الدكتور سنان علي ديب يكتب للخبير السوري: الرقم الإحصائي ما بين الواقع و التضخيم و التنجيم

 

موضوع الرقم و البيانات الإحصائية موضوع على غاية الأهمية وهما من أهم أدوات القياس و أس التخطيط و التقييم و التقويم ومجهر لمعرفة صحة البلد المدروس من جميع النواحي الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية،  ولكن الظروف و الأخطار المحيطة تجعلنا أحياننا أن نناقش هذا الموضوع و الذي يجب أن يكون  من البديهيات في الدول المتطورة ويجب أن تكون ركيزة من ركائز ما وصلنا له من تنمية قبل الأزمة و هو الذي كان مدخلاً تبريراً لفرض نموذج اقتصادي اجتماعي يماهي برامج وطموحات البعض.

وكنا قد تطرقنا قبل الأزمة  لنفس الموضوع عبر ندوات متخصصة و مقالات و مقابلات لتوضيح الانعكاسات السلبية الخطيرة الاجتماعية و الاقتصادية للرقم الإحصائي المضلل الذي استطاع من خلاله البعض تمرير سياسات اقتصادية و اجتماعية بأسلوب الصدمة متخذين أرقام مضللة كمعايير للقياس و إظهار نجاح مخرجات مشاريعهم أمام القيادات العليا و التي أعلنت في خطبها أول الأزمة عن اللجوء للتضليل الرقمي لتمرير ما ساعد بولوج الأزمة ببنية المجتمع السوري ومن لا يعرف أهمية هذا التضليل فسوف نحاول تسليط الضوء على جزء مما ينجم عنه و فالرقم المضلل يبعدنا عن الوصول إلى حقيقة المشكلة أو الظاهرة سواء نجم هذا التضليل عن خطا مقصود أو خطأ بسبب نقص المعلومات و الإمكانيات أو بسبب قصور   ﺃﻭ تحليل خاطىء للأرقام و البيانات في جميع نواحي الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية وهو أداة في تحديد حجم المشاكل التي يعاني منها المجتمع و تقييم أداءالأفراد و المؤسسات و الوزارات و الدول و بالتالي الآثار السلبية التي تنجم عن عدم دقة و  وواقعيةو شفافية الرقم الاحصائي بما يخدم ظرف البلد ووضعها لأن موضوع الشفافية و العلنية يحتاج لظروف وهو نسبي و عدم الموضوعية و العلمية في استخدامه .

ويعد الرقم و البيانات الإحصائية من أهم الأسس التي تعتمد عليها فلا يستطيع دارس أو باحث أو مسؤول أن يقوم بدراسة أو يتخذ قرار، فإذا كان تشخيص المشكلة غير دقيق وغير واقعي من حيث حجمها فلابد ان تكون الحلول خاطئة و بالتالي يترتب عليها نتائج سلبية يختلف حجمها حسب حجم المشكلة.

ومن خلال أهمية الرقم و البيانات الإحصائية نستطيع أن نقدر الآثار و المخاطر و السلبيات الناجمة عن عدم واقعية الرقم وعدم مصداقيته لأسبابه المختلفة و التضليل يكون  :

عن سابق إصرار و تصميم من اجل الاختباء وراءه و تحسين الصورة في نظر المهتم به سواء مواطن أو مراقب أو مسؤول

عن طريق قوى خارجية أو قوى مدعومة من قوى خارجية من اجل زعزعة الثقة و الاستقرار عبر التداول الإعلامي المتكرر.

من قبل جزء القطاع الخاص من أجل عدم تحمل أية أعباء مالية أو معنوية ناجمة عن التصريح بالأرقام الصحيحة .

عن طريق الخطا العفوي غير المقصود ولكن رغما من ذلك نتائجه خطيرة, او التقصير المهني و التقني  أو قلة الأدوات و الوسائل و الأساليب الكافية للرقم للحصول على الرقم الصحيح .

عن طريق الصحف و المجلات و اللقاءات ونقل الأخبار من دون التدقيق في صحة المعلومة و صدقه.

