ولا بد من تبني سياسة جريئة وطموحة حتى لو اعتبر بعض المعنيين أن تكلفتها عالية، فالمطلوب تبني سياسة جريئة باستثمار 2 – 3 مليارات دولار في مشاريع الطاقة الجديدة (الكهرو شمسية، الكهرو ريحية) القادرة على إنتاج 400 ميغا واط من محطة كهرو شمسية، و400 ميغا واط من محطة كهرو ريحية، بدلاً من المحطات التقليدية من خلال تبني سياسة تنموية شاملة في مجال الطاقة على مستوى البلد»..

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]