الوصفات القاتلة..؟!!

 

كان الترويج الأكبر للعولمة يحمل لافتات رفاهية و سعادة و تنمية للإنسانية جمعاء في استلاب حقيقي للعقول التي جهلت و التي ورطت في الوصول لصيغتها متناسين هؤلاء لعبة الأمم و التاريخ و المستقبل الذي يكتبه المنتصر في ظل الوصول لتفريغ منظم للعقول و سيطرة على الصورة والأذن و القلم , عبر العصور كان الاقتصاد هو الغاية و المحرك للغزوات و للحروب بمعزل عن ماهية مكونات الاقتصاد حسب الزمن الذي قامت به الغزوة أو الحرب وكان في كل وقت هناك منتصر يفرض رؤيته و سلوكياته و يعود الفرقاء لإعادة البناء لمراحل لاحقة و هكذا حتى وصلنا للانتقال من صيغة الدول الفرادة  لصيغة القيادة الجماعية للعالم وإن كانت ستارة لاختباء طرف واحد أو دولة واحدة أرادت من خلالها امتطاء الجميع للوصول لقيادة منفردة تصبغ العالم برؤيتها أو لونها أو ما  هو أكثر من ذلك جعل العالم يدخل في صراع دائم و فوضى عارمة تهدم كل شيء لصعوبة العودة و الارتقاء وصولاً للسيطرة المطلقة سابقاً كان النهب و السلب قد يقتصر على المواد الأولية و تسخير اليد العاملة أما الآن فإن المشروع هدف لتدمير شامل لما نجم عن نمو وتنمية مستمرين و مستثمرين الموارد عبر عقول و كفاءات بذل الكثير للوصول لها بالإضافة لتفريغ البلدان من العقول و الكفاءات و المهارات بحيث يصعب أي تفكير بإعادة الإعمار و البناء و يصبح الماضي حلم لأغلب البلدان المستهدفة و الوصول لهذه الفوضات و الحروب لم يأت من الفراغ وإنما كان مومأسس ولكن بتوصيات عالمية و بركائز تابعة لها عبر أقنعة محلية منفذة لمشاريعها القاتلة بوتيرة هندسية فالرصاصة قد تقتل شخص و المدفع عشرات وحتى النووي يحصر قتلاه ولكن برامجهم غير محددة العدد المقتول فقد تقتل بلدان بأكملها أو أجيال متتابعة عبر متوالية حمراء لقلوب و عقول سوداء غايتها التفوق و الربح و السيطرة و الهيمنة العابرة للسنين وسط أسوء تفكير تدميري إقصائي ابتزازي استلابي عرف عبر العصور لشخصيات أصطفتها السنون لدولة بنيت وفق أسس بعيدة عن الإنسانية و عن التطور التاريخي الإنساني ، فمنفى اللصوص و المرتزقة و المنبوذين لا يمكن أن ينشأ عنه قديسين ، و السير بعبادة المال و الغرائز لا يولد انضباطية و نظام ولا ينشأ عن كل ذلك إلا الغرائز القاتلة للتفوق الهش ، الذي لا يستمر من دون تمزيق و تفتيت و قتل الآخرين وإرهابهم و تمزيق أي شكل من أشكال العمل الجماعي أو الالتحام الجماعي ، وسط نفاق إعلامي دعائي يتحجج بحقوق الإنسان و الديمقراطية و الحرية ، ومنها الوصفات القاتلة لما سمي الليبرالية المتبنية للحرية .

مع العلم أن متبني هذه الوصفات هم أهم معرقلي و مواجهي الحرية السياسية وحتى الاقتصادية الا بما يعطي ما يخدم مصالحهم ,أي ليبرالية في ظل ظروف من الفساد المنظم المتفشي ومن خلال برامجهم الممهدة لتمرير غاياتهم عملوا لمضاعفة الفساد و وتوسعه الأفقي و العامودي و عولمته عبر قيادات منظمة على مستوى العالم و ظهور أنواع جديدة هدفها قصف أي مناعة جماعية أو فردية و مسح الهويات الجامعة لتنمية الفردانية الغرائزية القاتلة و إبراز العقائد الاستهلاكية الماصة لأي تراكمات بنائية لاحقة و هنا تبرز خفايا المقاتلين المحليين عن الليبرالية.

هل يعلون الصوت بشكل ببغاوي أم حول ما يطمحوا له لأن ظروف الواقع وما سبقه لا يمكن لأي جو ليبرالي أن ينمو به وماحصل كان نمو وبروز مراكز قوى سوداء مركزة ومتمركزة لتمرير الوصفات القاتلة و التي لم تخجل منها الدولة الراعية لما سمي الأمركة بغطاء العولمة فوصفاتهم عبر المؤسسات المتأمركة تحت تسمية ظاهرة عالمية من بنك دولي و صندوق نقد دولي علنية باتجاه سحب يد الحكومات عن قيادة العمليات الاقتصادية و جعلها محصورة بأيد قليلة غير عميقة و إشكالية و كانت أغلب الأهداف نحو تفتيت البنى و تهشيمها وصولاً لضرب الهوية الجامعة ، عبر إبراز هويات قاتلة وفق عمل تاريخي على تنمية الانتماءات ما قبل الوطنية ، لاستثمارها في الوقت المناسب لهم ,وهكذا كان الهدف الأكبر لوصفاتهم القاتلة الفرز الطبقي شديد التمركز نحو فئة تملك أغلب الثروات و تتحكم بكل المفاصل الاقتصادية و تسخر لها القوانين و الأنظمة مقابل أغلبية فقيرة وتحت خط الفقر و بذلك تكون قد حطمت أغلب ثمار الجهود التنموية السابقة ، و التي أوصلت البلدان لمراحل جيدة من مختلف أنواع التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، و التي إن أعدت مرتكز لما لاحق سيكون هناك الكثير من الاستقلالية و الاستمرارية وهما أهم الأمور عدائية لمصالح ركائز المال العالمي المتمركز بالدولة الفاقدة للشرعية في قيادة العالم ، و لذلك مصالح التمركز المالي العالمي المختزل بالشركات متعددة الجنسيات هي الهدف و لا حصانة لأي دولة مقابلها وحتى لو كانت حليفة لما قبل هذه الأيام و سينالها جزء من شرور الوصفات القاتلة ، التي أهم عناوينها لا عدالة اجتماعية , لا تنمية مستقلة ,مستمرة , لا حكومات تمثيلية حرة , لا للإنسانية ولا حقوق الإنسان و الدول , و السيادة لأي دولة مشروطة بمصالح وصفاتهم وحتى الأمم المتحدة مسخرة للتدخل بشؤونهم عبر نفاق مبرمج للوصول لقرارات للتدخل بشؤونها .

