“خديعة” رقمية كبرى…مكتب الإحصاء في دمشق ينتج حزازير وليس معطيات..؟!!

 

لم يفسح غياب المكتب المركزي للإحصاء عن الساحة الإعلامية –كما أسلفنا في أكثر من مناسبة- المجال أمام بعض المنظمات والجهات الخارجية للحديث عن تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسكاني في سورية، مُدعّمةً حديثها بإحصائيات أغلب الظن أنها تقديرية إن لم تكن مزاجية فحسب، بل ولَّدَ الشكوك  أيضاً حول قيام المكتب بالفعل بمسوح ودراسات إحصائية، إذ أن ثمة من يدحض ذلك، ويدعو المكتب لإثبات العكس والإعلان عن أرقام وبيانات عن أي قطاع أجري عليه مسح خلال السنوات الخمس الماضية. ويرد في الوقت ذاته على تشبث المكتب بتوصية اللجنة الاقتصادية الرامية إلى عدم إعلان أي رقم أو بيان إحصائي، بأنه لا يحق للأخيرة التدخل بعمل المكتب، كون أن مرسوم إحداثه مناط به وضع النظام الإحصائي للبلد ونشر بياناته، ولا يحق للجنة التدخل بعمل المكتب، فمدير المكتب هو آمر صرف، ويرتبط إدارياً برئيس الحكومة، أما القضايا الفنية فهي مسؤولية مدير المكتب…!.

أهمية رسم السياسات

أمام هذا المشهد الذي لا يطفو على سطحه سوى الرقم القياسي لأسعار المستهلك “أي مستوى التضخم” والبالغ 679.63% عن شهر آب، محققا تضخما شهريا عن تمـوز قـدره 0.4%، وتضخم سـنوي عن شهر آب لعام 2015 (51.1 %) وفق ما أورده المكتب على موقعه الإلكتروني، تبرز الحاجة إلى مسوح تفرضها تداعيات الأزمة، كمسح حول القيمة الحقيقية لما تحتاجه الأسرة السورية شهرياً من دخل يؤمن أدنى احتياجاتها –على سبيل المثال لا الحصر-، ومصادر الدخل الحالية لهذه الأسرة التي تآكلت جراء تضخم غير مسبوق -على الأقل – في تاريخ سورية الحديث، إضافة إلى مسح حول الإعانات الخارجية ومدى مساهمتها بتحسين وضع الأسرة السورية، ونعتقد أن أهمية مسح وتحليل هذه المسألة تكمن بالحصول على مؤشرات تفيد بإعادة النظر بالدعم المقدم للأسرة السورية، وبرسم سياسات اقتصادية تلحظ مصادر الدخل في ظل الظروف التي تعيشها هذه الأسرة، خاصة بعد أن أفرزت الأزمة مصادر دخل مشبوهة.

غير ناضجة

ما سبق يقودنا للحديث عن آلية صنع القرار التي لا تزال غير ناضجة – إن صح التعبير – لاسيما من جهة توافر المعطيات الداعمة له، وقد وافقنا أحد معاوني الوزراء بهذا السياق مبيناً أن صنع القرار في بلادنا لا يزال يفتقر للمؤشرات والإحصائيات والمعطيات الكفيلة بتصويبه. ليس هذا وحسب بل اعتبر أنه وفي حال توافر هذه المعطيات، نجد أن الجهة المعنية باتخاذه لا تكترث بها وتصر على اتخاذ قرارات تتواءم مع رؤيتها الخاصة بغض النظر عما قد تحدثه من تغذية راجعة، وهنا تكمن الطامة الكبرى على حد وصفه..!.

ليست للمكاشفة

وفي الوقت الذي تتصدر المشهد مديرية دعم القرار التابعة للأمانة العامة في رئاسة مجلس الوزراء كجهة معنية بتزويد متخذي القرار في مفاصلنا التنفيذية بتقارير رسمية تصدر بشكل دوري، إلا أن ما يصدر عن المديرية من تقارير ودراسات لا يأخذ طريقه باتجاه النشر ومكاشفة الرأي العام بها، حيث يتم الاكتفاء بتداولها بين الجهات المعنية بعيداً عن الإعلام، ونعتقد أن قيمة مخرجات المديرية ستكون مضاعفة في حال أتيح للإعلام نشرها لاعتبارات تتعلق بمكاشفة الرأي العام بها والاستحواذ على ثقته بما يصدر من أرقام ومؤشرات محلية وبالتالي قطع الطريق على الجهات الخارجية المتاجرة بمثل هذه الإحصائيات. إضافة إلى أن هذه المكاشفة ستشكل ضغطاً على مواطن الخلل الواردة في دراسات المديرية، وستحرض بالنتيجة الجهات المعنية للإسراع بالمعالجة. مع الإشارة إلى أن هذه التقارير تتناول حيثيات وتفاصيل قطاعنا الاقتصادي والخدمي وما يعتريها من مشكلات وتحديات وتجاوزات مدعّمة بمؤشرات وأرقام ومعطيات، مضافاً إليها عدد من المقترحات التي تستوجب على متخذي القرار أخذها بعين الاعتبار والتدخل الفوري للمعالجة.

بوتقة مركزية

لا يختلف اثنان على أهمية الرقم، ودوره بدعم القرار الحكومي، كونه يعطي بالنهاية تصوراً عن الواقع، وكيفية تجاوز التحديات ولو نسبياً، ولذلك فإن غياب الرقم الإحصائي الرسمي طيلة السنوات الست الماضية عما يشهده واقعنا الاقتصادي والخدمي من متغيرات، دفع بجهاتنا الحكومية بإحصاء أضرارها بعيداً عن التنسيق مع المكتب الذي يعتبر بالنهاية (أبو الإحصاء) إن صح التعبير، ويجب بالتالي أن تصب هذه الإحصاءات في بوتقته المركزية، ليصار إلى تبني رقم حقيقي ناتج عن تقاطع ما قامت به هذه الجهات، للخروج بمؤشر رسمي معتمد يعطي صورة أكثر وضوحاً عن الواقع الاقتصادي والخدمي، يُمَكِّن الحكومة من رسم سياساتها الإسعافية العلاجية الآنية والإستراتيجية، لا أن يغني كل على ليلاه في وقت أحوج ما نكون فيه إلى تضافر الجهود وشد الأواصر لتجاوز هذه المرحلة…!.

حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]