تقرير تفتيشي يكشف الغطاء عن “قراصنة البنزين” ..

لم يكن لحالة الفوضى والازدحام على محطات الوقود في السويداء مثيل في باقي المحافظات على الأقل الآمنة منها، حالة استمرت طيلة عام 2015، وتقاذف الاتهامات كان سيد الموقف بين مسؤولين رحّلوا المشكلة إلى أصحاب المحطات متهمين إياهم بالتلاعب وتهريب المادة، أما الطرف الآخر، فيضع المشكلة بين قوسي نقص الكميات.

لجنة المحروقات ابتكرت نظام القسائم، عله يكون الحل الذي يساهم بتخفيف الوطأة عن المواطنين، التجربة باءت بالفشل بعد ابتكار طرق وأساليب من قبل أصحاب المحطات والمرتزقة من حولهم، استطاعوا من خلالها اختراق هذا الدرع الذي ظن القائمون عليه أنه الحل الأمثل، أو على الأقل حاولوا إقناع المواطنين بذلك.

تم اختراقها

اللجان التي تم تشكيلها لضمان حسن سير عملية التوزيع، تم اختراقها أيضاً، وعادت الأزمة مرافقة لآخر قسيمة من قسائم الدفاتر الموزعة، ومع بداية عام 2016 تم تجديد القسائم، وما إن انتهت اللجنة المكلفة بعمليات التوزيع، كانت المادة متوفرة في معظم المحطات في مشهد لم تألفه المحافظة منذ فترة طويلة لتأتي المفاجأة الكبرى عبر سلسلة قرارات للجنة المحروقات، حرمت من خلالها 15 محطة لمدة ثلاث سنوات، وإحالة أصحابها للقضاء بسبب التلاعب بالقسائم، مفاجأة كانت من العيار الثقيل، حيث تم خلال أسبوع واحد اكتشاف المعضلة التي حيّرت القائمين على العمل لمدة عام كامل.

تساؤلات

تم طرح تساؤلات كيف وصلت دفاتر القسائم الوهمية إلى أصحاب المحطات، وهل ستكون هناك مجموعة أشخاص بمثابة “كبش فدا” لعملية سرقة كبيرة كانت تمارس بحق المحافظة، وهل اللجنة المسؤولة عن عمليات التوزيع وحدها قادرة على المغامرة بمثل هذه العملية التي تقدّر عائداتها بأكثر من 100 مليون ليرة سورية ومثلها العام الماضي، أم هناك غطاء لهم من جهات أعلى، ومن هي تلك الجهات؟.

تساؤلات تبدو أنها تبحث عن إجابات حقيقية، يجب أن تسبق أية عملية لفلفة للموضوع، أو القفز عنه عبر مسكنات انفراج الأزمة الذي تشهده المحافظة، وبالتالي وضع أوساخ الماضي تحت الفراش، والانطلاق من جديد عبر تطبيق المثل الشعبي”اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب”.. طبعاً الأسماء التي تقف خلف الموضوع باتت معروفة للجميع، ولكن يوجد قناعة أن هناك أيادي أكبر خلف العملية، ويجب الوصول إليها، والتقرير التفتيشي الصادر عن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش يجيب عن تلك التساؤلات.

التفتيش يجيب

توصلت البعثة التفتيشية التي كلفت بتدقيق وتحقيق عدة نقاط، منها توزيع طلبات البنزين المسلّمة إلى مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في السويداء من محطات الوقود خلال عام 2015 على أنه وجد عدد من القسائم المسلّمة إلى المديرية غير مختومة، وهي موزعة بين القسائم المختومة، إضافة إلى وجود رزم جميع قسائمها غير مختومة وموجودة مع قسائم عائدة لمحطة واحدة ووجود قسائم مختومة بأختام مختلفة منها ما هو عائد للفرق والشعب الحزبية ومنها ماهو عائد للاتحاد الوطني لطلبة سورية، إضافة لوجود قسائم عائدة لأسبوع وشهر محددين بين مجموعة عائدة لأسبوع وشهر مختلفين تماماً، ووجود قسائم لمحطات تعود لفترة لم يكن فيها أي أستجرار لمادة البنزين لتلك المحطات وبالتالي هذه القسائم غير نظامية لكونها منتهية الصلاحية، ولا يجوز استخدامها لأشهر لاحقة حسب نظام العمل بالقسائم..