عن طريق المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي و البنك الدولي من أجل فرض النموذج الاقتصادي الذي تتبناه نيابة عن الدول التي انشئتها –

وقد شهدت قبل الأزمة الكثير من الأرقام و خاصة التي تختص بالمؤشرات الكلية كالنمو و البطالة و الفقر و الهجرة الداخلية و التضخم كافة أنواع اللعب المضلل لتثمن السياسات الاقتصادية و الاجتماعية المتبعة و تبرر لاستمرارية السير بها قدماً و للأسف ما زال هناك من يعتمد على تلك الأرقام للتحليل الاقتصادي ولرمي التهم و فمثلاُ النمو الاقتصادي هو غاية ولكنه كذلك وسيلة فهو على كافي للدلالة على حسن الأداء الاقتصادي و الاستثمار الصحيح للموارد وأي نمو لا يقترن بتوزيع الدخل بأسلوب شبه عادل يحسن مستوى معيشةالمواطنين يكون غاية و ليس وسيلة  و النمو الذي لا يكون ذو بنية تؤدي غلى تواتره ينمو فقاعي زائف آني وهو ما كان أداة حكومة ما قبل الأزمة لتمرير سياسات هشمت البنى و قتلت القطاعات الإنتاجية وهجرت المزارعين من أراضيهم   , وكذلك كان التضليل بتخفيض أو إلغاء وجود رقم معين من اجل التلميح إلى حل مشكلة كانت موجودة كما حدث في معدلات البطالة و الفقر فمثلا بالنسبة لرقم البطالة الذي أصدرته هيئة مكافحة البطالة عام 2003 كان 16.3 % والمكتب المركزي للإحصاء 10.65و البنك الدولي 37%وهو ما حصل مع الفقر و التضخم و كذلك يكون بإعطاء أرقام مجردة بلا ربطها بأي رقم آخر كأن نذكر رقم النمو من دون ربطها بمعدل نمو السكان وإعطاء أرقام مجردة من دون تحليل بنية كأن نذكر حجم الاستثمارات الأجنبية من دون ذكر الفائدة المحققة عدد فرص العمل ومدى مساهمتها بالبطالة ومدى توزعها الجغرافي و بالتالي مساهمتها بالتخفيض من الفقر أو مدى العائدية للدولة عملات محلية وعملات صعبة وهل تؤدي لجلب عملات أو استنزافها وهل حققت عوائد اكبر من التخفيضات الضريبية التي أعلنت

وكذلك مورس إعطاء أرقام معينة و التركيز عليها لتبرير سياسات كأن نركز على حجم العجز بالموازنة من أجل تحميل الدعم مسؤولية هذا العجز متناسين ما سينجم عن هذه السياسة من ارتفاع تكاليف الخدمات الزراعية و الصناعية وحتى الخدمات السياحية و بالتالي فقدان الكثير من المزايا المنافسة , وتحميل الدعم هو نوع من الاختباء من اجل لفت الانتباه إلى عدم تناسب حجم الإيرادات عن الرسوم و الضرائب مع المطارح الضريبية أو التكرار بحالة السوء للقطاع العام من اجل التلميح للخصخصة أو أساليب مشابهة مبطنة

وكذلك لجأ إلى اللعب بالمعايير التي تحسب على أساسها المعدلات كان نحسب الفقر المطلق على أساس دولار و الفقر المدقع على أساس دولارين وهو المعيار المطبق لدى الأمم المتحدة ولم يؤخذ بالحسبان الاختلافات البنيوية الاقتصادية و الاجتماعية و كذلك بالنسبة لموضوع البطالة , وكذلك الأمر  عند المقارنة بين الدول من دون ذكر الاختلافات البنيوية للقوة الشرائية أوحجم الرواتب وينجم عن هذا التضليل وعن عدم الثقة بالرقم و البيانات الإحصائية.

عدم ثقة المواطنين و الذي يتطور إلى عدم ثقة بالأداء الحكومي بشكل عام وكذلك فإن  أي تخطيط يعتمد على أرقام غير دقيقة و غير واقعية وخاطئة سوف يكون هناك عدم دقة بتحديد الأهداف و بالتالي الإجراءات و المتابعة وسوف يوصلنا لنتائج غير دقيقة و غير واقعية و بالتالي يكون عبارة عن هدر الوقت و التكاليف و ضياع المتابعة والمراقبة و المحاسبة و في الغالب استفحال و تضخم المشكلة التي كان من الممكن إيجاد الحلول لها لو اعتمد على رقم وبيانات واقعية وكذلك فإن استخدام ثورة المعلومات و التقنية غير مجد و غير مفيد في ظل إدخال بيانات , فالبيانات الخاطئة ينجم عنها مخرجات خاطئة و مضللة و وكذلك فإن التضليل الرقمي يؤدي إلى خلل بالموازين مستقبلا كميزان المدفوعات و احتياطي النقد من العملات الصعبة وعجز كبير في الموازنات القادمة وكذلك فالتضليل الرقمي يحاول منه يحاول منه إخفاء الكثير من السلبيات في جودة أداء المنتج كما في قطاعي الصحة و التعليم وكذلك على أسلوب صرف مخصصات التدريب و التأهيل

