نتائج صمود ومقدمات انتصار

 

 

 

 

بقلم: ناظم عيد

لم تفقد البوصلة السورية توازنها، رغم الرياح العاتية والمصطنعة الموجهة من بوابات غرف تحكم هادفة إلى خلط الأوراق وتشتيت المسارات، ونسف البنية المعنوية لنا كسوريين، عبر محاولة “شل الإصبع التي تضغط على زناد المواجهة” تماشياً مع نهج صهيوني درج خلال ستينيات وسبعينيات “المواجهة الماضية” مع العرب عموماً.

فثمة معززات معنوية أنتجتها الوقائع الراهنة، من شأنها ترجيح كفة التفاؤل بالمستقبل السوري القريب، يجيد قراءتها المحللون الاستراتيجيون، وقادة الرأي الفعال في الأوساط الشعبية، ولعلهم ليسوا بحاجة إلى أكثر من وقائع المشهد العام بأبعاده الميدانية والسياسية والاقتصادية، ليبددوا متروكات حملات الدعاية السوداء من المطارح التي تسللت إليها سموم الإحباط ولو كان تسللاً على نطاق ضيق.

فلا نعتقد أننا بحاجة إلى رؤية فوق عادية لنعاين اتساع رقعة المناطق المطهرة من الإرهاب خلال العام الحالي والذي سبقه، بخلاف مجمل سنوات الأزمة التي حاول – من حاول – خلالها إشعال كامل رقعة الجغرافيا السورية، أو لنتأكد من انحسار نشاط قطعان الإرهاب في مناطق محددة لم تكن خالية منهم على مر يوميات الحرب على سورية، وقد شاهد العالم أجمع وأدرك بالقرائن الميدانية أن الجيش العربي السوري لم يخطط لتنظيف منطقة إلا ونجح.

وعلى مستوى الأفق الأبعد من الحدود السورية، تفضي القراءات الحيادية والمتأنية، إلى مرتكزات تفاؤل تبلورت ولم تعد تقبل الشك، قوامها ملامح انهيارات واضحة في بنية الاصطفاف المتكالبة على سورية، من السقوط المدوي ل”عصابة العدالة والتنمية” في تركيا، وبوادر التحول في العلاقة مع بلدٍ طالما كان معبراً رحباً لتدفقات الإرهابيين و” جوّابيّ الآفاق” نحونا، إلى الانعطافات الحادة في المزاج العام الفرنسي والسخط على حقبة هولا ند الذي أهرق ماء وجه الفرنسيين وأوقع فرنسا في مستنقعات لم يعد خروجها منها أمراً يسيراً، وصولاً إلى ارتدادات الإرهاب إلى بلدان المنشأ والإنتاج والتدجين، وما أفرزته المسألة السورية من وعي عالمي عام على حقائق الإرهاب وفضائح المتورطين بحضانته على مستوى الدول والأشخاص من منتحلي صفات “زعماء” خصوصاً في المضمار العربي.

ولعل أهم ما يجب الركون إليه في النظرة المتفائلة إلى المستقبل القريب، هو نضوج التحالفات الدولية على أساس أو بمناسبة “الملف السوري” إلى حد توازن مقومات الردع أو توازن الرعب، وهذا المعطى الأهم في قواميس الباحثين في حيثيات الولادة الجديدة للأقطاب والاتجاه نحو الثنائية أو التعددية، ما يعني أن الاستفراد بسورية بات مصطلحاً غير قابل للتداول في الأدبيات الخارجة للتو من “مطبخ” النظام العالمي بصيغته المعدلة حديثاً.

ولمحبي القرائن المادية الملموسة قد لا يتطلب أمر الطمأنة أكثر من لفت الانتباه إلى معطيات اقتصادية محلية يحفل بها مشهد المنشآت الصناعية العائدة إلى ميدان الإنتاج، وإعادة إقلاع المدن الصناعية، وانتقال الكثير من المصانع المتوقفة في المناطق المتوترة إلى أخرى مستقرة، واستئناف النشاط الزراعي بوتائر عالية، ومتوالية فعل اقتصادي بدأت تظهر نتائجه المباشرة في سياق مؤشرات وأرقام الصادرات السورية المتدفقة إلى العالم الخارجي، فأن يقوى بلد على التصدير في زمن الحرب، يعني أن على “هواة النعيب” الصمت فوراً.

على العموم ليس بإمكان عاقل أن يختزل الحكم على نتائج حرب مديدة الأجل بجولة قصيرة قد تخضع لاعتبارات منبثقة من واقع ضرورات المناورة، لكن هذا الاختزال شكّل قوام الحرب المعنوية، إعلامية الأدوات، نفسية الأهداف، شعبية المقاصد، التي يقع ضحيتها أحياناً خالصو الانتماء بفعل هواجسهم الوطنية، كما يسقط في براثنها المهزومون بوحي من خصلة الانكفاء التي تسكن أعماقهم، لكن القراءة في دفاتر العقلاء أصحاب الرؤية الاستراتيجية تؤكد أن ملامح النصر تكون مستترة أحياناً بأغلفة واهية وقشور لن تغير في حقائق المضامين مهما اشتد إوار الدعاية بألوانها الرمادية والسوداء وما بينهما.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]