إعادةُ إنعاش مصادر دخل الريفيين.. مَهمّةٌ سهلةٌ في زمنٍ صعب…وهذه الإثباتات..

 

 خاص – الخبير السوري:

 

لعقود سابقة كان الكثير من المواطنين في كثير من القرى يملكون عقارات ذات مساحات كبيرة /مساحة العقار هكتار وما فوق/، ما كان يمكِّنهم من الاستثمار الزراعي بسهولة لهذه الحقول في جميع المناطق، وفي جميع مراحل الاستثمار منذ بدء الإعداد للزراعة حتى جني الموسم، وكان يساعدهم على ذلك ما كان قائماً بينهم من اتفاق طوعي ملزم وملتزم به على تحديد الجهة من القرية التي ستكون للزراعات الموسمية الصيفية أو الشتوية كل عام، وأيضاً الجهة التي يجب أن تبقى مراعي عُشْبِية أو حراجية، وما زالت هذه الحالات قائمة جزئياً في العديد من المناطق، ولكن تقاسم العقارات الزراعية بين ورثة الحائزين، وتوسع الشبكة الطرقية وانتشار البناء السكني على امتداد هذه الطرق وفي الأراضي الزراعية، كل ذلك أدى إلى إضعاف مساحات الكثير من العقارات الزراعية، ما أضعف من إمكانية استثمارها، عدا ما رافق ذلك من تعدِّي البعض على العقارات العامة التي كانت تُخدِّم الأعمال الزراعية كالبيادر الجماعية التي كانت تُجمَع عليها المحاصيل، حيث انتفى وجود هذه البيادر في كثير من القرى، والحالة نفسها حدثت بالنسبة لكثير من واحات المياه الصغيرة أو عيون الماء التي كانت تشكل مورد سقي عاماً لمواشي القرية، مع ما لحق الأنهار من تلوث بمياه الصرف الصحي، فضلاً عن الاعتداءات التي طالت الكثير من المراعي العامة والمناطق الحراجية، التي كانت مصدر غذاء مجانياً يومياً للحيوانات الزراعية في جميع القرى، وانشغال الكثير من الحائزين في الأعمال غير الزراعية، وإقامة بعضهم بعيداً عن عقاراتهم داخل المحافظة أو خارجها، ما أضعف رغبتم وقدرتهم على العمل الزراعي، وافتقاد مقومات التوافق مع آخرين لاستثمار عقاراتهم.

 

حاجة

كل ذلك تسبب في إضعاف الاستثمار الكمَّيّ والنوعيّ لكثير من العقارات الزراعية في العديد من المناطق ضمن جميع المحافظات، وترتب على ذلك ارتفاع أسعار العديد من السلع الزراعية المحلية بين حين وآخر، ما تسبب في تضرر الكثير من المستهلكين، وكثيراً ما نجم عن ذلك انشغال التوجه الرسمي والشعبي باتجاه العمل والمطالبة بمنع تصدير أكثر من مادة زراعية حيناً أو العمل والمطالبة باستيراد أكثر من مادة زراعية حيناً آخر، وكثيراً ما كان التصدير والاستيراد في غير محله، ما كان يوجب أن يتم التوجه الرسمي والشعبي باتجاه العمل والمطالبة بتوفير متطلبات تحقيق المزيد من الاستثمار والإنتاج للمادة المطلوب تصديرها بغية تحقيق المزيد من التصدير لما في ذلك من مكاسب من الدخول بالعملة الصعبة، والحال نفسه بالنسبة للمادة المطلوب استيرادها بغية التخفيف من الاستيراد لما في ذلك من مكاسب بسبب تخفيف خروج العملة الصعبة، لكن الذي حدث في بعض الأحيان كان نقيض ذلك، فكثيراً ما تعرض العديد من المنتجين الزراعيين للمنغصات أكان ذلك فيما يتعلق بصعوبة تأمين بعض مستلزماتهم في التوقيت والسعر المناسبين أم بصعوبة تسويق إنتاجهم /وخاصة إلى الخارج/ بتوقيت وبأسعار تؤمن الريعية المشجعة التي تغطي الأتعاب وتؤمن متطلبات ومحفزات استمرارية تدفعهم للمزيد من العمل والإنتاج.

