هدر موصوف عن سابق إصرار..”مجاكرات إدارية” تحيد كوادر وتجمد أخرى حتى الموت..!!

 

 

الوزارات والمؤسسات الحكومية، الذين يُنهى تكليفهم من موقع عملهم ويوضعون تحت تصرف الوزير، لاسيما وأنهم لم يرتكبوا مخالفة صريحة بمسار عملهم، أو بتعاطيهم مع مقتضيات المصلحة العامة، فلو كان هناك بالفعل مخالفة أو تجاوز أو تلاعب ما..الخ لتم إحالتهم إلى الأجهزة الرقابية للتحقيق فيما ارتكبوه..! وإلا فإن من جعلهم تحت تصرفه يعتبر مرتكب بالفعل في حال عدم إحالته لهم إلى الرقابة ..!.

خلل واستنزاف

خلل إداري واضح يستنزف خبرات مشهود لها بالكفاءة تتقاضى أجورها الشهرية دون أن تقدم أي منفعة للجهة المحسوبة عليها، ليس هذا وحسب بل إن معظم –إن لم نقل كل – المدراء العامين على سبيل المثال لا الحصر الموضوعين تحت تصرف الوزير، يعملون لدى القطاع الخاص الذي يقدر كفاءاتهم وأفكارهم الكفيلة بتطوير العمل والإنتاج ويتقاضون إضافة إلى رواتبهم الرسمية، أجوراً مضاعفة عن الأخيرة، وربما يخصص لبعضهم –من باب حفظ ماء الوجه- سيارة من الجهة الرسمية تبقى تحت تصرفهم، ما يعني أن هناك هدر بالمال العام والموارد البشرية..!.

اللافت أن معظم الحالات التي تصيبها لعنة (يوضع تحت تصرف الوزير) قد تستمر لعقود، ولا يعاد النظر بها عند تغيير الوزير بآخر يدرس إمكانية الاستفادة من إمكانياتها، وقد تتحول هذه اللعنة إلى نعمة حقيقية بالنسبة للحالة، على اعتبار أنها تتمتع بحرية العمل خارج إطار الوظيفة العامة دون أية محاسبة، وتتقاضى أجورها وقد تتمتع أحياناً ببعض الامتيازات (كالسيارة كما ذكرنا)..!.

ثقافة مؤسساتية

الخبير الإداري الدكتور حسين إبراهيم يؤكد أن هذا الأمر يتسبب بهدر للموارد البشرية والكفاءات الوطنية، ويرى أن سبب وضع معظم المديرين تحت تصرف الوزير –للأسف – هو خلاف شخصي ولا علاقة له بالإخلال بالمسلكية الوظيفية أو بارتكاب ما، وإلا لاتخذت الأجهزة الرقابية في هذه الحالة دورها بالتحقيق فيما تم ارتكابه، معتبراً أن أس المشكلة يتمثل بغياب ثقافة العمل المؤسساتي السليم، وعدم تنحية الخلافات الشخصية عن مسار التعاطي مع حيثيات العمل ومقتضيات المصلحة العامة، لافتاً إلى ضرورة إيجاد ثقافة مؤسساتية حقيقية، وإعطاء الاحتراف الإداري الأولوية القصوى في المفاصل التنفيذية، إلى جانب تفعيل الرقابة الإعلامية وإعطاء الإعلام هامش المتابعة لمثل هذه القضايا، معتبراً أن تناولنا لهذا الموضوع يندرج تحت إطار هذه المتابعة.

ظلم

ولم ينكر إبراهيم أن ثمة ظلم يقع على كثير من الحالات التي وضعت تحت تصرف الوزير لاسيما تلك المتعلقة بالخلافات الشخصية، داعياً إلى إعادة النظر بمثل هذه الحالات وإعطائها فرصة مناسبة لتقديم ما لديها من أفكار ومبادرات تنعكس بالنهاية على سيرورة العمل، مشيراً إلى تقلص عدد هذه الحالات خلال الفترة الراهنة قياساً في السابق، وأن الأمر لم يصل إلى ظاهرة عامة، وأنه يقتصر على حالات بسيطة، دون أن يخفي أهمية أن يكون لدينا بالمحصلة قياس للأداء الحكومي.

