ذراع الدولة وعصا السوق..؟!

 

قسيم دحدل

قضية الأسعار والتسعير لناحية التخفيض والرفع بين “التجارة الداخلية” من طرف و”التجار والصناعيين” من الطرف المضاد، لا تزال الشغل الشاغل للمواطن الذي طالما وجد نفسه ضائعاً في معمعة الأسواق والسجال الدائم بين الطرفين..!.

تهديد مبطّن من الطرف الثاني، في كل مرة يحاول الطرف الأول إعادة أسعار عدد من السلع لتوازنها (وليس لتخفيضها برأينا) استناداً للتكاليف الحقيقية، ولا تلبث هذه المحاولة أن تتحوّل إلى تهديد مضاد مبطن من هذا الطرف أيضاً.

وما بين بيِّنات كل طرف المستندة إلى ما يمتلكه كل منهما من بيانات جمركية كاملة تبيّن أسعار التكلفة الحقيقية، نقف حائرين مَن نصدّق، إذا أردنا أن نكون موضوعيين وحياديين في الحكم.

لكن ولأن الدولة –كما يقال- أعلم بكل شيء، وخاصة ما خفي وبطن من الأمور، يجد المواطن نفسه منحازاً لبيِّنات وبيانات وزارة “حماية المستهلك” التي تفنّد بها ادّعاءات التجار والصناعيين.

المفارقة أن كلا الطرفين يشدُّ بساط الأسعار لناحيته، والمصيبة أن كلاً منهما يستشهد بالجمارك والبيانات الجمركية ويُشهِّدها على صحة ما يدعيه ويحاجج به، حتى يبدو الشاهد كمن ينام ملء عيونه عن شواردها..، أو كأنه “شاهد ما شافش حاجة”..!؟.

لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر، مادة المتة التي عكست ما تقدّمنا به، حيث شكل سعرها الجديد (المخفَّض) الذي أقرّته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ردّة فعل عند أحد كبار الصناعيين والتجار ونيابة عمن يمثل من العاملين بها، بلغت حدّ عدم الاكتفاء بالاعتراض على قرار الوزارة ومطالبته إيّاها بالرجوع عنه، وإنما ذهب للتلويح بعصا رفع سعرها لـ600 ليرة..!.

الردّ كان سريعاً ومن وزير التجارة الداخلية نفسه، حيث أجاب كل من يعصي قرار خفض السعر، بعصا إعلانه “استعدادهم وإقرارهم لاستيراد المتة بعد اجتماعه مع بعض التجار”..، ما يشي ببدء دخولنا في مضاربات تجارية، لا يُعرف إلى أين قد تصل..!.

وقطعاً للطريق على أي مُتحيِّن للمضاربة، نبيّن أن ما استند إليه وزير التجارة هو حق ومدعوم بالدلائل والإثباتات التي تؤكد تغيّر حسابات التكلفة كلياً، وبالتالي فإن أي تخفيض تقرّه الوزارة لم يأتِ من هوى.

وما يؤكد صحة إجراء الوزارة، نجده فيما أعلنه الصناعي نفسه وهو عضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها، التي حاولنا الوقوف على رأيها (أي الغرفة ومجلسها) لكن دون جدوى..!؟.

ففي الوقت ذاته الذي يعلن فيه العضو أن “لديهم الآن بضائع موجودة في المرفأ، ويمكنهم تقديم الفواتير النظامية للاستيراد من الأرجنتين وبسعر 2800 دولار للطن، واعتماد هذا السعر لدى الجمارك، ما سيؤدّي إلى ارتفاع سعر علبة المتة في السوق إلى نحو 600 ليرة”، يكشف عن أن اعتمادهم لسعر 1000 دولار للطن في البيانات التي كانت تقدّم في السنوات الماضية للجهات الحكومية، كان في ضوء السياسات المتعلقة بتمويل المستوردات من مصرف سورية المركزي حيث تم حينها الاتفاق على تقديم سعر منخفض ليكون قابلاً للتمويل من المصرف، إضافة إلى اعتماده في الأسعار الاسترشادية لدعم الصناعة الوطنية وتخفيض الأسعار على المواطن.

كشف يتوضَّح من خلاله أنهم حينما كانوا يموّلون مستورداتهم من “دولارات المركزي” كانوا يرضون بما يحدّد لهم من سعر (أي من دقنو سقولو..)، لكن حينما أصبحوا يموّلون مستورداتهم من جيوبهم، لم تعُد تعجبهم الأسعار الجديدة، بل راحوا يهدّدون بمضاعفتها..!.

وعليه نقول: كي تظل ذراع الدولة عصية على الليّ..، لا بد من وضع حدّ لتسلح أي كان باستخدام مؤسساتها ضدها..!؟.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]