تعليمات شفويّة تتسبب بـ”تجويع” موظفين..

الخبير السوري:

يتساءل موظفون: إذا كان الجهاز المركزي يدقق على أخطاء الجهات العامة، فمن يصلح أخطاء الجهاز المركزي؟

تقول المادة (89) من القانون الأساسي للعاملين في الدولة بالحرف: إذا أعيد العامل المكفوف اليد الى وظيفته فإنه يتقاضى اعتباراً من تاريخ وقف أجره كامل أجوره الموقوفة في حال براءته أو عدم مسؤوليته أو منع محاكمته، أمر واضح ينص عليه القانون، لكن إجراءات الجهاز المركزي للرقابة المالية تستدعي الريب ولاسيما أنه لا يؤشر على طلب الإعادة إلى العمل في بعض الحالات إلا بعد حرمان الموظف من الترفيع والرواتب السابقة وهذا مخالف لمادة القانون مع اعتراف أصحاب القرار في الجهاز بوجود خطأ لكنه نهج يسيرون عليه.

والمثير في القضية أنه في حال رفع الموظف دعوى قضائية بإعادة حقوقه فإنه يحصل على كامل مستحقاته وهنا السؤال: إذا كانت المحكمة تحكم للموظف بإعادة حقوقه كاملة فلم يحرمه الجهاز المركزي للرقابة المالية منها؟!؟ وما مصلحة الجهاز المركزي من تلك المخالفة؟

تعليمات شفوية

أكثر من حالة لموظفين أوقفوا لأسباب مختلفة تبين بعدها تبرئتهم، فصدرت بحقهم قرارات تبرئة أو ترك، لكنهم بعد إعادتهم إلى العمل تفاجؤوا بحرمانهم من كامل حقوقهم فترة توقيفهم، رغم نص قانون العاملين الأساسي للدولة الواضح على تقاضيه حقوقهم، فما يحدث أنه أثناء إعداد الموظف الراغب بالعودة الى عمله الأوراق المطلوبة يقوم الجهاز المركزي للرقابة المالية بتوجيه جميع الجهات العامة شفوياً بإدراج مادتين ضمن القرار تنصان على عدم اعتبار مدة التوقيف وحتى العودة إلى العمل خدمة فعلية وتالياً حرمانه من الترفيع وتقاضي الأجور وفي حال لم تلتزم الجهة بإدراج هذين البندين يرفض الطلب ويعاد إلى الجهة من دون تأشير.

أحد الموظفين الذين صدر بحقهم قرار ترك راجع الجهاز المركزي لمعرفة سبب إدراج تلك المواد وحرمانه من أجوره، فكانت إجابة المفتش الأول الذي يوقع على التأشيرة الأولى أنه لا يوجد أي قانون أو مرسوم يقضي بذلك وتلك الإجراءات مجرد نهج انتهجه الجهاز المركزي وسار عليه، بدون توضيح معنى كلمة نهج في قاموسه، بينما تنصل المفتش الذي يوقع على التأشيرة الثانية من تلك الإجراءات قائلاً: ليست لنا علاقة بالبنود التي يتم إدراجها من قريب أو من بعيد فمهمتنا تنحصر في التدقيق على الترفيعات والعلاوات من الناحية المادية إن كان فيها أخطاء حسابية مالية أم لا فقط، في حين اعترف المفتش الذي يؤشر على التأشيرة الأخيرة بوجود خطأ مرتكب عبر إدراج هذين البندين قائلاً للموظف: لسنا أول جهة ترتكب خطأ، معك حق لكننا لانريد معالجة حالتك لوحدها فهنالك حالات عديدة لا تحصى مشابهة لحالتك بحاجة الى المعالجة أيضاً وقد تمت مراسلة مجلس الدولة لأخذ الرأي على اعتبار أن حالة الترك هي كالبراءة تماماً.

