تحسين الواقع المعيشي للسوريين ممكن دون زيادة الرواتب والأجور..وهذه هي الوصفة الشافية…

 

خاص – الخبير السوري:

لم تعد آلاف الليرات القليلة تشكل سلاحاً فعالاً أمام ذلك السوق الشرس، ولن تستطيع ألوان العملة المزركشة أن تخفف وطأة شهر مملوءٍ بالتشاؤم .وعبثاً يحاول ذلك الموظف أن يتخطى الشهر دون استدانة رغم تقشفه الذي تزيد حدَّته يوماً بعد آخر.

ويكثر في الآونة الأخيرة التنظير حول عدم استطاعة الراتب تغطية أدنى مستويات المعيشة والحلول ما زالت وهمية في زمن تشكل فيه طبقة متوسطي الدخل من موظفين وأصحاب مهن حرة ما يقرب من 70 % من أفراد المجتمع.

إذاً مشكلة تدني المعيشة في المجتمع السوري هي من أهم المشكلات التي يجب أن تحلَّ في أسرع وقت، وقد يسأل أحدهم كيف؟ بعد تصريح وزير الاقتصاد أن زيادة الراتب هي “ضحك على الناس”.

 

تعدُّد المتهمين

ربما كان الانتقال من التقييد المطلق للاقتصاد السوري إلى التحرير المطلق أيضاً خطأ بحق المجتمع السوري، فإطلاق القوى في السوق جعل من المواطن فريسة للجميع وهذا الكلام ليس جزافاً وخصوصاً بعد نسب البطالة والفقر التي يجري الحديث عنها عبر قنوات إحصائية رسمية وغير رسمية.

ففي السنوات العشرة الأخيرة تشكلت فجوة على حسبما سمّى أحد الخبراء ذلك بسبب الانتقال غير المرشد وغير المدروس بين نهج الاقتصاد المخطط والمركزي الذي كان يؤكد دور الحكومة المباشر على المواطن والأسواق وعلى مجمل تجليات الحياة في سورية، وبين اقتصاد السوق الحر ولو أتبعت به لفظاً فقط صفة الاجتماعي إلا أن الممارسات كانت تشير إلى اقتصاد سوق حر بكل معنى الكلمة بمعنى تحرير الأسواق والأسعار وإلغاء بعض القوانين التي تضبط وتراقب وتساعد. هذه الفجوة تسببت بأزمات معيشة يمكن أن تستدرك حالياً على حد قول بعضهم، ويمكن إعادة ترتيب البيت الداخلي السوري، وقد اعتبر الدكتور إبراهيم العدي الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أن إعطاء الحرية والمرونة للقطاع الخاص في التحرك وأخذ الكثير من المزايا والإعفاءات، حقق الكثير من المنافع على حساب الاقتصاد الوطني إضافة إلى تهربه من الضرائب وتهربه من الصدق الاجتماعي على حدّ قوله في ظل تلاشي وزارة التموين وتهرّبها من إعطاء التأمينات الاجتماعية والكثير من الممارسات الأخرى.

وقد يتوسع البعض في ذلك ليصل إلى مرحلة الاحتكارات التي نتجت عن إطلاق قوى السوق في ظل الاقتصاد الحر، حيث يتحكم عدد من رجال الأعمال في السوق السورية ويحتكرونها، وقد تُوجَّه بعض الملاحظات إلى قانون المنافسة ومنع الاحتكار الذي سمح بنصوصه الواضحة والصريحة بالاحتكار وأصبح عاجزاً وقاصراً عن ضبط هؤلاء التجار، فبدلاً من أن يلغي الاحتكار جعله شرعياً وأوجد للتجار غطاء قانونياً، والذي يحدث أن عدداً لا يتجاوز الأربعة من تجار سلعة ما يحتكرون هذه السلعة ويتحكمون بسعرها ويكونون نداً حقيقياً للمواطن الذي يجد نفسه مجبراً على الخضوع أمام متطلباته المعيشية من غذاء وكساء.

ورغم اعتقاد الحكومة أن هذا النهج الذي سمح بتحرير الأسعار وإلغاء سياسات التسعير هو لمصلحة المواطن إلا أنه كان خطأ بحقه، ويعيد أحد الخبراء السبب إلى أننا لم نصل بعد إلى ثقافة استهلاك تتيح للمستهلك مقاطعة السلعة التي يتم احتكارها كما أننا لم نصل إلى أدبيات سوق تكبح جماح رغبة التاجر بتحقيق أرباح كبيرة.

 

12خطوة لوصفة تحسين المعيشة

أكد د. العدي وجود دراسات تدل على أن متوسط الإنفاق الشهري للأسرة السورية المكونة وسطياً من خمسة أشخاص، يجب أن يصل إلى 35 ألف ليرة سورية وهذا يمثل الحد الأدنى للمعيشة ولا يوفر إلا حدَّ الكفاف، وبالتالي رأى أن حوالي 96 % من فئات العاملين في الدولة لا يغطون تكاليف المعيشة و70 % لا تغطي أجورهم نفقات المواد الغذائية، ولذلك وجد د. العدي اثني عشرة طريقة لتحسين المعيشة للفرد السوري، وقد يكون أولها التدخل الايجابي للدولة في السوق لمحاولة ضبط الأسعار من الفلتان الذي نلحظه على حد قوله وإجبار التجار والصناعيين على تداول الفاتورة التي تشكل صمام الأمان للمستهلك في ظل اقتصاد السوق الاجتماعي “مع تحفظ على مصطلح الاجتماعي”، وبرأيه يجب حماية مداخيل المواطنين من سطو التجار، من خلال الحكومة أو من خلال جمعيات المجتمع المدني.

