عقود “مفخخة”

لا شك أن بنود العقد المبرم بين الأطراف المتعاقدة هي الفاصلة بينهم أثناء التقاضي والترافع عملاً بقاعدة “العقد شريعة المتعاقدين”؛ بما يمنع حدوث أي تجاوز على ما هو متفق عليه في العقد، ولكنّ هناك حالات استثنائية تسمح بالتدخل وبفسخ العقود إذا اشتبه بوجود بنود مخالفة لأنظمة الدولة، أو تلحق الضرر بأي طرف، أو تكون الشروط شروطاً فاسدة، أو بها ظلم وغش بينان بحسن أو سوء نية لا فرق، وهنا يتم حسم الخلاف بالرجوع إلى النظام الذي هو أقوى من العقد.

 

كان لا بد من هذه المقدمة كمدخل لتقييم واقع العقارات والأملاك العامة المستثمرة بعقود طويلة الأمد وما يعتريها من حالات فساد وخلل قانوني وهدر في المال العام، وبالتالي العمل على تصويب الأخطاء القاتلة وإعادة النظر في هذا الملف وبما يراعي المرحلة الراهنة والمستقبلية، وبما يضمن حقوق الدولة والحفاظ على أملاكها.

 

ولعل الحكومة تنبهت على هذا الأمر، وهي جادة لحسم القضية عبر سلسلة من الخطوات والإجراءات تم اتخاذها مؤخراً لإجراء عملية مسح وجرد لخريطة العقارات والأملاك المؤجرة والمستثمرة، وقد تم تشكيل لجان فنية وقانونية في مختلف المحافظات للبت في هذا الملف على الفور.

 

وبالتأكيد قرار الحكومة  الجريء بحصر الأملاك الحكومية ورفع بدلات الإيجارات والاستثمارات بما يناسب القيم الحقيقية لها خطوة هامة على الطريق الصحيح، ومن شأنه أن يحقق إيرادات إضافية لخزينة الدولة وبدلات استثمار جديدة تقدر بعشرات بل مئات المليارات، وذلك تماشياً مع الظروف الحالية وتحديداً في حلب التي تستعد لنهضة شاملة على مختلف المستويات وخاصة بما يتعلق بمشروع التطوير العقاري والمرتبط بالمخطط التنظيمي المعدل والمنتظر أن يصادق عليه مطلع الشهر القادم نيسان.

 

وهو ما يستدعي من قبل اللجنة المشكلة التعاطي مع هذا الملف بشفافية وبحرفية (مهنية وقانونية)  تعالج كل القضايا العالقة والشائكة، وتسهم في سد كل الثغرات القانونية التي يمكن أن تلحق الضرر بالمنشآت والأملاك العامة مستقبلاً، وتحديداً بما يخص استثمارات مجلس المدينة ووحداتها الإدارية في المدينة والريف إلى جانب استثمارات وعقود الاتحاد الرياضي التي أثارت وما زالت تثير الكثير من الجدل والشكوك، والتي أقل ما يمكن وصفها (بعقود إذعان).

 

خلاصة القول أن حلب التي تشهد تعافياً متسارعاً في مختلف المستويات مقبلة على مرحلة جديدة ومفصلية عنوانها التطور والحداثة، وهي تملك كل المقومات التي تؤهلها لتكون واحدة من أهم المدن الجاذبة للاستثمار والمستثمرين، وهو ما يرتب على الجميع مسؤولية كبيرة وخاصة اللجان المشكلة والممنوحة صلاحيات مطلقة لرسم ملامح جديدة وخريطة استثمارية طموحة تعيد لحلب مكانتها وصدارتها الاقتصادية والصناعية بعيداً عن المصالح والمنافع الضيقة.

 

وليكن حل شيفرة هذا الملف المحطة الأولى للانطلاق نحو خطوات أكثر جدية باتجاه حلحلة القضايا المماثلة الشائكة والتي تعاني من الترهل وتفوح منها روائح الفساد.

 

معن الغادري

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]