سيرة ذاتيّة لـ”مسؤول”..

ناظم عيد
لا يتساوى البشر عادةً في خصائصهم النفسية وملكاتهم العقلية، وإن كان ثمة تشابه أحياناً لن يصل إلى حدّ التطابق، الذي يبدو مستحيلاً تماماً هنا في هذا الشأن “الجيني الخلقي” المرتبط بملامح وراثية وأخرى مكتسبة، فالبصمات تتشابه لكنها بكل تأكيد لا تتطابق.
هي حقيقة علميّة واقعيّة، بدأ العالم يستثمرها بدقة وحذاقة في بلورة معايير وروائز اختيار الكوادر النوعية لشغل المواقع الإدارية المتقدّمة، لاسيما على مستوى القطاعات الحساسة، التي تتطلّب ما هو أبعد من مجرّد شهادات عليا وتحصيل علمي بات شرطاً لازماً لكنه غير كافٍ، ونعتقد أن في ذلك ذروة الحكمة والدقة في الاختيار، ولعلّه السرّ الذي لم نرغب باكتشافه بعد، وراء نجاح دول كبرى بإنجاز علامات فارقة في مضمار إدارة وتطوير مؤسسات “نخبة” لديها، يتلمس العالم اليوم نتاجها المتميز في كل أصقاع الأرض.
وفيما بات مثل هذا السبر والاصطفاء في سياق المسلّمات التقليدية لدى عدد من الدول يتزايد تباعاً وسريعاً، حتى تلك ذات الاقتصادات الناشئة أو الناهضة حديثاً، ما زال بالنسبة لنا مختبئاً في حنايا “عقلنا الباطن”، متنحياً عن أية مبادرة جرت وتجري لإصلاح الخلل الماثل في مفاصل إدارية مؤثرة بالأداء التنفيذي العام، لاسيما على مستوى الأنساق المتقدّمة ..؟!
دعونا نعترف أن عدم لحظ الخصائص والخواص الذاتية، وتغييبها كمعايير أساسية في انتقاء الكوادر التي ترشحها شهاداتها العلمية لتبوّؤ المناصب، هو خلل إداري عميق لن تستدركه كل محاولات التوصيف الوظيفي مهما كانت منصفة، فالسيرة الذاتية التي نحب اختصارها بحرفين لاتينيين “c.v “، لا تصلح بشكلها الذي شوّهناه لاتخاذ القرار المناسب بتسمية شاغل جديد لمنصب شاغر، لأننا نكتفي بسلسلة تدرجه الوظيفي – وهذا ليس دوماً – ومؤهلاته العلمية، دون أن نتساءل عن معايير أعمق وأهم، من قبيل …قيادي أم منقاد..مبادر أم منطوٍ..مبدع خلاّق أم تقليدي سلبي، وسلسلة اعتبارات يجب أن تكون جاهزة بين يدي صاحب القرار، لكن حتى الآن ليس من جهة تعنى باكتشاف وتدوين مثل هذه الخصائص… وهذا لن يكون ممكناً إن لم تكن هذه المعايير المطلوبة في تقييم مرشح لمنصب أو موقع إداري ما “مكتوبة” بقرار أو تشريع ملزم ..؟!!
الأمر يبدو للوهلة الأولى صعباً بالنسبة للجوانب الشخصيّة، لأنه خاضع للعواطف والمزاجيّات في التقييم بما أنه يفتقر إلى الوثائق الداعمة للمصداقية… صعبٌ لكنه ليس مستحيلاً، فبما أن الملكات والخصائص الذاتية تظهر منذ الطفولة المبكرة، يمكن الركون إلى تقييمات المؤسسة التربوية، وهي حالياً موجودة عبر ما يسمى “إضبارة التلميذ” ولعلّها بوضعها المعمول به حالياً كافية ووافية، ويبدو أنها موضوعة بإشراف أخصائيين احترافيين، لأنها تحتوي على تفاصيل هامة عن الطفل يدونها المعلّمون في سنوات التعليم الأساسي، وغالباً ما تكون دقيقة وموضوعية تصلح لتكوين فكرة عن صاحبها، إلّا أن هذه الأضابير يكون مصيرها التلف مع نهاية مرحلة التعليم الثانوي، في وقت يجب أن تتبع الطالب إلى مكان عمله أياً وأنّى كان.
لا نعتقد أنه يمكننا الاستمرار في تجاهل هذه المعايير الأساسية في اختيار القيادات الإدارية، ويجب أن ننتهي من مشكلة هشاشة الشخصيات الإدارية في الكثير من، مؤسساتنا، حيث لم يعد من الصعب رصد ظاهرة انقياد مدير حامل شهادة عليا لغواية معاون أو مدير مكتب، يصنع القرار و “يُخرجه” بتوقيع مديره أو وزيره ..!!

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]