موافقات “شوربة”

المضحك المبكي حقاً ما وجدته البعثة التفتيشية في مخازن التجارة الداخلية فيبدو أن عملية منح موافقة تعبئة المادة كانت بمثابة عباءة أو بشكل أدق كانت “شوربة”، حيث وجدت البعثة كتباً وقصاصات ورقية ممنوحة من عدة جهات، والبعض منها صادر عن أشخاص من دون بيان صفتهم الوظيفية، منها ماهو مختوم وبعضها غير مختوم ومن دون تاريخ وكان يتم صرف كمية البنزين الواردة بالكتاب أو القصاصة الورقية كاملة، وقد بلغ ماتم صرفه بموجب هذه الطريقة من كافة محطات السويداء 315674 لتراً، ولوحظ أيضاً ورود صندوق من مديرية التجارة الداخلية يحوي قسائم غير مختومة واردة من محطات مختلفة، ولم يتم التأكد من عائديتها، وبلغ مجموع كمياتها 179 ألفاً و 871 لتراً، وبينت اللجنة  أن عدد القسائم المزورة هي 53 قسيمة من فئة 7 لترات و47 قسيمة من فئة 20 لتراً و251 قسيمة من فئة 30 لتراً، وبلغت كميات البنزين المصروفة بموجب القسائم المزورة ما مجموعه 8966 لتراً.

العبرة في التنفيذ

البعثة نظمت جداول خاصة لبيان كميات النقص بين الكميات المستلمة والكميات المعبأة بالنسبة لكل محطة، وقد بلغ مجموع الكميات في النقص الحاصل بالنسبة لـ90 محطة مخالفة من أصل 96 محطة هو إجمالي عدد المحطات العاملة في محافظة السويداء عام 2015 ما مقداره 5 ملايين و579 ألف لتر، وحملت البعثة المسؤولية لمدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في السويداء (م .ش) لقيامه بشكل منفرد بإعطاء تكاليف لبعض الجهات والأشخاص موقعة ومختومة من قبله، وأيضاً قبوله باستلام قصاصات ورقية موقعة من جهات متعددة لتعبئة كميات من البنزين وذلك دون الرجوع للجنة المحروقات المركزية في المحافظة، حيث بلغ ما تم صرفه بهذه الطريقة 315674 لتراً، وذلك كله على الرغم من وجود فئة القسائم 20 لتراً المخصصة للحالات الخاصة والتي لم يتم العمل بها، حيث وجد عدد كبير من هذه القسائم نهاية العام 2015 تجاوز 4 آلاف قسيمة غير مستخدمة، ومسؤوليته عن مخالفات وارتكابات لجنة العد وما ترتب عن تلك المخالفات من خلل بنظام قسائم البنزين قام به أصحاب المحطات لتحقيق مكاسب ومنافع مادية، كما تم ثبوت تقصير أعضاء لجنة المحروقات المركزية في السويداء، خاصة المعنيين منهم مع فقدان 8806 دفاتر قسائم بنزين من مختلف الفئات لم يعرف مصيرها.

البعثة خلصت إلى إحالة المتهمين للقضاء المختص استناداً لقانون العقوبات الاقتصادي رقم 3 لعام 2013 ودعوة مدير الجمارك للإيعاز لمن يلزم بتنظيم ملفات جمركية بحق أصحاب ومستثمري محطات الوقود في السويداء بكميات البنزين مقابل اسم كل منهم، إضافة لدعوة وزيري الإدارة المحلية والتجارة الداخلية وحماية المستهلك لاتخاذ الإجراءات المناسبة من عمليات حجب ثقة وإعفاء بحق المخالفين الواردة أسماؤهم في التقرير.

مخالفات وتجاوزات

المشكلة لم تتوقف عند هذا الحد فهي تعود إلى تجاوزات في عمليات منح التراخيص أيضاً لنصل اليوم لنتيجة مفادها وجود 96 محطة وقود في محافظة السويداء، وهو رقم كبير جداً بالنسبة لعدد السيارات فيها ومساحتها، فبات مشروع إحداث محطة وقود من المشاريع ذات الربح السريع والجنوني، والأمثلة كثيرة على أصحاب محطات باتوا اليوم من الأثرياء، رغم أن الأرباح النظامية لأي محطة وقود هي متواضعة ولا تصنع حالة ثراء فماذا حصل؟.

