هل نستعد لمواجهة جديدة بين المواطن السوري وتحالف أميركا والمهرّبين

ناظم عيد – الخبير السوري:

مازلنا الخاسرين في معادلة اختلال ميزان المصالح مع الجوار، بعيداً عن الجدل الدائر حول مركز نصيب الحدودي، والحصار الأميركي و محاولات إفراغ المعبر من فعاليته أو أية عائدات حقيقية على الاقتصاد السوري والسوريين، خصوصاً بما يحمله إلينا الخط الراجع.. وبعيداً عن عفويّة وعشوائيّة الطرح الشعبي لدى بدايات افتتاح المعبر، بخصوص ظهور سلبيّات مباشرة على الأرض مسّت السوق والمستهلك، فيما يخصّ تسرّب سلع على حساب حصّة المواطن السوري، تبقى سيرة المعبر مناسبة  لموضوعية الطرح وواقعيته، والإنصات إلى بعض الحقائق الهامة، إن أحبّ الأميركي أو كره، وحتى إن كره أصحاب الجنوح الذهني الإيجابي بيننا باتجاه جرعات التفاؤل الزائدة.

فلعلّنا لا نختلف حول ضرورة التوجّه نحو “الإدارة الرشيقة” للاقتصاد وبالتحديد الشق التجاري من العلاقة مع الخارج، لأن المشكلة لا تبدو في إدارة المعابر، فهذه جزئيّة بسيطة، بل ستكون من اليوم ولاحقاً في حزمة السياسات المتعلّقة بتجارتنا الخارجيّة عموماً، وصادف أن تكون المستجدات عند بوابة نصيب مناسبة لطرح أوسع وأشمل، وهو ما يجري تداوله في الأروقة الرسمية المختصة، ونعلم أن لدى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أجندتها الهادئة في هذا المجال، إلّا أن الأهم أن يكون قطاع الأعمال متماهٍ مع المزاج الرسمي، فالأولويات يجب أن تُصاغ في أروقة الوزارة من منطلق وطني عام، وليس وفق نزعات مصلحية ضيقة.

وربما لم يمض الكثير من الوقت لننسى أننا بالغنا في الاحتفاء بافتتاح معبر نصيب، و أشرعنا البوابات للمغادرين، سواء إلى الأردن أو إلى لبنان، لاصطحاب السلع المدعومة والمسعّرة إدارياً لمصلحة المواطن السوري، نحن الذين نعلي الصراخ بأن ربطة الخبز الواحدة مدعومة بحوالي 150 ليرة سورية.. وحتى إن لم نسمح فالتهريب يتكفّل دوماً بسحب نسغ الاقتصاد وترحيله إلى الخارج..بالنسبة للخبز وقبله المحروقات وقبله أغنام العواس السوري كميزة من أهم الميزات المطلقة على مستوى الاقتصاد السوري.

ربما يكون ما سبق عبارة عن خلل يمكن ضبطه بقرار يُتخذ رسمياً وينفذه القائمون على المعابر، إلّا أن ما يبدو بحاجة إلى إستراتيجية جديدة متكاملة، هو تطبيقات السياسة التصديرية بعمومها وتفاصيلها، فمكنة التصدير السورية شهدت متوالية انتعاش يستحق القائمون عليها الثناء فعلاً، لكنها يجب أن تخضع لقرارات السلطة التنفيذية وليس العكس، أي ثمة مواسم للتصدير وأدبيات تقليدية أيضاً يجب ألّا نتجاهلها، عنوانها “مصلحة السوق الداخلية والمستهلك المحلّي”، وهذا يعني أننا بحاجة إلى قرارات منع وسماح مرحلية تُبنى على قراءات ووقائع سوق المستهلك، ولا نظن أن أحداً يناهض حقوق المصدّرين في حصاد المنفعة، فالمصدّر دوره أن يصدّر، ويقوم بتأدية أهم حلقة تكميلية متممة لمجمل الفعل الاقتصادي الإنتاجي للبلاد،  لكن ثمة جهات معنيّة من واجبها الحرص على تفادي أي خلل في توازن المعروض السلعي وأسعاره في السوق الداخلية.

البعد الآخر الأعمق والأخطر للمشهد، يبدو قاتماً هناك على مسارات التصدير تهريباً، حيث لا السياسات ولا الروزنامات التصديرية تنفع في وقف نزيف الموارد أبداً، ولا حلّ إلا بالطريقة البوليسية، ونظن أنه ليس من العسير على من يرغب بالرصد الدقيق للظاهرة، أن يحصل على أرقام دقيقة عن قيم تدفقات التهريب من سورية إلى لبنان وكذلك الأردن، فهي بالتأكيد أرقام مذهلة، ولا بدّ أن يُسأل أحدُ ما عنها، مساءلة جزائيّة، وليست ودّية بتاتاً؟؟.

أما البعد الثالث الكئيب فهو، أننا نحن وليس مثلنا الكثيرون في هذا العالم من يصرّ على الاحتفاء بتصدير منتجاته الزراعية خاماً، وفي الوقت ذاته نندب حظوظنا لتواضع حجم التصنيع الزراعي في بلدنا، رغم أن هذا النوع من الاستثمار معروف في لغة قطاع الأعمال ذاته بأنه “تحويل التراب إلى نقود”؟!.

لعلّها أخطاء قديمة مزمنة و ليست وليدة اللحظة أو الأزمة والظرف الراهن، بل هي ” وصمة” في تعاطينا مع تجارتنا الخارجية، لذا لا بد من استدراك متكامل على المستوى العام حكومة وقطاع أعمال.. فالقيم المضافة المجمّدة والمحيّدة هي مسؤولية حكومات وسياسات مزمنة عمرها عقود من التراخي وقلّة الاكتراث!.

ونصرّ على رأينا لعلمنا بأننا في سورية لن نصدّر السيارات يوماً، ولا أجهزة الكمبيوتر ولا الكهربائيات.. نحن بلد زراعي وصادراتنا كذلك، لكن أن نبقيها خاماً، فهذا إصرار على تحويل بلدنا إلى ساحة لغيرنا ممن ينتظرون هناك وراء الحدود، وليس فقط وراء المعابر، فإن حاصرنا الأميركي من المهم ألّا يحاصرنا المهرّبون و أصحاب النزعات المصلحية الضيقة في أوساط “تجار الخام” و هواة صيد الصفقات الناقصة.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]