لا يوجد عذر قانوني

المفاجأة كانت عدم وجود أي عذر قانوني والقضية وما فيها تعليمات شفوية لم يستطع تبريرها أحد من المعنيين، مسؤول إداري في إحدى الجهات العامة التي نفذت تلك التعليمات أكدت أن تلك الإجراءات لا تتم إلا في حالة الموظف الذي صدر قرار ترك بحقه، لعدم وجود بند واضح يشرح معنى الترك في القانون الأساسي للعاملين أو يفند كيفية التعامل مع الموظف مكفوف اليد الراغب للعودة إلى عمله في تلك الحالة، لذا يجتهد الجهاز المركزي للرقابة المالية ويطلب من الجهات العامة كتابة تلك البنود التي تقتضي حرمانه من جميع أجوره وترفيعاته في تلك المدة ويمتنع عن التأشير في حال لم يتم إرفاق تلك البنود، وحجته عدم وجود مادة واضحة في القانون رغم وجود لجنة مشكلة بوزارة العمل يرأسها وزير العمل مسؤوليتها الإفتاء في أي مسألة خلافية في القانون الأساسي للعاملين -أي تفسير بنود القانون- وتابعت: أرسلنا أكثر من كتاب لتلك اللجنة بأن تصدر رأيها بتلك الحالة لكنها لم تصدر أي شيء إلى حد اللحظة.

وكيل الجهاز المركزي للرقابة المالية أحمد ملحان اعترف بوجود حالة من الالتباس في تفسير حالة الموظف الذي صدر قرار ترك بحقه فيما إذا كان لازماً إعطاؤه حقوقه أم لا، لاسيما بعد إصدار تعميم من قبل وزير العدل بمعاملة حالة الترك منزلة البراءة لكن هذا التعميم يبقى رأياً وليس قانوناً، وأضاف: لمعرفة كيف نتصرف قمنا كلجنة قرار بإرسال كتاب إلى الجمعية العمومية لمجلس الدولة باعتبارها الأقدر على إعطاء فتوى كاملة في الموضوع لما لها من ترتيبات مالية وإلى اليوم لم يصلنا رد، لذا بقي الجهاز يتعامل مع حالة الترك بتلك الطريقة.

وعن عدم مخاطبة لجنة القرار (1) في وزارة العمل المعنية بحل الخلافات للوصول إلى حل لتلك الحالة قال ملحان: مهمة اللجنة تفسير أحكام قانون العاملين وليس تفسير الأحكام المتعلقة بالسلطة القضائية على اعتبار أن المحاكم تعود صلاحية تحديث مهامها إلى السلطة القضائية، وأن مجلس الدولة هو الجهة القانونية المعنية بفصل المنازعات بين الجهات العامة والخاصة فيما يتعلق بالرواتب بهيئته القضائية والاستشارية، مشيراً إلى أن الجهاز المالي تقتصر مهمته على مراقبة مشروعية القرارات ومدى توافقها مع القوانين والأنظمة النافذة فقط ولا يستطيع أن يصدر أحكاماً على مسؤوليته الخاصة.

مجرد نهج

في حين سوغ أحد المفتشين تلك الإجراءات بأنها نهج أصدره المجلس الأعلى للرقابة المالية، وأن الجهاز المركزي يلتزم بهذا النهج، مشيراً إلى وجود تعليمات واردة بهذا الخصوص في قانون العاملين وقانون الجهاز المركزي متابعاً: لا يحق للموظف أن يحصل على حقوقه خلال تلك المدة التي قضاها في التوقيف إلا بعد رفع دعوى قضائية!.

وأكد المفتش أنه منذ مدة تم البحث في موضوع كف اليد على أن يتم الخروج بتوصيات موقعة من مجلس الوزراء وتعميمها للعمل بها في الجهاز لكنه لم يصدر أي شيء جديد بهذا الموضوع لذا بقينا ملتزمين بذلك النهج.

ولمعرفة أبعاد هذا الموضوع من الناحية القانونية «تشرين» سألت المحامي أسعد نعامة الذي أكد أن القرار الإداري بغض النظر عن الجهة التي تصدره لا يلغي النص القانوني، الذي يعد واضحاً بتلك الحالة ويتيح للعامل مكفوف اليد العائد إلى عمله جميع رواتبه لذا يترتب على الادارة أن تعطيه كل تعويضاته، فحالة الترك تعني عدم وجود أدلة كافية لإدانته أي عدم مسؤوليته المذكورة بنص صريح في القانون، مشيراً الى أنه في حال امتنعت الجهة عن إعطائه حقوقه فإنه يحق للموظف أن يرفع دعوى قضائية للمطالبة بحقه وسيحصل عليها جميعاً بالتأكيد.

 

المصدر: تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]