جديد ..ضد الفساد

 

ثمّة نفَس حكومي واضح تجاه التعاطي مع مصطلح “الفساد”، الذي اتخذ الحديث عنه طابع الاجترار والتكرار –وخاصة في السنوات الأخيرة- لدرجة لم يعُد يقتنع معها المتلقي بجدية أي طرح للمعالجة..!.

والأدهى من ذلك.. رسم صورة قاتمة عن المؤسسات الحكومية وغير الحكومية عنوانها الرئيسي “فساد غير قابل لأدنى درجات المعالجة”..!.

لن نتغنّى بما ساقه رئيس الحكومة خلال لقائه الأخير مع الكادر التفتيشي للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وخاصة عندما دحض ما يُشاع عن أن سورية بلد فاسد، واعتباره أن الأمر يقتصر على وجود شوائب هنا وثغرات هناك، إلا أننا سنشدّ على أيديه بهذا الطرح، في محاولة ألا نجلد أنفسنا أكثر من اللزوم، لنبدأ بالفعل كمواطنين بتعميم ثقافة مضادة لثقافة الفساد السائدة مجتمعياً..!.

لن نجادل من يصف كلام رئيس الحكومة بالوردي، لأننا لسنا بوارد تحليل هذه الحيثية، ولكن دعونا نرْنُ إلى مستقبل أكثر إشراقاً ولنثق أولاً بأنفسنا وأننا قادرون بالفعل على الاضطلاع بقلب هذه الصورة السائدة عن بلدنا، فعلاً لا قولاً..!.

لن نتحدّث عن فساد كبار وصغار المسؤولين لأن هذا الحديث طالما تناوله الإعلام ولا يزال، وسنركز على تجاوزات المواطن التي قد يدرجها بعضهم ضمن إطار الفساد، على أن يعذرنا الأخير وليثق بوجود قناعة تامة لدينا تجاه تأصّل الفساد في كثير من المفاصل الحكومية من جهة، وأنه ليس ببريء منها من جهة أخرى، وما إشارتنا إلى تجاوزاته واعتبارها أحياناً فساداً، إلا أولى خطوات تعميم ثقافة مضادة للفساد..!.

معظمنا –إن لم يكن كلنا- يرتكب يومياً تجاوزات بقصد أو بغير قصد، أصبحت بحكم العادة روتيناً ثابتاً لسلوكنا اليومي، ربما أبسطها قطع الشارع دون استخدام الجسر المخصص لهذه الغاية، وأعلى درجة من ذلك هو العبث بالعملة الورقية من خلال تشويهها بكتابة الاسم عليها لمعرفة مدى احتمالية أن تعود إلينا مجدداً بعد رحلة من التداول في الأسواق، أو أن يكتب أحد ما ذكرى مذيّلة بتاريخ الكتابة على معلم سياحي أو حضاري..!.

ولعل أعلى درجات فساد المواطن هي عندما يبادر إلى رشوة الموظف لتسريع تسيير معاملته في الدوائر الحكومية، كما أن غياب ثقافة الشكوى على كل مرتشٍ ومتجاوز نتيجة تعلّقنا بمفاهيم اجتماعية غير صحيحة هي بذرة الفساد التي نغرسها في الفطرة الإنسانية، دون أن نعي مخاطر نموّ أشواكها مستقبلاً، وصعوبة اجتثاثها دون وخزات..!.

وإذا ما سلّمنا بيأس تنظيف الجيل الحالي من هذا الداء المستشري، فعلينا توجيه بوصلة مكافحته إلى براعم هذا الجيل من خلال تعزيز القيم الاجتماعية والأخلاقية، الكفيلة إلى حدّ كبير بالحدّ منه، وهذه مسؤوليتنا جميعاً بالدرجة الأولى..!.

حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]