ومن الخطوات التي طرحها العدي تشخيص الضريبة أي جعلها مرتبطة بالأوضاع الشخصية والعائلية والاجتماعية للمكلف، حيث يبقى مبلغ 10000 ليرة سورية كحد أدنى ثابت معفى، واقتراح حد أقصى متحرك مرتبط بعدد أفراد الأسرة ومستوى تعليمهم وعدد المعالين وظروفهم الصحية، وأيضاً تخفيض المعدلات الضريبية على الرواتب والأجور لأنه ليس من المعقول أن يصل معدل الضريبة على راتب إلى 22 %، بينما تفرض ضريبة على أرباح شركة مساهمة بنسبة 14%، واعتبر أن إلغاء الاحتكارات غير المشروعة للسوق بطريقة احتكارية أو شبه احتكارية سواء في مجال الاتصالات أم السيارات قد يرفع من معيشة الفرد. وأكد ضرورة تحويل الخدمات العامة من كمية إلى كيفية كالتدريس والطبابة وتقديم السلعة الحكومية المناسبة كالكهرباء والماء والهاتف، وهذا ما اعتبره العدي ضبطاً لسير الإنفاق عند المواطن، وهكذا يزداد مستوى المعيشة تلقائياً.

وقد أضاف إلى ذلك ضبط أسعار الخدمات المقدمة من أصحاب المهن العلمية من أطباء وصيادلة وهذا أيضاً يعتبر أحد المسارب.

وتطرَّق العدي إلى أن إحدى الخطوات عقلنة الإنفاق العام، فعلى سبيل المثال السيارات التي تصرف الملايين كنفقات إصلاح وصيانة، وكذلك اقترح العمل على حساب التعويض العائلي بنسب مئوية على الراتب الذي يشكل حالياً مبلغاً تافهاً لا يسند جرة واعتبر أن انحدار التعويض العائلي من 250 ل.س إلى 50 ل.س هو “مزحة” تحديد النسل في سورية.

ورأى أن إلغاء سقوف الرواتب والتعويضات والعمل الإضافي له دور أيضاً، والعمل على كبح جماح التضخم الذي يؤدي تدريجياً إلى تناقص الدخول للأفراد، وبالتالي أي تراجع في نسب التضخم يؤدي إلى زيادة في الدخول.

وأخيراًَ كان لترشيد التصدير وعدم السماح إلا بتصدير الفائض عن حاجة السوق السورية وخاصة المواد الغذائية وعدم السماح لغير السوريين بالعمل أو امتلاك عقارات دور في فسح المجال أمام السوريين لتحسين المعيشة.

 

الحلولُ الأسرع

يعتبر الخبراء أن أسرع الخطوات التي يجب اتخاذها هو منع احتكار السوق من عصبة من رجال الأعمال وفتح باب المنافسة لكل من يمتلك الملاءة، وقانون السوق هو الأقدر على تصفية القوى المتصارعة وخروج الأضعف، وهكذا تتضاعف القوى المسيطرة وتتنافس لخدمة المنافس وليس القضاء عليه.

أما الحل الآخر فهو إعادة سياسة التسعير إذ يجب الاعتراف بوجود شرائح في المجتمع السوري يجب أن نؤمن لها احتياجاتها ونسعّرها ولا بأس في تحرير الأسعار لشريحة معينة وفي أسواق خاصة بها كالمولات التي تعطي ذلك الانطباع الترفي، وهنا اقترح خبير اقتصادي أن يتم تقسيم السوق في سورية إلى ثلاثة أنواع:

سوق للطبقات المترفة التي تحافظ على البريستيج بخدمات ومميزات ترفية، وسوق أخرى لمتوسطي الدخل كالصالحية والحمراء والقصاع بما أنها في وسط المدينة.

وأخيراً أسواق الفقراء التي تحدثت عن إنشائها غرف المحافظات وغرف التجارة، وهي التي ترسخ عرف البيع الكثير بالربح القليل، وهي بصراحة مقصد أغلب الناس، وهنا يجب إعادة ترتيب السوق بشكل جيد وفرض الرقابة على هذه الأسواق كل حسب تسعيرته أي يتم وضع ثلاث تسعيرات الأولى محررة والثانية مضبوطة والثالثة مضبوطة بأقل ولكلٍّ ما يدفعه من ضريبة، وذهب بعضهم إلى تسعير إيجار المساكن ولو بشكل تأشيري وتقسيم المناطق كما الفنادق وهنا يمكن الإشراف أيضاً على أسعار إيجار المساكن التي باتت متطلباً من متطلبات المواطن السوري في ظل أزمة سكن عارمة، وهكذا نرمّم الفجوة التي تشكلت من الانتقال السريع للسوق الحر.

وقد تستطيع الحكومة رفع معيشة الفرد التي لا تسدَّ رمقه في الوقت الحالي بعدد من الخطوات، وبات الأمر يحتاج إلى تحرك سريع لما لتلك الحالة من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وسياسية أيضاً.

فثمة خياراتٌ غير زيادة الرواتب والأجور وهي الخطوات التي أثبتت عدم جدواها في تحسين معيشة المواطن، لأن السوق تكون دائماً بالمرصاد لزيادة كهذه وبالتالي تكون الزيادات من نصيب التاجر ويكون دور العامل فقط ناقلاً للقيمة المدفوعة من الحكومة ليسلمها إلى التاجر!!.

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]