عندما تصبح الشطارة خسارة…لا بد من البحث عن قالبي المعادلات الصعبة والنافخين في نار أزمة السوق..

ألقت السوق النقدية وما يكتنفها من تخبطات بظلالها على الاقتصاد الحقيقي، حيث انتقلت العدوى من سوق الصرف إلى سوق السلع والخدمات التي شهدت ارتفاعات غير مسبوقة بالأسعار، أدت إلى إيجاد فجوة اجتماعية كبيرة تملي على الحكومة ردمها بزيادة الرواتب والأجور بنسبة ربما لا تقل عن 100% حتى يتوازى مستوى الدخل مع مستوى التضخم الناجم عن جنوح سوق الصرف، ويمكننا تصوير هذا الوضع بأنه أشبه ما يكون بإلقاء حجر في بركة ماء فينجم عنه دوائر تتوسع بحجم الحجر الملقى، وما حدث في الأزمة هو أنه تم إلقاء حجر في السوق النقدية وعمل التجار على مضاعفة تداعياتها والمضاربة بنتائجها بشكل أوسع فأوسع، ما أدى إلى انخفاض القوى الشرائية لليرة، فعندما ارتفع سعر الصرف وانخفضت قيمة الليرة بنسبة 50% في البدايات ارتفعت أسعار السلع والخدمات بنسبة وصلت إلى 300% في بعض الأحيان، أي أن الموجة انتقلت من سوق النقد إلى سوق السلع والخدمات بأضعاف مضاعفة، ما يؤكد وجود حراك مضارباتي تجاري بحت، وهذا ما يظهر نتاج الحكومات السابقة وما وعدت به من اقتصاد سوق اجتماعي سلمت مفاصله إلى فئة من التجار مدعومة من قبل السلطات التنفيذية في البلد، تشاطرها الأرباح بشكل أو بآخر، لأنها لم تتدخل في السوق حقيقة في الوقت المناسب، وعدم التدخل هذا لا يمكن اعتباره إلا تقاعساً أو تواطؤاً.
ليس هذا وحسب بل يشي بعض المراقبين -على استحياء- بأن المضاربة لم تقتصر على شركات الصرافة وبعض الحائزين الجدد للدولار، بل إن بعض المصارف أيضاً شريكة في لعبة سعر الصرف، حيث تجرأت ودخلت اللعبة من خلال تشغيل احتياطياتها لتضارب بها في السوق السوداء، ما يتنافى مع القوانين والأنظمة المصرفية المعمول بها، ونحن هنا لا نؤكد ولا ننفي وإنما ننقل الهواجس ليس إلا..!.
وهم..!
لاشك أن الاقتصاد السوري يمر بأزمة غير مسبوقة، إلا أنه وفي حقيقة الأمر جزءاً من هذه الأزمة هو وهمي والآخر حقيقي، وجزء من انخفاض سعر الصرف وتدهور الليرة هو وهمي إعلامي يسوقه حيتان السوق المستفيدين من التذبذب الحاد لسعر الصرف، ونشير في هذا السياق إلى أن الاقتصاد السوري ليس بمستوى السوء الذي يروج له، فوضعنا الاقتصادي مقارنة مع الأزمة لا يزال بحدود المقبول على أقل تقدير، بدليل أن رواتب وأجور الموظفين لم تتوقف إلى الآن، إضافة إلى أن السلع والخدمات لا تزال متوفرة بالأسواق.

فئة انتهازية
لقد ساهم تفاقم الأوضاع الأمنية بتغيير ثقة المواطن بالوضع الاقتصادي بشكل عام وبالليرة بشكل خاص، وسارع الكثيرون إلى استبدال مدخرات بالدولار والذهب والعقار خشية انحدار سعر الصرف إلى أدنى درجاته، غير أن الذي حصل أنهم كانوا ضحايا لتجار الأزمات من المضاربين بسوق العملات، وهنا نحذر من فئة التجار هذه، والتي هي بالأساس انتهازية ولم تخف وجودها يوماً في مفاصل اقتصادنا الوطني، وهنا نعتقد أن الإجراء الاقتصادي الواجب اعتماده في هذه المرحلة يتمثل بتحديد الفرص الذهبية والفضية والبرونزية لتشغيل الدولارات وضخها في شرايين الاقتصاد السوري، والتمييز بين المستثمرين الحقيقيين لها لإعادة تسييلها وتحقيق القيم المضافة والمتوخاة منها، عبر تشغيل المصانع المتوقفة وإحداث المشاريع الكفيلة بإمداد السوق المحلية بما يلزم من مواد وسلع، وبين المضاربين الساعين لانتهاز الفرص على حساب المصلحة الوطنية وقوت المستهلك.
بلا شك..
إن قرار الضخ الصحيح إلى القنوات السليمة سينعكس إيجابياً على سعر الصرف من ناحيتين الأولى تعزيز الثقة بالليرة السورية والتي تتولد لدى المستثمر الحقيقي عندما يدرك تماماً أن لدى السلطة النقدية ما يكفي من القطع لتمده بما يحتاج منه لكي يدير أعماله، وعندما يلمس المواطن السوري بأن هذا المستثمر قد استطاع توفير ما يلزمه من احتياجات سوف تعود ثقته بالليرة السورية وبأن الحكومة قادرة على القيام بالتزاماتها الاقتصادية، وتتعلق الناحية الثانية بتمويل المستوردات في حال دخولها إلى السوق وأصبحت بمتناول يد المستهلك الذي سيجد أن السوق لم تتغير وأن السلع بدأت تعود إليه بأسعار مقبولة، وبالتالي لا خشية لديه من أن الدولة ليس لديها موارد لتأمين احتياجات مواطنيها.
الخبير السوري– حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]