استباحة مواطن أم وطن ..؟؟

 

د. سنان علي ديب

قلما صبر شعب على مصائب أو تحمل آلام أو استوعب مشاكل وأمراض مثلما صبر الشعب السوري بكافة ألوانه ، وكان هذا سنداً للمؤسسة العسكرية في الاستيعاب و التصدي العقلاني لما يحاك لها و لباقي المؤسسات من مخططات لتدميرها و قتلها و بالتالي الوصول للدولة الفاشلة المستباحة ليتقاسمها ذئاب الكون بزعامة معولم الدم و الدمار, ورغماً مما وجد من مقاومة وممانعة و صبر لم تكن السلوكيات و الآمال بنفس السوية الوطنية لكافة الشرائح لأنه ظهرت أفعال تدل على ما يتناغم مع الهجمة الدموية و يحاول أن يكون بديل عنها عبر إرهاب اقتصادي مكمل لما قامت به دول الاستكبار العالمي من حصار و عقوبات قللت من إمكانية سد الاحتياجات الضرورية لحياة الإنسان بما يعاكس و يخالف حقوق الإنسان وإدعاءات من جعلها سلاحاً للتدخل في شؤون الآخرين .

إنها حرب بالاقتصاد من أجل الاستغلال الاقتصادي حرب استنزاف و تدمير لعودة الارتباط الكولونيالي و جعل الدول تابعة للاستعمار الجديد المتمثل بشركات متعدية الجنسية لها أدواتها الداخلية المرتبطة بها و بالتالي بدلاً من أن يكون الهدف جودة الخدمات و تحقيق الرفاهية المطلقة أسوة ببلدان العالم المتقدم يكون الهدف إعادة البناء و تأمين المستلزمات الضرورية للحياة عبر إجرام حقيقي وتآمر ضد المواطن و ضد الوطن, لم تتجل هذه التآمرات بهذه العقوبات وإنما بنهج و سلوكيات من خلال أهدافها تحقق ما يرسمه الغرب لجعل أغلب الشعب بطبقة فقر مدقع يبيع كل الوطنية و كل أسس الانتماء ليؤمن لقمة العيش وهو ما لم يكن , كلنا يتذكر ما وصلت له التنمية أواسط الألفين وما وصل له الاقتصاد من تكامل خدمي بأنواعه المختلفة :التعليمي, الصحي ,السياحي,بنى تحتية موانىء , طرق, جسور , كهرباء ,مياه ,صرف صحي , و زراعي حقق الأمن الغذائي و استمراريته و صناعي صناعات مختلفة تحويلي , كيميائي , نسيجي , وغذائيات وغيرها , ولكن هذه التطورات جعلت السوس المسرطن يتغلغل عبر أدوات فرضت بطريقة الصدمة الدردرية نهج يخالف أي نوع لأي نهج اقتصادي عالمي لا الاشتراكي ولا الليبرالي و لا الاجتماعي ولا الرأسمالي , وإنما نهج مدمر انقلابي ممهد لفيضان الدماء و جاء أتباعه ليعقبوه بوزارات متتالية من سفر لحجاب للحلقي بنفس النهج و نفس العقلية و حتى قدري جميل الذي كان المعارض الأكبر لنهج الدردري كان قاطرة تمرير ما عجز عنه الدردري برفع أسعار المحروقات و سحب ما يسمى دعم و اللعب بسعر الصرف و تقوية نفوذ حيتان الفساد عبر الاحتكار و تقويض دور وزارة حماية المستهلك التي أنشئت بناء على طلبه و منع التسعير الاداري المتدحرج و ليستمر النهج عبر الغلاونجي و الحمدان وكلنا يتذكر الميالة و “بطولاته” المنفردة في حماية الدولار أمام الليرة السورية رغماً من الدفاع الذاتي لليرة عبر اللعبة النفسية لتهبط بأحد الأيام إلى الـ300ليرة بعد الوصول لسوية 620 ليرة و لكنه تدخل بسعر 470 ليرة ليأتي من بعده الدرغام و ليكون بطل الحفاظ على السعر 530 ليرة و يسوق لبطولته رغماً من أن الظروف الاقتصادية و انتصارات المؤسسة العسكرية و عودة الانطلاقة الاقتصادية تعاكس ما يحاول فرضه أمر واقع ولكن هيهات منه ذلك وسط فرحه بمقولة من لا يعمل لا يخطأ علماً أن ترك السعر للسوق سيهبط بدلاً من حماية الدولار حماية لمصالح البعض و لإملاءات دول أخرى ووسط تعقيدات بالتعامل بين المالية و بين مصرفه لفرض الأتاوات و الرشى حول حجم المبلغ الذي يستطيع قبضه المتعامل في اليوم وضرورة فتح حساب بالخاص أو العام استمرارية لتفعيل أرباح مؤسسات الخدمات التي أقحمت على البلد تأمينية مصرفية خدمية صحية تعليمية على حساب العام و المواطن و لتستمر المعاناة , و يظهر كامل أعضاء الفريق كأبطال وسط مؤشرات تعافي الاقتصاد طرح الألفين , مؤتمر الاستثمار, المعرض , ورغماً مما تعبت المؤسسة العسكرية لفرض الأمان و الضبط وصولاً لتحقيق القانون و لكن بقيت سلوكيات هؤلاء تصويرية كرتونية لأن الفعل والنتيجة مخالفة لذلك فالأسعار في ارتفاع مستمر وسط تغاضي وزارة حماية المستهلك ووسط سلبية دور مؤسسات التدخل ووسط استمرار دور عناصرهم بالابتزاز و قبض الرشى , فهل يوجد مكان تدخل لشراء سلعة يبيعها بسعر ثابت خلال يومين متلاحقين و هل يوجد سائق تكسي أو حلاق أو خياط أو أي مهني وحرفي يبيع بسعر معين وهل يوجد مقهى أو مطعم يلتزم بالأسعار وهل يوجد من يسمع لشكوى أي مواطن إلا عبر تنظير متناسيين أن ما يهم المواطن انعكاسات الأفعال و ليس التنظير و الصور المتلاحقة ما يهمه تأمين الحاجات الأساسية وسط كرامة وطن وليس وسط ذل وثن ,وماذا فعلوا لتحسين معيشة المواطن ليستمر صبره و تخف معاناته قلنا أن زيادة الأجور غير منطقية ولكن هناك سلوكيات وأدوات تحسن المعيشة بمعزل عن الزيادة التضخمية المتتابعة و قلنا تحسين سعر الصرف و تخفيض أسعار الطاقة و مراقبة الأسعار عبر تسعير متدحرج و عبر مراقبة أسعار و عبر تفعيل دور مؤسسات التدخل و مؤسسة التجارة الخارجية و عبر إصلاح القطاع العام ومنع الاحتكار ولكن هيهات لماذا امتنعوا عن المنح المتلاحقة علماً أنهم باشروا بقروض التسليف التي لا معنى لها بدلاً من توجيهها للقروض الصغيرة .

