صالح للنشر..؟!

 

تحت شعار “بناء مستقبل مشترك في عالم مفكك”، كانت قد انطلقت في الثالث والعشرين من الشهر الماضي أعمال منتدى دافوس الاقتصادي في دورته الـ 48، بمشاركة نحو 70 رئيس دولة ورئيس وزراء، و340 من كبار الساسة والمسؤولين في العالم، حيث تواصلت اجتماعاته بحضور ومشاركة 3 آلاف شخصية اقتصادية من أكثر من مئة دولة حول العالم.

بداية لا نعلم إن كان لسورية أي حضور في “المحفل” الاقتصادي العالمي، سواء كانت المشاركة حكومية أو خاصة، ومع ذلك لا يجب أن يفوتنا ما طرح فيه من قضايا، لاعتقادنا أننا سنكون بشكل أو بآخر معنيون بها لأسباب عدة، أبسطها أننا جزء من هذا العالم، وجزء هام في خريطة الأجندات الاقتصادية والسياسية العالمية التي تحدد توجهات وتطلعات وفلسفات قطاعات المال والأعمال.

برأينا أن وجوب ما أسلفنا، من المستحسن أن يترافق بوجوب وجود مركز وطني متخصص- ولو مصغراً- يضم عدداً من خبراء الاقتصاد السياسي، مهمتهم دراسة وتحليل ما طرح في المنتدى، لاستخلاص ما يمكن استخلاصه، ما يفيد وينفع ويحصن، خاصة أن “دافوس” منظمة دولية غير ربحية تضم في عضويتها ألفاً من كبريات شركات العالم، وعادة ما تكون دورة رأس المال فيها أكثر من 5 مليارات دولار، حيث يمثل الشركاء الاستراتيجيون مجموعة مختارة من 100 شركة قيادية حول العالم، ويلعب المنتدى دوراً مهماً في صياغة الأجندات العالمية في مجال السياسة والاقتصاد.

شعار المنتدى وبما فيه من تناقض ملفت يشير إلى التفكك الذي تشهده أوروبا في جهاتها الأربع، وأبرزها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما وربما يشير -برأينا- إلى حال منطقتنا العربية والتغيرات الخطيرة التي شهدتها دولها وما بينها، الأمر الذي يستدعي أن نكون دائمي الاطلاع والمتابعة لما يخطط ويحاك على ساحة المصالح العالمية، ولاسيما بعد سقوط مرحلة القطب الواحد.

ننتقل لما قالته مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، من دافوس: “جميع الدلائل تشير إلى مزيد من انتعاش النمو العالمي، وهو أمر مشجع؛ لكننا لا ينبغي أن نشعر بالارتياح، لأن 20% من الأسواق الناشئة والنامية شهدت انخفاضاً في دخل الفرد خلال عام 2017، ومنها 15 دولة من العالم الثالث.

ولكوننا معنيين من قريب أو بعيد بذلك الانخفاض، فمن المفيد جداً التوقف ملياً “خاصة أننا دخلنا مرحلة الحديث حول الاستراتيجيات التي ركزت وشددت عليها حكومتنا كنهج وسبيل للأعمال المستقبلية لوزاراتنا وجهاتنا العامة..”، عند ما تم طرحه في أروقة وقاعات المنتدى من تجارب وأبحاث ودراسات اقتصادية قد يكون لها تأثير أهم وأكبر، أكثر بكثير من تسليط الضوء على كبار قادة العالم المشاركين في أعمال المنتدى بسبب دورهم في رسم السياسات العالمية، إذ طالما دأب إعلامنا العربي عامة، والمحلي خاصة على ذلك.

فما طرحه «جاك ما»* مؤسس منصة «علي بابا» يفوق في أهميته الكلمات التقليدية لبعض قادة العالم، خصوصاً وهو يتحدث عن مستقبل التقنية وانعكاساتها على الاقتصاد والتجارة العالمية، وأنه لن يكون هناك عبارة صنع في الصين أو الفلبين، وإنما صنع في “الإنترنت”، خصوصاً وهو يشير إلى أن شركته تقوم حالياً بشحن مليون طرد يومياً في الصين فقط، في حين إنه يتوقع أن يكون نصيب العالم من هذه الطرود بعد 5 سنوات مليار طرد كدورة سنوية، وهذا رقم كبير بكل المعايير!.

وفي معرض ورقته التي تضمّنت تجربة متفردة بدأت من الصفر، يقول: إن شركته تقوم حالياً بإنهاء 2.7 مليون عملية في الثانية الواحدة عن طريق التقنية، وهو ما جعل نصيب “علي بابا” من المبيعات يصل إلى 750 مليار دولار عام 2017، وهو ما يوازي الناتج المحلي لعشرات الدول من الحجم المتوسط.

أما الدرس الأكثر أهمية الذي ورد على لسان هذا الرجل الأسطوري، ولم تتناوله للأسف منصات إعلامنا الاقتصادي، أن الشباب يحبون التجارة الإلكترونية، وأي شيء يحبه الشباب هو المستقبل..!.

وتأسيساً على مثل هذه الحقائق هذا ما ينبغي على مؤسساتنا الحكومية التجارية منها والاقتصادية أن تأخذه بعين الاعتبار في وضع السياسات الاقتصادية والتجارية وهندسة أسواق العمل، وذلك من خلال دراسات وبرامج معمقة وخطط تلتقي مع هذه التطورات وتتقاطع معها، فهذا الرجل ولوحده يقوم بإنفاق 50 مليار دولار سنوياً للأبحاث الاقتصادية والتقنية، فقط لملاحقة مثل هذه التطورات..!.

بالمقابل سؤالنا اليتيم الذي نود طرحه في ضوء ما طرح: ليس ما هو دور الشباب في التنمية الاقتصادية، وأين هو هذا الدور..؟!، بل: ماذا أعددنا كي يكون لهم مثل هذا الدور، وهل تم تمكين أصحاب الكفاءة كي يؤدون الدور الذي يسعون إليه..؟!.

فالحكمة الصالحة للنشر.. في كل زمان ومكان، تؤكد أن المراهنة على القادم وليس الفائت..!.

 

قسيم دحدل – البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]