بين فسادين..؟!!

 

أغلب الشاكين من الخلل والفساد يصبّون جام غضبهم على الإدارات العامة في الدولة، ويعتبرون أن خللها وفسادها، يشكلان الخطر الأساسي الذي يتهدّدهم وطنياً واجتماعياً، باعتبار أن هذه الإدارات مجتمعة تشكّل مجموع السلطات الرسمية المعنية في الشأن العام الوطني والمواطني، وهي التي عليها الكشف عن مواقع الخلل ووقائع الفساد في إداراتها الفرعية والمركزية وتشخيصها، وإعداد الإجراءات المطلوبة للخلاص مما هو مشكو منه.

من المؤكد أن وجهة النظر هذه يغلب عليها جانب كبير من الأحقية، ولكن واقع الحال يظهر أن في قطرنا عشرات المنظمات القائمة منذ عشرات السنين على تنوعها وتعدّدها واختلاف تسمياتها ومهامها، ومناطق انتشار الكثير منها في كل قرية وحيّ ومنشأة، ولأغلبها قيادات مناطقية موجودة في مركز كل منطقة، وقيادات فرعية أعلى موجودة في مركز كل محافظة، وقيادات مركزية جامعة موجودة في مقر العاصمة، وأعداد العاملين في مكاتب بعض هذه المنظمات يماثل أو يفوق أعداد العاملين في العديد من الوزارات، ولجميع هذه المنظمات مداخيل مالية شهرية تردها تباعاً من اشتراكات أعضائها، ومن عوائد العقارات والمنشآت الخدمية والإنتاجية التي تعود لها، أكانت هذه المداخيل ناجمة عن استثمارات على قلتها أم عن إيجارات على كثرتها، ولجميع هذه المنظمات أرصدة مالية في مصرف وأكثر، تدرّ عليها بعض الريعية، نتيجة الإيداع أو الإقراض، حتى إن بعض هذه المنظمات تقرض قسماً من هذه الأموال لأعضائها لقاء فائدة تكاد تقارب الفوائد المصرفية، علماً أنها من أموالهم.

على الأغلب أن لجميع هذه المنظمات حرية القرار الذي تراه بشأن أمورها المالية والإدارية، ولها ثقلها الإداري الكبير، من خلال علاقتها مع أغلب إدارات الدولة وأغلب المواطنين، ومن الإنصاف الإقرار بأن القصور والخلل والفساد الذي ينتاب هذه المنظمات مجتمعة ومنفردة هو أمر قائم، ولا يقل خطراً –في كميته ونوعه- عن الخطر الناجم عن خلل وقصور وفساد الإدارات العامة، ولما كان الخطران متداخلين معاً، يجعل من الخطأ الفادح الحديث عن مكافحة قصور وخلل الإدارات العامة ما لم يكن بالتوازي مع مكافحة مثيله في المنظمات، خاصة وأن جميع العاملين في الإدارات العامة منتسبون لهذه المنظمات، لا بل إن بعض القيادات الإدارية خرجت من رحم هذه المنظمات، والمؤسف أن كثيراً من فاسدي الإدارات العامة يحتمون بمنظماتهم، ويجدون من يغطي عليهم، بدليل أنه ما من يوم سمعت بأن المنظمة الفلانية عاقبت أو فصلت العامل الفلاني (على اختلاف مرتبته الوظيفية)، نظراً لما ثبت عنده أو عليه من خلل وقصور وفساد، رغم وجود آلاف العاملين المدانين بنسب متفاوتة!!.

خلل وقصور وفساد المنظمات مشكو منه أولاً من كثير من المنتسبين لها، وكثيراً ما يظهر بعض ذلك علناً عبر المؤتمرات التي تعقدها هذه المنظمات، عدا بعض ما تكنّه القلوب ولا تتلفظ به الألسن لسبب أو لآخر، وأيضاً مشكو منه من كثير من المواطنين الذين لا يتفهمون أحقية بعض الرسوم التي تفرضها عليهم بعض هذه المنظمات، وهم ليسوا من أعضائها، وأيضاً مشكو منه من بعض الإدارات التي ترى أنه ليس من حق المنظمات أن تحمّلها مسؤولية ما لا يقع على عاتقها، وعلى المنظمة أن تكون هي المعنية بذلك، وفي حال وجود منظمة ما تدّعي عدم وجود قصور وخلل وفساد لديها، فهي تضع نفسها في أول القائمة!.

فعلى قيادات المنظمات مجتمعة ومنفردة، ألا تتحدث عن فساد الإدارات وتنسى فسادها، بل عليها أن تبحث عنه وتكتشفه وتعلنه، وأن تكون السبّاقة في مكافحة القصور والخلل والفساد المشكو منه على الساحة الوطنية، بدءاً بما هو قائم من ذلك في ساحتها أولاً، فصلاح وإصلاح المنظمات –بما في ذلك المنظمات السياسية- والنقابات والاتحادات –وأيضاً منظمات المجتمع الأهلي- يشكّل المدخل الأساسي لصلاح وإصلاح الإدارات العامة.

 

عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]