الرقم الإحصائي.. إشكاليةٌ في تصنيع مصادر المعلومة.. بتوقيع المكتب المركزي للإحصاء

الخبير السوري:
من المجمع عليه أن الرقم الإحصائي ذو أهمية كبرى لدى جميع الجهات الرسمية بكل إداراتها، وأيضاً الجهات الخاصة بجميع مؤسساتها، ولجميع الباحثين والدارسين، كما هو حاجة ماسة لجميع الجهات الدولية المعنية بالشأن العام الإقليمي والدولي، على تعدد هذه الجهات وتنوعها، وما أكثر حاجة كل هذه الجهات للأرقام في كل زمان ومكان، والمكتب المركزي للإحصاء (ومديرياته في المحافظات) هو المصدر الأساس لتزويد جميع الجهات الطالبة للأرقام الإحصائية، من فيض ما يتوفر لديه من الأرقام والمؤشرات التي أعدها وفق التصنيف والجدولة المعتمدين لديه، وذلك في ضوء كمية ونوعية الأرقام التي ترده من الجهات (العامة والخاصة) المُورِّدة لهذه الأرقام، وأيضاً من خلال المسوح الإحصائية الميدانية التي ينفذها (بعضها يتم بالتعاون مع جهات أخرى).

جفاء
كثيرة هي البيانات والأرقام الإحصائية التي تخطر ببال المعنيين والمهتمين باستخدام الأرقام الإحصائية، ويتوجهون لطلبها من المكتب المركزي للإحصاء و مديرياته، أو من إحدى الجهات الرسمية الأخرى المعنية بالأرقام المطلوبة، ولكن قد يحدث أحياناً أنهم لا يجدون جميع ما يتوخونه من أرقام، وفق النموذج الذي يرغبونه وبالتوقيت المطلوب، ما قد يولد حالة عدم رضا ويدفع لتوجيه بعض اللوم والعتب، وكيل التهم يمنة ويسرة، ويغيب عن بال هذه الجهات أن الرقم الإحصائي مسؤولية مشتركة بين الجهات الثلاث (الموردة له، والعاملة على إعداده تبويباً وتصنيفاً وتحليلاً، والمستخدمة له)، ومن المؤكد أن الجهات الموردة (الرسمية والخاصة) هي الأساس، ما يتوجب أن تعمل جميع هذه الجهات (بدءاً من أصغر إدارة، وانتهاء بأصغر إدارة) للقيام بإعداد كامل الإحصاءات المتعلقة بعملها باعتماد العديد من التبويبات والتصنيفات والجدولة، إذ من المقتضى أن تقوم كل جهة بإعداد الإحصائية الدورية الشهرية والفصلية والسنوية، لجميع أعمالها ونشاطاتها، لتكون زادها الأول (وخير الزاد ما كان من صنع اليد) في إنارة كل ما يتعلق بعملها ماضياً وحاضراً، وينورها لرسم خططها بما يساعد في تحقيق طموحاتها المستقبلية.

تشاركية
ما سبق يستوجب من كل جهة فرعية مركزية، أن تعتبر نفسها المسؤولة الأولى عن توفير كم هائل من الأرقام الإحصائية بين يديها وبشكل تفصيلي وإجمالي عن كل ما يتعلق بعملها، وتوفره بين يدي إداراتها الأعلى والأدنى والجهات الأخرى الطالبة لها، حيث تصب هذه الإحصاءات في الإدارات المركزية والوزارات، لتكون هي المصدر الأساس للأرقام الإحصائية العامة الجامعة التي يعمل المكتب المركزي للإحصاء على إعدادها على مستوى الوزارات والمحافظات والقطاعات، عقب قيام جميع الجهات بموافاته بجميع الإحصاءات المجهزة لديها (مجملاً ومفصلاً) عند الانتهاء من إعدادها مباشرة وضمن التوقيت المطلوب، بغية تمكين الإدارات الأعلى والمكتب المركزي للإحصاء من حالة تأخر إصدار الكثير من التقارير والدراسات، وتحديداً المجموعة الإحصائية السنوية لكل وزارة وإدارة عامة، والمجموعة الإحصائية السنوية الجامعة التي يصدرها المكتب المركزي للإحصاء، حيث يتوجب على كل جهة أن تسارع في إعداد تقاريرها الشهرية خلال الشهر التالي، وإعداد تقاريرها الربعية خلال الشهر الأول من الربع التالي، ما يساعد الجهات الأعلى /الوزارات/ في إعداد المجموعات الإحصائية السنوية العائدة لها، لتمكين إنجاز المجموعة الإحصائية التي يصدرها المكتب، خلال الربع الأول من كل عام، بدلاً من صدورها في نهايات الربع الأخير أو العام التالي.