 

استثمارٌ مُجتزأ

واقع الحال على الطبيعة يظهر أن الكثير من العقارات الزراعية في العديد من المناطق غير مستثمر بالشكل الأمثل لا موسمياً ولا سنوياً، وخاصة في حال كونها ذات مساحات صغيرة ما يتطلب ضرورة قيام الجهات المعنية باعتماد صيغة جديدة، يتحقق من خلالها استثمار كامل العقارات الزراعية في جميع المناطق، عبر قيام وزارة الزراعة بالعمل لإلزام والتزام جميع الحائزين باستثمار عقاراتهم ذاتياً أو الاتفاق مع آخرين لاستثمارها، وذلك من خلال التعاون بين وحداتها الإرشادية المنتشرة في جميع المناطق، والجمعيات الفلاحية، وأجهزة الإدارة المحلية لتوفير متطلبات الخدمات الزراعية الجماعية لمستثمري العقارات في التوقيت المناسب بدءاً من تهيئة الأرض للاستثمار، فالحرث فالتسميد فمكافحة الأمراض فالجني فالتسويق، إذ لا يمكن لكثير من أصحاب الحيازات ذات العقارات الصغيرة المساحة أن يؤمنوا الخدمة الزراعية الفردية لعقاراتهم، نظراً لافتقاد الجدوى الاقتصادية من ذلك، ما يرتب ضرورة التزام وزارة الزراعة بتأمين التخديم الجماعي للمستثمرين /مالكين أو مستأجرين/، عبر تشريع واعتماد صيغة للاستثمار الجماعي، وتسهيل وتشجيع ذلك، أكان من خلال الاتفاق الرضائي بين مجموعة من الحائزين أو الاتفاق العقدي بينهم أو مع مستثمرين لعقاراتهم لموسم أو لأكثر، أو عبر التشريع لوجود شركات زراعية في كل منطقة تعمل لاستثمار العقارات بموجب عقود من مالكيها تمتد من سنة إلى خمس سنوات بما يحقق مصلحة المالك والمستثمر، فالخدمة الجماعية للملكيات الزراعية الصغيرة والمتناثرة مدخل أساس للاستفادة المثلى منها، والجدوى من ذلك ممكنة وقائمة، لأن هذا الطرح مشرَّع ومطبَّق /سابقاً وما زال قائماً/ بشكل رضائي ودون عقود في بعض القرى الريفية وخاصة فيما يخص التربية الحيوانية، ففي كثير من القرى كان وما زال يتم اعتماد الرعي الجماعي للحيوانات الزراعية للقرية حيث يقوم أهل القرية باعتماد راعٍ جماعي /أو أكثر/ بأجر، ليمر صباح كل يوم في الطرق داخل القرية ويسُوقَ الحيوانات التي تعود لكل أسرة، لتشكل جميعها قطيعاً كبيراً يتجه به إلى الحيازات الزراعية المخصصة للرعي، وبكل عناية واهتمام منه وكأنها ملكٌ له، وفي كثير من القرى التي يوجد فيها أماكن عامة لسقاية المواشي يقوم الراعي بتمريرالقطيع على هذه الأماكن لسقايتها مرة أو مرتين في اليوم، وعند العودة مساءً يمر داخل القرية في الطرق نفسها التي مر بها صباحاً ليقوم كل حائز زراعي بإدخال حيواناته إلى حظيرتها، فالرعي الجماعي حقق الفائدة المثلى وبأقل تكلفة، وبالتالي يمكن بالطريقة نفسها تشريع واعتماد حالات تضمن تأمين الخدمات الزراعية الجماعية /من حرث وتسميد ومكافحة وجني/ لمحتاجيها وطالبيها من أصحاب الحيازات الصغيرة، فالملكية الفردية الصغيرة تشكل عائقاً لتحقق الاستثمار الأمثل، نظراً لتكلفة وصعوبة التخديم الفردي.

 

عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]