إن الوصفات القاتلة كانت سبباً مباشراً لعولمة الفقر و الدعارة و النفاق و لتحطيم المنظومات القيمية و الأخلاقية عبر الغزو الثقافي مستثمراً التفوق التكنولوجي و التقني عبر الفضائيات و الانترنيت و عبر التدخل بأغلب السياسات الداخلية و تشتيت الهويات الوطنية لتشتيت القرار الوطني و الأمركة عبر تثقيل المردودات  الورقية الآيلة للسقوط مثلما افتعلت الأزمة المالية عام 2008 على الإنتاج الحقيقي المبني على طاقات انتاجية ذات مردود مالي و قيمي و تجميعي ، وكل ذلك أرسى الظروف لنشر المشروع الاستلابي  التدميري المهيمن عبر عقلية اللا حضارة و اللا إنسانية من تزاوج رأس مال مركز و صهيونية حاقدة ، و غرور غير واقعي منطلقاً لترسيخ كل من يخالفني عدو و كل السبل متاحة لتكريس قوة المال بعد تجاوز الرأسمالية و الامبريالية لما بعد الامبريالية التي بدأت تآكل نفسها ضمن صراعات رأسمالية احتكارية و اقتصادات وطنية بمواجهة المشروع الأوحد لأظلم وأقهر فكر سيطر عبر العصور , فكر متطرف عنصري متمركز السيطرة هادف لبث الفوضى بكل مكان لا هوية له سوى تركيز  الأرباح لقلة على حساب الأوطان و الإنسان .

إن الليبرالية التي تغنو بها لم تكن سوى مرحلة للوصول لما بعدها عبر دعه يعمل دعه يمر و السوق تنظم نفسها وصولاً لتفتيت الهويات و الأوطان للسير وفق منظور عولمة رأس المال المتمركز القوي وفق متوالية نهب و سلب لم تقتصر على المواد و على الأموال وإنما سلب الإرادة للكيانات عبر سلب الإنسان وكلها وفق ركائز سوداوية قذرة لمواجهة سيطرة الحكومات و تدمير من يعارضها وما حصل بيوغسلافيا ومن بعده العراق لم يكن بعيداً عن اقتلاع الفكر الاقتصادي الهادف للعدالة الاجتماعية و ما حصل بسورية من همجية و تآمر بعد تمرير الوصفات القاتلة و الخروج عن سياسات اقتصاد السوق الاجتماعي إلا تهيئة لتضليل و قتل شعب و موارد و سلب وقتل عقول و كفاءات ليكون درساً لمن يفكر بالمواجهة ، و لا أقصد التنظيرات و الخطابات وإنما الفعلية عبر برامج تنموية حقيقية لبناء تنمية مستمرة مستقلة متوازنة وهو ما وصلنا له قبل وصفاتهم القاتلة و أدواتهم التابعة إن الاقتصاد كان و سيظل الغاية الأساسية  لأي صراعات و خلقها و إن الأحادية لن تستمر و لكن المقاومة الحقيقية عبر نهج وبرامج اقتصادية تدعو للعدالة ، و تكرس دور الحكومات التي تتعاون مع القطاع الخاص الوطني ضمن تشاركية عادلة للبلد المعني و إن التخندقات الواضحة لم تعد تنفع ولكن الوصول عبر برامج للعدالة الاجتماعية أو الاشتراكية ، هو تحد و هو العلاج لمواجهة الوصفات السرطانية القاتلة ، وهو ما يستشف وما يراهن عليه كرد جزء من الدين للدم المقدس الذي سال من قديسينا ولم ولن ننساه , وصفاتهم القاتلة قد أصابتنا ولكننا من بلد لا ينضب بشرفائه ووطنيه ستكون وصفاتنا الوطنية أشفى علاج لسرطاناتهم و إن لم يقتد بنا الآخرون فوصفاتهم صائبة , لن يستطيعوا أن يفعلوا و يدمروا أكثر مما فعلوا و صبرنا و وواجهنا و تحدينا وسيكون إعادة البناء عنوان الحصن القادم لسورية الواحدة الموحدة التي ستدرس أساليب مواجهة وصفاتهم وانعكاساتها عبر العصور و في كل الآزمان , استقلالية القرار الاقتصادي و السياسي هي العنوان و المواجهة الإقتصادية

لغة المقاومة الحقيقية للخارج وللخارجين عن القرار الوطني من دواعش الداخل .

الدكتور سنان علي ديب / جمعية العلوم الاقتصادية السورية /

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]