الرشد الاستثمار “بفلوس” بل غالي الثمن.. خطوة متأخّرة فهل نستطيع تعويض ما فاتنا منها ..!

الخبير السوري:

على الرغم من القلق .. والدهشة .. وأكثر من ذلك أحياناً الذي أبداه بعض المتابعين لجديد الاتفاق الروسي السوري الأخير بشأن استثمار مرفأ طرطوس، فإن هذه الخطوة يمكننا القول بأنها ( متأخّرة ) وكان من الأفضل لو أنها حصلت منذ سنوات، لأنّ مثل هذا الاستثمار هو الطريقة الأجدى لتفعيل مرفأ استراتيجي كمرفأ طرطوس.

والشيء الذي أوضحه بالأمس وزير النقل علي حمود، يعطينا مؤشراً كبيراً وواضحاً لأهمية هذه الخطوة الاستثمارية مع الجانب الروسي، حيث أشار الوزير إلى أن مرفأ طرطوس قديم بأرصفة أعماقها تتراوح بين 4 و13 متراً ولا يستوعب أكثر من 30 لـ35 ألف طن كوزن سفينة واحدة وبالتالي كان لابد من السعي لتأمين أرصفة جديدة بأعماق كبيرة تستوعب حمولات سفن تصل إلى 100 ألف طن وهذا يتطلب مبالغ كبيرة، وقد تم اللجوء إلى شركة روسية لتوسيع مرفأ طرطوس وضخ أكثر من 500 مليون دولار في هذه العملية لافتاً إلى الاتفاق معها على ألا يتم الاستغناء عن أي عامل من العاملين في المرفأ، وسيكون لدينا بذلك مرفأ جديد باستيعاب كبير يبدأ من حجوم أعمال 4 ملايين طن سنوياً تنتج أو تمر عبر مرفأ طرطوس ويصل إلى 38 مليون طن سنوياً وبذات الوقت سنصل إلى 2 مليون حاوية سنوياً مقارنة بـ15 إلى 20 ألف حاوية حالياً وكل ذلك سيؤدي إلى وصول البضائع إلى سورية وعبرها إلى الدول المجاورة وبالتالي إيرادات كبيرة للاقتصاد الوطني .

وعلى الرغم من هذا التصريح المقتضب لوزير النقل فهو كافٍ لندرك أهمية تفعيل هذا المرفأ عبر الإقدام على استثمار مجدي كهذا النوع، لاسيما أنه يجري مع دولةٍ أكثر من صديقة، ومع شركة اعتادت على العمل في سورية، وخبرته جيداً ( شركة ستروي ترانس غاز الروسية ) التي ستتولى على نفقتها توسيع المرفأ وتجهيزه بأحدث التكنولوجيا والمعدات ليكون جاهزا لاستقبال كافة أنواع السفن من كل الأحجام وبأعداد كبيرة بما يؤهله ليس فقط لاستقبال وتصدير احتياجات سورية بل لكل احتياجات دول الجوار.

هذا النوع من العقود دأبت معظم دول العالم في الاعتماد عليه وهو أهم نموذج لتحقيق التنمية وتأهيل البنى التحتية دون تحميل موازنات الدول أي أعباء، وهو من الأعمال السائدة في العالم إلى حد كبير، ولا يقتصر هذا النوع من الاستثمار على الدول الآخذة في النمو فقط، وإنما يجري في الدول النامية، والمتقدمة على السواء، فالمسألة لا تقتصر على أننا غير قادرين على التمويل فقط، وإنما هي فرصة حقيقية لاستثمارات ذهبية تنعكس على البلدين معاً، ويمكننا أن نطمئن إلى أبعد حدود الاطمئنان تجاه حسن النوايا الروسية في مثل هذا الاستثمار، مثلما أبدى بعض روّاد العالم الافتراضي من السوريين، ولكن في الواقع لا داعي لبثّ مثل هذه الطمأنة لولا ذلك التشكيك من البعض، لسبب بسيطٍ جداً هو أنّ روسيا نفسها تعاقدت مع بعض الشركات الأجنبية لاستثمار بعض الموانئ الروسية، فهي اليوم تساوينا بنفسها في هذا الاستثمار الناضج.

فكلنا يسمع بميناء جبل علي في دبي، ونبدي إعجابنا الشديد به وبقدراته الهائلة على ممارسة العمل البحري والتجاري على أوسع نطاق .. هذا الميناء تديره شركة إماراتية معروفة اسمها ( مجموعة موانئ دبي العالمية ) هذه المجموعة أعلنت في عام 2016 عن تأسيس شركة جديدة مع الصندوق الروسي للاستثمار المباشر تستهدف الاستثمار في مشاريع البنى التحتية في قطاع الموانئ والنقل واللوجستيات في روسيا، وتحدد الاتفاقية الشروط والبنود الرئيسية لتأسيس مشروع مشترك يحمل اسم “موانئ دبي العالمية – روسيا” تعود نسبة 80 بالمئة من ملكيته إلى موانئ دبي العالمية و20 بالمئة لصندوق الاستثمار المباشر الروسي.

وتدرس هذه الشركة الجديدة استثمار 2 مليار دولار في البنية التحتية لموانئ جديدة وفي مراكز لوجستية في مناطق مختلفة من روسيا، إضافة إلى مشاريع لتطوير الموانئ الحالية، في حين سيطبق المشروع أفضل الممارسات العالمية في نشاطاته بهدف تحسين الربط التجاري بما يعود بالفائدة على الاقتصاد والمجتمع الروسي.

وترى مجموعة دبي العالمية بأنّ المشروع المشترك سوف يعتمد نموذج الشركات الاستراتيجية مع أصحاب المصلحة الحكوميين، والذي أثبت نجاحه على مر السنوات، حيث تم تطبيقه على امتداد محفظة أعمالنا، التي تضم أكثر من 65 محطة بحرية في 31 بلدا.

إذن تخيّلوا كم نحن تأخّرنا في هذه الخطوة .. 65 محطة في 31 بلداً منذ ثلاث سنوات تديرها هذه المجموعة، والتي هي تتنافس بالأصل مع مجموعات وشركات عملاقة أخرى في الفوز باستثمارات الموانئ، فليس لنا أن نطمئن فقط .. بل أن نأمل باستطاعتنا على تعويض ما فاتنا .

سيريا ستيبس – علي محمود جديد

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]