حبيسة الأدراج..!؟

 

أيمن علي

لعلّ من الموضوعية بمكان؛ الاعتراف بأنّ شوارع مراكز مدننا الرئيسيّة وأرصفتها غدت مرآباً كبيراً غير معلن للسّيارات بشتى صنوفها، بينما تغصّ الطرقات والمحاور الرئيسيّة المؤدّية إليها بأرتال وطوابير من الحديد المتحرك؛ تكاد تبدو متّصلة لشدّة غزارتها، والصّورة الحيّة في العاصمة تُغني عن ألف كلمة!

إذْ إنّ مقاربة سوء الحال المروري في دمشق أو في مراكز مدننا الرئيسية الأخرى؛ بلوحته القاتمة التي تنوء تحت وطأة دخان الازدحام والاكتظاظ وألوان الاختناقات المرورية الدّاكنة؛ تستدعي إلى قفص السّؤال كلّاً من وزارتي: الإدارة المحليّة والنقل؛ واللّتين تنمّ خطاهما الوئيدة -إن كانت هناك من خطوات- في هذا المضمار؛ إمّا عن استسلام للواقع الرّاهن، وإمّا عن عجز في اجتراح الحلول المناسبة!؟

استسلامٌ وعجزٌ يُحيلاننا إلى ذاكرة غير مثقوبة؛ تطفو على سطحها صور الندوات وورشات العمل التي أقامتها كلتا الوزارتين لفرق أوروبية -قبيل الأزمة- على غرار (mam) التي أمضى فريقها نحو عامين في مدننا بحثاً عن الحل المروري الشامل؛ القائم على إعادة هيكلة الشبكة الطرقيّة داخل المدن، ومواءمة الحركة المرورية فيها مع الطاقة الاستيعابية لهذه الشبكة؛ عبر تخفيف التّدفق فيها وفق خرائط متكاملة، تلحظ الأولويات ولا تهمل الواقع الديمغرافي والخصوصيّة الوظيفية المكانيّة. وكذا الدراسة التي قامت بها “جايكا” اليابانية عام 1998، ومن ثمّ الإحصاءات المرورية على أكثر من 80 تقاطعاً داخل المدينة وفي أطرافها ومداخلها الرئيسة والتي جدّدتها “جايكا” بدراستها عام 2008، وتلتها دراسات الشركة الفرنسية BCOM في معرض دراستها لمترو دمشق، ناهيك بدراسات المعهد العالي للتخطيط الإقليمي ومشاريع الماجستير والتّخرج المقدّمة بسخاء في هذا المضمار بإشراف أكاديميين ومتخصّصين مشهود لهم.

ولكن -وبكل أسف- لم نرَ أيّاً من هذه الدّراسات يشقّ طريقه إلى النور!؟

أمّا الطّامة الكبرى فتكمن في تسلّل الذّرائعيّة إلى بعض مجالس مدننا الأخرى التي أخذت تعتمد الواقع الدّمشقي معياراً أو زئبقاً في موازينها للقياس به، تقليلاً من شأن ما تعانيه مراكزها من اختناقات، على الرغم مما حفلت به محاضر جلسات هذه المجالس من وعود مخمليّة بتشييد مرائب طابقيّة، وطابقيّة تحت أرضيّة في السّاحات والحدائق وغيرها من الأماكن المتاحة فنيّاً لاستيعاب أكبر قدر ممكن من المركبات، على التوازي مع الوعود الأخرى بتنظيم مهنة مكاتب الـ”راديو تاكسي” التي عدّها بعضهم فتحاً مروريّاً وخطوة بالغة الأهميّة في إطار الحلّ المروري الشامل باعتبار أنها ستحدّ من الحركة العشوائية لسيارات الأجرة صغيرة الحجم، كثيرة العدد، وتقنّنها بشكل مدروس بما يلبّي حاجة المواطنين إليها من خلل نظام استثمار قائم على دارة لاسلكيّة على جانب كبير من السلاسة والمرونة.

وعودٌ لم تعْدُ -حتّى الآن- كونها مجرّد وعود، أو عناوين تزيينيّة وشعارات عمل برّاقة؛ تضع وزارتي الإدارة المحليّة والنقل في مرمى السّؤال: متى ستشقّ هذه الوعود والدّراسات حبيسة الأدراج طريقها إلى النور؟ وهلاّ انتهينا من حال إهراق الأحبار في الدّراسات والخرائط وإغداق الوعود، إلى تسييل الموازنات في ميادين الخدمات؟

بقدر ما تضع وزارة الدّاخلية أمام مسؤولياتها في ضرورة التّشدّد في قمع الظّواهر المروريّة السّلبية، وفي المقدّمة منها إشغال الأرصفة بالمركبات، وفتح الممرّات والعبّارات المغلقة اعتباطيّاً ومزاجيّاً بالسّيارات. وكذا إلغاء استعراض عضلات دوريّاتها المشتركة، على العُزّل، في وضح النّهار وساعات الذّروة؛ لما تُسبّبه من استعصاءات مروريّة واختناقات..!؟

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]