جرح نازف

لطالما شكل نقص الكوادر كماً ونوعاً جرحاً نازفاً في الجسد الحكومي بشكل عام، ما انعكس بالنتيجة على الأداء الخدمي والإنتاجي، جرح لم تحاول –أو ربما- لم تستطع الجهات المعنية معالجته لا قبل الأزمة ولا خلالها، علماً أنه بدا واضحاً وجلياً –على سبيل المثال – في المشهد المصرفي والتأميني لحظة دخول الشركات الخاصة إلى البلد، والتي سارعت إلى سحب الكوادر من نظيراتها العامة لدرجة وصلت بحسب بعض المراقبين إلى حد الاستنزاف، لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى برفع سقف الرواتب والأجور إلى مستويات قياسية لدى الخاصة مقارنة بنظيرتها العامة..!. وهنا يبين أحد المدراء العاميين أن بعض هذه الحالات تكيفت مع واقعها الجديد وتنتظر أن يعاد النظر بوضعها، والبعض الآخر وجدها فرصة ذهبية للعمل في القطاع الخاص، مشيراً في تصريحه لـ”البعث” أن هذه الخبرات تم تأهيلها لدى القطاع العام الذي لم يدخر في معظم الأحوال جهداً في آليات التدريب والتأهيل واكتساب الخبرات وتبادلها مع بعض دول العالم، وهنا لا يخفى على أحد ما يتطلبه هذا الأمر من تكاليف مادية بغية الوصول لكوادر على درجة كبيرة من الكفاءة والإنتاج..!، ليأتي القطاع الخاص ودون أي عناء يذكر في هذا الاتجاه ليقطف ثمار جهد نظيره العام التي أينعت على أكمل وجه وأتم استعداد، ويستفيد من هذه الخبرات المؤهلة ويوظفها في مفاصل منظومته العملية وكأن شيئاً لم يكن..!.

لعل أبرز عوامل هذا الجرح –حسب المدير العام- هو أن خبراتنا الوطنية والتي ترتقي إلى العالمية، لا تزال وللأسف مهمشة من قبل بعض جهاتنا التنفيذية، والأنكى أن هذه الخبرات المهمشة لم تعد مستهجنة، بل أصبحت ظاهرة توحي بأن هذه الخبرات باتت مستهدفة لاعتبارات تتعلق بالمحسوبيات، والحفاظ على المكتسبات غير المشروعة، علماً أن حيثيات اقتصادنا الوطني تستدعي بالضرورة البحث عمن لديه حلول استثنائية، مشيراً إلى أن المفارقة المؤلمة التي تحول دون أن تأخذ هذه الخبرات فرصتها للمساهمة بإعادة نشاط العجلة الاقتصادية، تتمحور بانتمائها لجيل الشباب، ما أوقعها في مأزق مفتعل أُتخِذَ ذريعة من قبل المناهضين لها – إن صح التعبير – المنتمين إلى جيل المخضرمين، يتمثل بنظرتهم لهذه الخبرات بأنها تندرج تحت ما يسمى حماس الشباب ليس إلا، دون إعطائها فرصة أخرى للمبادرة أو الأخذ برأيها كحد أدنى..!.

ملاحظة

بعض الحالات التي وضعت تحت تصرف الوزير لم يمض على توليها لمنصب ما سوى أشهر، أي أنه ووفق المثل الشعبي (لم يتبين خيرها من شرها)، أي لم يتسن لها الإحاطة الفعلية للإقدام على ارتكاب ما مقصود، ما يعني بالمحصلة أن هناك إجحاف واضح بحقها، وخلل إداري يستدعي بالضرورة المعالجة الفورية..!.

 حسن النابلسي

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]