حكومات “الحرب الصامتة”

ناظم عيد

أغلب الظن أننا لن نكون على خطأ، لو توقّعنا ردّات فعل غير اعتيادية، ممن فشلوا في حصادهم المفترض من استهداف سورية عسكرياً – إن بشكل مباشر أو عبر وسطاء – فثمة وسائل استهداف بمسارات متنوّعة، أخطر ما في بعضها أنها غير ظاهرة بنتائجها المباشرة، ونعتقد أن ذلك لم يغب عن أذهان شاغلي “مقصورتنا التنفيذية”، ولا ندري مدى جهوزيتهم الآن – مع تسارع علامات فشل المشروع العسكري للحرب على سورية- لتلقف مقدّمات أي استهداف جديد من سلسلة “متوقعات” طويلة قد تبدأ بالبند النقدي، وتمتد للمضمار الاقتصادي بشموليته، وربما تصل إلى الشأن الصحّي، عبر استبدال أسلوب التجويع وحجب السلع، بالإفراج عن تدفقات سلعية مشبوهة بما تنطوي عليه من “سمّ في الدسم”.. وهذا أبغض احتمال لكن لا مناص من أخذه في الحسبان.

لسنا مضطرين للأمثلة لتأكيد ما نحن متفقون عليه، إلّا أن مثالاً قدّم نفسه بالأمس لم نرَ عيباً في الإشارة إليه، بما أنه ترك سلسلة هواجس في الشارع ولم نسمع رأياً حكومياً بصدده. فقد بدأ مراقبون محليون بتداول ظنون مُسندة لقرائن مقنعة، بشأن ظهور فاكهة صيفية قبل أوانها التقليدي في أسواقنا وبـ”غزارة” مفاجئة بدأت في صباحات أحد الأيام وأغرقت الأسواق، وكأن توزيعها تمّ بإيعاز من أحد ما.. لتصل حبكة الحكاية إلى أقاويل تشير إلى أثر كيماوي وهرمونات مجهولة، محتواة في الفاكهة الجديدة، وهي فاكهة شعبية لا يخلو منها بيت سوري في هذا الموسم، وتستمر سلسلة التكهنات، كل أدلى بدلوه إلّا “الحسم الحكومي” ما زال غائباً؟!.

الموقف يعود بذاكرتنا إلى صمت حكومتنا – قبل الأزمة – وسط ضجيج عالمي صاخب بشأن الميلامين القاتل في حليب الأطفال المستورد من منشأ محدد، وكان في أسواقنا كميات كبيرة منه، والصمت المقلق أيضاً على مدى خلو ألعاب الأطفال المستوردة من مادة الرصاص عندما شغل الموضوع العالم برمته، إلّا نحن فلم نحرّك ساكناً..؟!

لن نزيد في الهواجس، وإنما نبوح بما تبلوّر منها في أذهان متوجسين لا نملك إلا الاعتراف بأنهم على حق، فاليوم ليس كما الأمس، ولم نمسِ بعد في حال يسمح لنا بالاسترخاء، لأن الارتدادات اللاحقة لأي زلزال أخطر بكثير من الزلزال ذاته، وما اعترانا في سورية لم يكن مجرد حرب بل “زلزال” رهيب، علينا أن نتوخّى ارتداداته، التي قد تكون في مؤسساتنا المدنية وحتى في أحيائنا السكنيّة، وهذا لا يُنجز بالدوران حول “البروتوكول” والحراك الجامد الذي لم ينكسر بعد في أذهان بعض حائزي الأقلام الخضراء..؟!

على العموم ، بحربٍ وبدون حرب، لم تعد العبرة في القوالب الجاهزة للعمل الحكومي، ولا في التزام إحداثيات الحراك التقليدي، الذي لن يكون ذا جدوى، في زمن المتغيّرات اللحظية بالمواقف والمعطيات وحتى في ما كان يندرج ضمن خانة الثوابت المزمنة.

هي أدبيات ليست بجديدة، كما أنها ليست قديمة في تعاطي الحكومات مع أعمالها، فرضتها وقائع التحوّل القاسية في علاقات الدول، ثم في أمزجة المجتمعات المحلّية واتجاهات الرأي العام، ومطالبه المتبدّلة والمتضاربة أحياناً، ونظن أن حكومتنا معنية كثيراً الآن – وهذا ما لم تكترث له سابقاتها- بأن تجيد قدراً عالياً من المرونة وسرعة التقاط إشارات ما بين السطور، ليس لمجرد التماهي مع نسق عالمي جديد، بل لتلبية استحقاقات لا نعتقد أن أقلها ذلك الذي يندرج تحت عنوان المواجهة.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]