لماذا ما زالت الحيتان تتحكم بمفاتيح الاقتصاد ولماذا فاعلية أغلب المسؤولين تنظيرية لم تنعكس على المواطنين ,من لا يريد تغيير العقلية ,كل هذا يدفعنا للسؤال لكل سلوكيات دافع وهدف , ما الدافع لاستباحة المواطن في لقمة عيشه في ظل تلازم صبره مع المؤسسة الحامية لحدود الوطن و المفرغة لكل الأفعال الدموية و التدميرية وأي استباحة بلقمة العيش و كافة أساليب الحياة هل ما زال هناك بقايا لمن فرض النهج التدميري أو حلفاء لمن برر القتل و الدم للوصول لسلطة يجب أن يكون دورها حماية الإنسان أم ما زالت إمكانات الاقتصاد وتنفيذ النهج اللازم لمرحلة ما بعد الخلاص و التعافي قاصرة .

ألم يحن الوقت للبدء في مشروع الإصلاح الإداري الواضع لحجر الأساس لمواجهة الفساد وحيتانه و الإحاطة به للتخفيف من آثاره؟ ألم يحن الوقت لمنع استباحة الوطن عبر استباحة المواطن؟

إن تحسين معيشة المواطن يجب أن يكون الهدف الأول لحماية الوطن و امتصاص ما يحاك من قبل الأعداء لأزمات متتالية وهذا التحسين متاح وبحاجة لنوايا وإرادة فقط ومن يعرقله يجب أن يتابع و يراقب و يبرر ما هو ليس بحاجة لتبرير , إن استباحة المواطن عبر قوى الافساد استمرارية لاستباحة وطن غال دفعت الدماء للحفاظ عليه و من يستبيح المواطن يرسل رسالة بعدم قيمة و جدوى الدماء التي بذلت وهذا أكبر جريمة تقترف لتقوض صمود و صبر شعب قلما وجد مثله , وإن امتصاص من باع القيم وهرب من الدفاع عن الوطن و تاجر بالأزمة بكل شيء لكل المزايا القادة لهو إهانة لإنتماءنا و انتقاص من سوريتنا المتجذرة و تخسير للمؤسسات الوطنية التي كانت حصان الرهان …

الدكتور سنان علي ديب/ جمعية العلوم الاقتصادية السورية //

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]