التقرير الصادر عن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش كشف أيضاً عن وجود مخالفات وتجاوزات عديدة في تراخيص محطات ومراكز الوقود في محافظة السويداء، واستعرض نتائج التدقيق والتحقيق في موضوع منح ترخيص نهائي لإنشاء محطات ومراكز وقود في محافظة السويداء من عام 2011 ولنهاية عام 2015، وأشار إلى أن عدد محطات الوقود التي تم ترخيصها في المحافظة لنهاية عام 2015 هو 49 محطة، فيما بلغ عدد مراكز الوقود المرخصة خلال الفترة نفسها 19 مركزاً، كما أن 57 محطة ومركز وقود منها تقع داخل المخططات التنظيمية، وتم ترخيصها من وحدات الإدارة المحلية، فيما تقع الـ 11 محطة ومركزاً المتبقية خارج المخططات التنظيمية، وقد تم ترخيصها من مديرية الخدمات الفنية بالمحافظة، وحسب لجنة الخبرة الفنية التي أجرت الكشف الحسي على بعض المحطات لعدم تمكنها من القيام بالكشف عن العدد الكلي نتيجة وقوع بعضها في مناطق غير آمنة، فقد تبيّن وجود محطات على الهيكل، ومع ذلك حاصلة على قرارات ترخيص إداري من الجهات المختصة، مع العلم أن قرار الترخيص الإداري لا يعطى إلا بعد أن تصبح المحطة جاهزة للاستثمار، مع وجود نواقص في أضابير الترخيص الإداري، ومخالفات إدارية تتعلق بالجهة صاحبة الصلاحية بإعطاء الترخيص.

توقيع الخبرة

كما أن جميع المخالفات التي وقعت عليها الخبرة فيما يتعلق بالمحطات ومراكز المحروقات، والتي تقع ضمن الحدود الإدارية للمدن والبلدات تقع ضمن مسؤولية رؤساء مجالس تلك المدن والبلدات، ورؤساء البلديات، وأعضائها الفنيين، وقد توصلت اللجنة إلى وضع رؤساء مجالس المدن والوحدات الإدارية تحت التصرف لاتخاذ الإجراءات المناسبة بحق كل منهم، استناداً للتعليمات الصادرة عن وزارة الإدارة المحلية برقم 1|ج|62 لعام 1984، مع فرض عقوبة الحسم الشهري بواقع 3% لمدة أربعة أشهر بحق الفنيين العاملين لدى الوحدات الإدارية في المحافظة، ونتيجة للأسباب الواردة سابقاً، فقد تم توجيه المعنيين بالمحافظة والوحدات الإدارية التابعة لها لمعالجة المخالفات والتجاوزات التي وقفت عليها الخبرة الفنية لدى المحطات ومراكز المحروقات بما ينسجم مع أحكام القوانين والأنظمة النافذة، مع العمل على استكمال النواقص في أضابير الترخيص الإداري لها تحت طائلة إلغاء الترخيص، وعودة مدير عام الشركة العامة لتخزين وتوزيع المواد النفطية “محروقات” إلى إيقاف تزويد المحطات 49، ومراكز الوقود 19 الواردة بالتقرير بالمشتقات النفطية لحين تسوية مخالفاتها، واستكمال الأوراق الثبوتية أصولاً، وعدم إصدار أي قرار تعامل مع أية محطة أو أي مركز محروقات في كافة المحافظات إلا بعد إصدار قرار الترخيص النهائي أصولاً.

اللعبة انكشفت

لعبة القسائم انكشفت، وقد دفع أبناء السويداء ثمنها باهظاً من فوضى عمت محطات الوقود، وتعطيل وإرهاق نفسي وجسدي ومادي رافق الحالة لمدة تزيد عن عام، ولا شك في أن المتابع لعمل لجنة المحروقات يجد أن الوجوه الأساسية في تكوينها قد تبدلت بفعل التغيرات والتبدلات التي طرأت، فهل سيتم التعامل مع هذا الملف من مبدأ وضعه تحت الفراش، وبالتالي يقول قائل: “كأنك يا بو زيد ما غزيت”، أم أن أبا زيد سيتخذ إجراءات يحصد من خلالها أبناء المحافظة نتائج غزوته بشكل يعيد لهم الثقة بمثل هذه الغزوات التي يأملون ألا تكون وهمية؟!.. ولتحقيق ذلك نأمل عدم الاكتفاء بعضوي اللجنة المشار إليهما في التقرير كمسؤولين  وحيدين عما تم، فالساكت عما حدث ومغمض العينين شريك في ذلك، وبالتالي لابد من أن تطال المحاسبة كل أعضاء اللجنة الواردة أسماؤهم في محاضر اجتماعات تلك اللجنة آنذاك، حتى من علا شأن مرتبته الوظيفية، أو تبدل مكان توقيعه!.

عن “البعث”

داء

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]