و بالتالي فالتضليل هو هروب من المسؤولية و المحاسبة و يصعب مسؤولية صانعي القرار لقياس مخرجات الأفراد و المؤسسات وجدوى البرامج و السياسات المتبعة و بالتالي صعوبة كبيرة في تقييم الأداء, وفي ظل الحرب المعقدة و الأزمات الكبيرة الناجمة عنها لم تختلف الأمور كثيراً و مع علمنا أنه في الأزمات تصبح هناك ضرورات وطنية لعدم التصريح بأرقام معينة تساعد الأعداء على المحاربة الاقتصادية و الاجتماعية كأرقام المخزون من السلع الضرورية و كذلك من العملات الصعبة و من الأسلحة وكذلك عدد القتلى و النازحين وعدد الفقراء و العاطلين عن العمل وحجم المحاصيل الغذائية وإحصائيات كثيرة و لكن هذا لا يعني عدم وجود هذه الإحصائيات التي تكون أسرار دولة توضع أمام خلية الأزمة المصغرة وقد يعمل أحيانناً لتداول أرقام مغلوطة وهو شيء ضروري في ظل الأزمات عكس وقت السلم ولكن يكون هناك رؤى عامة يعمل من خلالها ويكون هناك توجيه بخصوص استعمال و تداول الرقم و كذلك يكون هناك ترقب و متابعة لكل الأرقام المتداولة و التعليق الرسمي عليها عند الحاجة فكما نتابع هناك مراكز تسمى نفسها استراتيجية تصنع الأرقام بغايات دعائية أو كطلب من الخارج أو لتوافق بعض السياسات التي تشكل ضغط على البلد من خلال أدوات المؤسسات الدولية و لنأخذ مثلاً تضخيم حجم البطالة و كلنا يعلم انه في ظل الظروف و العسكرة حجمها لا يتعدى أرقام مقبولة و كذلك التصدي من بعض من يدعون البحث و المعرفة لتكاليف إعادة الاعمار وفق ارقام خيالية حتى وصلت لدى بعض المبدعين لأرقام تفوق 1200 مليار وهو رقم خيالي فضائي لم تعرف الغاية منه و لنفس الموضوع الأمم  المتحدة 350 مليار , مركز استرالي 600 مليار وهنا يجب لفت الانتباه أن تداول هكذا أرقام هي للتيئيس و الذي لن يكون لن عجلة إعادة الإعمار مستمرة من البداية ولأن كل قطاع من الدولة اصدر إحصائياته بخصوص الخسائر للعلم و الإستفادة وان التناغم مع مسببي الأزمة بتضخيم الأرقام لتبرير الاستثمارات الخارجية لقوى الإجرام أو أدواتهم من الفساد السود لن يمر أما فيما يخص حجم الخسائر لمقاضاة دول الفتنة و الإجرام فالحكومة قادرة على تقديرها و إظهارها بالوقت المناسب أما بخصوص تكاليف المعيشة و الحالة المعيشية فحسب ظني الهدف منها الضغط لتصويب بعض ثغرات السياسات التي لا تنطلق بشكل واقعي ولاتدعم الحضن الحامي للمؤسسات و منها العسكرية وهكذا أرقام لا تسيء في ظروف بلدنا وإن كان يجب أن يكون تعليق للمكتب المركزي على هكذا أرقام وتبقى أرقام مسؤولينا التي يتفاخر جزء منهم بتحقيقها متناسين حجم التضخم وفرق سعر الصرف بين الوقت الحالي وما قبل الأزمة .

ما يهمنا أن مسؤولية صنع الرقم هي مسؤولية المكتب المركزي للإحصاء و الذي طالبنا سابقاً بتوسيعه ومده بالإمكانات و الأدوات لتحويله لهيئة مختصة بالرقم و البيانات الإحصائية و ما يتعلق بها وهذه المسؤولية تلقي على عاتقها تصويب الأرقام و مواجهة الأرقام المضللة و وضع كافة الأرقام و البيانات عند الجهات المسؤولة بالوقت المناسب هذه الجهات التي توجه بما يمكن البوح به وكيفية البوح وما يسيء من الأرقام وما ينفع بهكذا وقت وحتى بالأرقام حالوا النيل من بلدنا للإسقاط الاقتصادي و الاجتماعي وما زالوا…في مرحلة القياس والدعم الإداري الرقم و البيانات الإحصائية من أهم ركائز العمل بها ونجاحها

الدكتور سنان علي ديب/ رئيس فرع اللاذقية لجمعية العلوم الاقتصادية/

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]