ومضى عام انتصار آخر..بقلم:ناظم عيد

لم يكن صمود سورية سراً في يوم، لنطلق عنان التحري اليوم عن سر صمودها ومرتكزاته، في زمن عزّت فيه تجليات هذا المصطلح، زمن التداعي ومشاهد السقوط المدوي -لدول وحكومات- في دوامات التخلّي والانزياح الموجّه، عن ثوابت متجذّرة زمنياً على مستوى العقيدة والانتماء والتراث بأبعاده الوطنية الحقيقية.
فلم يعد الجيش العربي السوري سرّ الصمود، بل عنوانه وعلامته الفارقة، في مسلسل صراعٍ عالمي ضارٍ مع وحش الإرهاب الدموي بخلفياته وواجهاته وداعميه وأدواته، وقد نكون قريباً على موعد مع خلاصات أبحاث ودراسات دولية -بدأت تتوالى مقدماتها- توثّق لهذه الحقيقة وتدفع بما لديها من شهادات بنبرة اعتراف، إما من عدو جرّب وانكفأ، أو مراهنٍ راهن وخسر.
وإن كان احتفاؤنا اليوم بعيد “حماة ديارنا” على إيقاع انتصاراتٍ صنعوها في أصعب ميادين قراع الإرهاب ومطارح الرهانات البغيضة، فهناك على الضفة الأخرى من يلملم تشظيات مشروعات الحقد والكيد ومساعي النيل من كل المعاني الناصعة التي تحتضنها سورية، لذا حُقّ لنا الاحتفاء مرّتين والافتخار –بلا مُهادنة- بأعلى الصوت ليسمع من لم يسمع بعد، بأن جيشنا البطل يأبى أن نحتفل بعيده إلا وبأيدينا وثيقة انتصار جديدة، نلوّح له بها وهو يلج بوّابة سنة جديدة، من مسيرة نضال بدأت في العام السادس والأربعين من القرن الماضي، وما زالت مستمرّة بمهامٍ تتجدد مع تجدد التحديات الدولية والإقليمية الصعبة.
نحتفل بعيد جيشنا سبب بقائنا واستمرارنا، ومصدر عزتنا وأنفتنا، ونحن على يقين مطلق بأنه بات ضمانة بقاءٍ لشعوب إقليمٍ بأكمله، تدرك هذه الحقيقة وإن كرهت حكوماتها الاعتراف، فالإرهاب الذي تسلل إلى سورية لم يأت بوصفات موت ودمار خاصة بها، بل أعد ما جاء به للتوزيع على المنطقة قاطبةً، وسورية كانت المركز الذي وقع عليه الاختيار لاعتبارات الجغرافيا والموقع الطبيعي أولاً والسياسي ثانياً، فكان “حماة سورية” حماة لنطاقٍ جغرافي واسعٍ متصل ومنفصل أيضاً، بشعوبه ومقدراته وثرواته وتراثه، وهو شرفٌ لنا لن ننتظر عليه ثناءً في حقبة الجحود السافر.
الآن مرت أعوام خمسة ونصف السنة من عمر الحرب الإرهابية على بلدنا، وفي كل مرة كان لعيد جيشنا معنى جديد مفعم بتجسيدات البطولة والتضحية والإباء، وإن كنا أولوية في عقيدة من نافحوا وينافحون عنّا ضد “قطعان” الوحوش ومصاصي الدماء، لابد أن يكونوا هم أولوية لنا أيضاً، ولهذه الأولوية حساباتها التي يعرفها كل منا جيداً، وتتعدى مجرد الكلام الإنشائي والإشادات المعنوية.
ولا نعتقد أن الدولة ممثلة بالحكومة وحدها المعنية بمهمة دعم صمود الجيش، وبلسمة جراح الجرحى، ورعاية شؤون أسر الشهداء الذين قضوا لنحيا، بل ثمة واجبات لا بد أن تسارع هيئات المجتمع الأهلي، والمنظمات الشعبية، وأوساط رجال الأعمال لبلورة هياكل تنظيمية لتقديمها وإيصالها لهدفها النبيل، فإن كنا جميعاً أمانة في أعناق بواسل جيشنا، يجب أن يكون الجرحى وأسر الشهداء أمانة غالية سامية في أعناقنا، وليكن هذا اليوم عيداً للجيش ويوم مبادرات خلاقة ننتظر الإعلان عنها لإيفاء نذر يسير من دينٍ يصعب وفاؤه كاملاً.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]