نمط زراعي لن يبقي فقيراً في الريف السوري لو نجحت الحكومة بتعميمه..

الخبير السوري:

لم تعد ترفاً بل خيار متاح للجميع، الزراعات المائية أو كما تسمى الزراعات من دون تربة، ربما ليست بديلاً عن الزراعات المحمية بل هي داعمة ومكملة لها ولكنها أكثر توفيراً وأعلى إنتاجاً.

أصبح بالإمكان الآن وفي ظل ظروف شح الأمطار والمياه الجوفية والتربة الفقيرة، اللجوء إلى حلول أكثر ربحاً وتوفيراً واستغلالاً للحيازات الصغيرة المتوافرة لدى الجميع من دون الحاجة إلى القيام بمشاريع كبيرة ومكلفة وقد تكون خاسرة.

معاون مدير عام الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية د.بهاء الرهبان أكد أنّ أهمية الزراعة المائية تكمن في قدرتها على إنتاج كم كبير من المحاصيل الزراعية على مساحة صغيرة، تحت ما يعرف بالزراعة العمودية التي تتطلب طاقة أقل بكثير مقارنة بنظيرتها التقليدية، ما يدعم التنمية وضمان الأمن الغذائي وتأمين الاتفاق الغذائي كمياً ونوعياً.

للحد من الآفات

ويبيّن الرهبان أنّ الزراعة من دون تربة استخدمت للحدّ من الآفات والأمراض التي تنتقل عن طريق التربة، التي تؤثر في المحاصيل الزراعية الأحادية، عن طريق تجنب الاتصال بين النباتات والتربة، ولأنّ الأوساط من دون تربة يمكن تعقيمها وإعادة استخدامها بين المحاصيل، كما أنّ إعادة استخدام هذه الأوساط عوضاً عن التربة يلبي بشكل خاص طلب الإنتاج المكثف للمحاصيل، علماً أنّ بعض هذه الأوساط أو الركائز أفضل بكثير من التربة، ولاسيما من حيث القدرة على الاحتفاظ بالماء وإمدادات الأوكسجين في منطقة الجذر في النباتات، حيث يتم التحكم في توفير العناصر الغذائية عند جذور النباتات بشكل أفضل من مراقبتها والسيطرة عليها، ما يؤدي إلى ارتفاع الإنتاج من حيث الكمية والنوعية.

وعلاوة على ذلك فإنّ معظم تقنيات الزراعة من دون تربة تستعمل جزءاً ضئيلاً من المياه اللازمة للإنتاج التقليدي القائم على التربة، وذلك لأنّ المحلول المغذي يعاد تدويره.

  • الرهبان: استخدامها عوضاً عن التربة يلبي بشكل خاص طلب الإنتاج المكثف للمحاصيل

وأشار الرهبان إلى تجربة قامت بها الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية بإنشاء بيت بلاستيكي مخصص للزراعات المائية في محطة بحوث الري في النشابية عام ٢٠٢٣، ويعمل على الطاقة الشمسية ليكون نواة انطلاق مثل هذه المشاريع في كل المحافظات.

ليست حديثة العهد

بدوره أوضح المهندس الزراعي مظهر صالح بأنّ الزراعة المائية ليست حديثة العهد في سورية بل تمّ القيام ببعض المشاريع لغايات إنتاجية وليست تجريبية منذ أكثر من ٢٤ عاماً تقريباً ورغم وجود الخبرات إلّا أنّ المشاريع غير كافية لتغطية الحاجة الماسة لها لكثرة الترب الموبوءة بالآفات، ولكونها توفر نسبة كبيرة من المياه في المناطق التي تعاني ندرة المياه وذات التربة الفقيرة أو عديمة الترب كالمناطق الصخرية في الجبال.

ويرى صالح في حديثه عن مشروعات الزراعة المائية أنها لا تزال فردية وحتى الآن ليس هناك أي منشآت أو مؤسسات تقوم بها، وهناك غياب كامل للدعم الحكومي رغم وجود دراسات اقتصادية لتجارب عملية تؤكد أن الزراعة المائية رابحة جداً بتكاليف تشغيل أقل مقارنة بالزراعة في التربة.

ومقارنة بحجم الزراعة المحمية في سورية، إذ يوجد ما يفوق ١٤٠ ألف بيت بلاستيكي للزراعة المحمية مقابل رقم ضئيل لا يتجاوز ٥٠ بيتاً للزراعة المائية، رغم الحاجة القصوى لها في ظروف شح المياه الحالية، وبالنسبة للمزارع الذي سيكون الرابح الأكبر لكون قيم الإنتاج لديه ستكون أعلى بتكلفة أقل، كما أنّها توفر ما يقارب ٧٠% من استهلاك المياه.