مخاتلة
غالباً (وربما دائماً) ما يكون تأخر صدور التقارير والدراسات والمجموعات الإحصائية الدورية (التي تعدها الإدارات ويعدها المكتب) عائداً إلى تأخر ورود البيانات من الجهات الفرعية – العامة والخاصة- الموردة للرقم، علماً أنه ليس من حق أية جهة، فرداً أو مؤسسة، أن تتأخر أو تحجب المعلومات الرقمية عن كل ما يتعلق بعملها عن الدولة، أو تقدم معلومات وأرقاماً مخالفة للواقع، ما يجعل من الضرورة ألا تهمل الجهات الأساسية الموردة دورها الأساس والمطلوب في إعداد المزيد من الأرقام، ومن المؤكد أن تحقيق كل ذلك يستوجب اتخاذ إجراءات رسمية تلزم جميع الجهات العامة والخاصة، الإنتاجية والخدمية والإدارية (صغيرها وكبيرها)، بما في ذلك المنظمات الشعبية والمهنية والسياسية أيضاً، بضرورة إعداد إحصاءات عن كامل نشاطها، وفق تصنيفات عديدة تسمح بإلقاء الضوء كاملاً على عمل هذه الجهة، من خلال استعراض الإحصائيات المُعدَّة، مع إلزام كل جهة بالاحتفاظ بكل الوثائق التي تسمح بتدقيق صحة هذه الإحصاءات، واستكمال إصدار بعض التصنيفات الأخرى التي قد تكون غير مُعدَّة ويمكن إعدادها في ضوء الحاجة، وتحميل كامل المسؤولية لكل جهة مقصرة في إعداد الإحصاءات ومساءلتها عن أي تضييع جزئي أو كلي للوثائق المتعلقة بها، إذ كثيراً ما عمل (وما زال يعمل) بعض مرتكبي الفساد على إضعاف كمية الإحصاءات وتفصيلاتها، والعبث بدقتها، وتبديد وتضييع بعض أو كل وثائقها، بغية إخفاء كل ما يدلّ على ما ارتكبوه من فساد، ما يستوجب إلزام جميع الجهات بضرورة الاحتفاظ بجميع الوثائق الرقمية، بمستوى الاحتفاظ نفسه بالأرقام المالية المحاسبية، وليس من حق أية جهة (فرعية أو مركزية) أن تقصِّر في تبويب وتصنيف وجدولة إحصاءاتها تحت أية حجج واهية0

إشكالية المصدر
إن تحضير الإحصاءات المتعلقة بعمل إدارة خدمية كبيرة أو شركة إنتاجية كبيرة أو جمعية حرفية أو جمعية فلاحية أو دورية إعلامية أو جمعية خيرية أو قرية أو بلدية أو…، يشكل أساساً لإعداد الإحصاءات لدى الإدارات الأعلى المرتبطة بها هذه الجهات، وفق العديد من الجداول والتصنيفات، بما يمكن الجهات الطالبة للمعلومات على مستوى مناطقي أو قطاعي جزئي من الحصول على الأرقام التي تريد، بالتفصيل الذي تريد على مستوى القطر وعلى مستوى المحافظات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية، إذ ليس بمقدور المكتب المركزي للإحصاء (ومديرياته في المحافظات) الإجابة بتلبية جميع الطلبات من الأرقام، ما لم تكن جميع الجهات المعنية قد زودته مسبقاً بأرقامها الإحصائية الأولية، وما لم تقم الجهات المستخدمة للرقم بعرض تصوراتها المسبقة عن الأرقام التي تحتاج إليها، ليتسنى التحضير والاعتماد لعمل تشاركي (بين الجهات الثلاثة / الموردة للرقم، والمعنية بإعداده، والمستخدمة له) يثمر عن توفير كم كبير من الأرقام بالنوعية المطلوبة وبالسرعة المطلوبة، ومن المؤكد أن توفير المزيد من الأرقام يتطلب التنسيق الدائم والمستمر بين هذه الجهات الثلاثة، لتأمين المزيد من الأرقام، وخاصة عندما لا تسمح الظروف بتنفيذ مسوح إحصائية ميدانية، ما يجعل من المقتضى ألا يغيب عن أذهان الجميع (وتحديداً أولي الأمر) أن الأرقام الإحصائية حاجة ماسة في كل زمان ومكان، وتوفيرها يقع على عاتق معدّيها ومستخدميها معاً، فاليد التي تحصد هي الأولى بأن تكون اليد التي زرعت.

عبد اللطيف عباس شعبان

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]