“ضربة” وضريبة..بقلم: قسيم دحدل

 

عند تمعننا فيما يُسمّى بمتطلبات كفاءة نظامنا الضريبي، نجد أن الاختصاصيين يؤكدون أن ما يحدّد الحكم على كفاءة أي نظام ضريبي ثلاثة أمور أساسية تتمثّل بمدى شمول المجتمع الضريبي، وهيكل الأسعار الضريبية ومدى ملاءمته لاعتبارات الكفاءة والعدالة الاجتماعية، وكفاءة الإدارة الضريبية فيما يتعلّق بالتحقّق والتحصيل، وهو ما يعني العدالة في التنفيذ.

كما يؤكدون أن شمول المجتمع الضريبي يمثل شرطاً بديهياً لتحقيق مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، بمعنى امتداد الضريبة على كافة مصادر الدخل بشكل يضمن مشاركة الأفراد على قدم المساواة في تحمّل أعباء النشاط العام مع مراعاة المقدرة التكليفية للأفراد.

لكنهم يتساءلون: ما هو الأساس الذي يجب الاستناد إليه في النظام الضريبي في فرض الضريبة؟.. هل هو الدخل، أم الاستهلاك، أم الثروة؟؟.

وتحت تلك الطروحات والتساؤلات يحلّلون ويحدّدون المناسب والأنسب، ولعلّ ما تناغم مع قناعاتنا ذلك الطرح الذي يعطي الأفضلية للانتقال من نظام الضرائب المباشرة النوعية إلى نظام الضريبة الموحدة، كما هي الحال في معظم دول العالم مقسمة إلى نوعين، الأولى الضريبة على الأشخاص الطبيعيين والثانية الضريبة على الشركات، وإعطاء مزايا إضافية لشركات الأموال وأهمها إعفاء مبلغ من الأرباح يعادل نسبة من رأس المال المدفوع تحدّد بسعر البنك المركزي للإقراض والخصم عن سنة المحاسبة وذلك بشرط أن تكون أسهمها قابلة للتداول.

ولو أردنا مثلاً معرفة نسبة الضرائب على الشركات في عدد من الدول المتطورة ضريبياً لوجدناها في الولايات المتحدة 38.91%، فرنسا 34.43%، ألمانيا 30.18%، أستراليا 30%، اليابان 29.97%، كندا 26.7%، إيرلندا 12.5%، لكن لو أردنا في المقابل جواباً عن السؤال نفسه عندنا فلا نجده بكل هذا الوضوح والتحديد والبساطة؟!.

هذا على مستوى الشركات، أما على مستوى الأفراد فيغدو الأمر أكثر تعقيداً!!.

وهنا نورد -على سبيل المثال لا الحصر- مهنتي (الحلاقة والطب)، ونسأل ما الذي يحكم ضريبياً مداخيل كلّ منهما (الدخل والأرباح..)، ففي الوقت الذي نجد هذا الأمر محدداً بشكل دقيق لا يمكن التلاعب فيه على شريحة العاملين في الدولة (الرواتب والأجور)، لا نجد المبدأ نفسه في القطاعات الخاصة، ما يحرم خزينتنا من عائدات ليست هينة أبداً!!.

فهل يعقل مثلاً أن يكون دخل وأرباح حلاق وكذلك طبيب في تنامٍ كبير، دون أن يترافق ذلك بزيادة ضريبية عليهما؟!.

فعندما يلجأ كلّ منهما إلى زيادة أسعارهما بشكل متتالٍ بمقدار لا يتناسب مطلقاً مع مداخيل من هم في خانة العاملين في الدولة، وتكون نسبة الضريبة في القياس والمقارنة (نسبة وتناسباً)، لا شك أن المعادلة الضريبية غير عادلة ومنطقية أبداً.

خمسمائة ليرة سورية هي الحدّ الأدنى لأجرة الحلاق الرجالي وفي منطقة شعبية، وتصل إلى ستة آلاف ليرة عند الطبيب المختص للزبون الواحد ولزيارة لا تتعدى عند الأول العشر دقائق وعند الثاني أقصاها نصف ساعة، بينما الموظف أجرة عمله اليومي لا تتعدى الألفي ليرة بعد أكثر من عشرين سنة عمل!!.

لو اكتفت ماليتنا بأخذ أجرة حلاقة شعر واحدة كضريبة مقطوعة يومياً من الأول، وأجرة معاينة واحدة من الثاني، لكان مقدار ما يتمّ تحصيله من كليهما سنوياً مهولاً جداً، ولتبيّن لنا بالمقابل ضحالة الضريبة التي يدفعانها سنوياً مقارنة بدخليهما!!.

هذا على مستوى مهن فردية، فكيف لو تمّ تطبيق الأمر نفسه على الشركات؟!.

هامش: – طبيب اختصاص قلبية غادر سورية خلال الأزمة، واعتاد العودة إليها كل فترة ليقضي نحو أسبوعين يتقاضى 6 آلاف ليرة للمعاينة الواحدة، فهل أحصت أية جهة ما يتوجب عليه من ضريبة؟!.

– إن لم نستطع تحقيق العدالة الضريبية، فإن العدالة تقتضي إعادة النظر بالرواتب والأجور للعاملين في كل من القطاعين الخاص والعام لضمان مستوى معيشة معقول!.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]