  • مهندس زراعي: 140 ألف بيت بلاستيكي للزراعة المحمية مقابل ٥٠ بيتاً للزراعة المائية

وفي أحد مشاريع الزراعة المائية التي تحدث عنها صالح في مدينة بانياس لألف نبتة من ثمار البندورة أنتجت ما يقارب ٦ أطنان في موسم قصير (٦ أشهر) وكانت تكلفة إنتاج الكيلو الغرام الواحد ما يقارب ٠،١ دولار .

استثمار الحيازات الصغيرة

ويوضح المهندس محمد سليمان المتخصص بالاقتصاد الزراعي أنّ الزراعة من دون تربة ليست تقنية حديثة أو مبتكرة لكون أقدم وجود للنباتات كان في البحار والمحيطات، ولكن انتشارها ضيق في سورية لعدم دراية بعض المزارعين بمزاياها وأهميتها، وقد انتشرت منذ فترة وبشكل خاص في المناطق الساحلية مثل اللاذقية وطرطوس واقتصر البعض منها على مشاريع بحثية لبعض الدارسين أو مشاريع صغيرة تدر دخلاً معقولاً للشباب.

  • تمكن من استثمار الحيازات الصغيرة التي لا تصلح عادة للزراعة مثل الترب الفقيرة أو الصحراوية

وباعتبار أنّ الزراعة المائية لا تتطلب وجود تربة زراعية، فإنّه بالإمكان استثمار الحيازات الصغيرة التي لا تصلح عادة للزراعة مثل الترب الفقيرة أو الصحراوية وأسطح المباني مثلاً أو الحدائق المنزلية.

وعلاوة على ذلك فإنّ الزراعة المائية تحمي النبات من آفات التربة (النيماتودا وفطريات الذبول) والتي تجبر المزارعين على تعقيم البيوت المحمية وترتيبها قبل الزراعة وهي عملية مكلفة سواء كيميائياً أو التعقيم بالشمس، والذي يستغرق وقتاً طويلاً وبكفاءة أقل.

وكما يؤكد سليمان فإنّ أهم المحاصيل التي تتم زراعتها عن طريق الزراعة المائية في سورية هي الخضار بشكل أساسي البندورة والفريز والخس وبعض نباتات الزينة وقد كانت هناك تجارب ناجحة لزراعة التين وبعض أشجار الفاكهة خارج سورية.

ويشرح سليمان في رسالة الماجستير خاصته إحدى التجارب العملية التي تم القيام بها للمقارنة بين الزراعة بالتربة والزراعة من دون تربة(المائية) والتي تم انشاؤها في قرية عين شقاق بجبلة باستخدام هجينين للبندورة (باستونا و دومينا) في بيت بلاستيكي مساحته٤٠٠م مربع وضمن وسطين مختلفين أحدهما تربة عادية و الآخر وسط بديل من الخفان الأسود والبارليت.

وبالنتائج النهائية للتجربة تفوقت الهُجن المزروعة بنظام الزراعة المائية بمؤشراتها النوعية والكمية على الزراعة بتربة، ليصل متوسط إنتاج النبات الواحد من الهجين باستونا المزروع من دون تربة إلى ١٠كيلو غرامات مقابل ٦ كيلو غرامات للهجين المطعّم من ذات النوع والمزروع في التربة. وكذلك الأمر بالنسبة للهجين دومينا فقد كان متوسط إنتاجية النبات الواحد غير المطعم و المزروع مائياً نحو ١٦ كيلوغراماً مقابل ٧ كيلوغرامات للهجين المطعم المزروع بتربة ومن الجدير بالذكر هو عدم الحاجة لاستخدام هُجن مطعمة في الزراعة المائية على عكسها في الزراعة بالتربة.

وبحسب سليمان فالتجربة نفذت لعروة واحدة أي الموسم الطويل والمزارع يزرع موسمين في العام الواحد و كان الربح الصافي للهجين باستونا مليون ليرة للنبات المزروع بالتربة مقابل ٣ملايين و٦٠٠ ألف للنبات المزروع مائياً. كما أن عمليات الخدمة والإزهار كانت تتم بشكل أبكر بنحو أسبوعين في الزراعة المائية مقارنة بالزراعة في التربة وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة للمزارع لكونه يساعد على الإبكار في إنتاج الموسم وبالتالي الحصول على سعر أفضل.

ويتكون المشروع من الهيكل وهو أحواض للزراعة المائية ضمن البيت البلاستيكي مكونة من قساطل بيتونية يتم قصها بشكل طولي وتتركب بشكل مجرى عرضي يجمعها معاً حيث يوضع فيها الوسط الزراعي وشبكات ري بالتنقيط وخزان للمحلول المغذي وبعد أن يصل المحلول ويتم ترطيب النبات يعود المحلول المتبقي للخزان ليمتلئ من جديد وبالتالي فإنّ الأمر أكثر توفيراً للمياه لكونه لا توجد تربة تمتصها…تشرين

لمى سليمان

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]