منصب ومسؤول؟؟…بقلم:ناظم عيد

 

لم يعد من مجال في هذه المرحلة الصعبة لقبول التعاطي مع المنصب كامتياز دون أن يكون مسؤولية ووزراً ثقيلاً.

هذه ليست اجتهادات، بل قناعات تتعلق بـ “فلسفة” المنصب أساساً، ولم تعد مثار جدل على الإطلاق، حتى في أوج ظروف الرخاء والاستقرار، فكيف الحال بنا ونحن في مهبّ عاصفة هوجاء تستهدفنا من الجذور حضارة وبُنى وبنياناً..؟

وبالأمس كانت توجيهات الرفيق الأمين القطري للحزب السيد الرئيس بشار الأسد واضحةً في الاجتماع الموسّع للجنة المركزية، بتأكيده على العمل الميداني الفعّال، وعدم الاكتفاء بالأعمال المكتبية والورقية، وهذه فحوى توجيهات مستمرّة لم يخلُ منها خطاب أو كلمة لسيادته، منذ خطاب القسم في العام 2007 وحتى الآن، لذا نعتقد أن اتجاهات بوصلة العمل باتت جليّة ليس أمام المسؤول الحزبي فقط، وإنما أمام كل مسؤولي السلطات المتعددة في بلدنا.

فالواقع أن ثمة استحقاقات صعبة أمامنا الآن، تتطلب التخلّص من خصلة الاسترخاء في رحاب الركن الترفي من مقصورة المنصب، وتملي أداءً استثنائياً يواكب استثنائية هذه المرحلة المعقّدة، من كافة السلطات والهيئات الأهلية والمجتمعية، حتى من كل مواطن، لأننا أمسينا في موقف يُحتّم على الجميع الاقتناع بأن مفهوم الخلاص الفردي لم يعد خياراً مجدياً، ولابد من فهم المنصب على أنه اندماج في الهم العام، وليس انكفاء في المكاتب خلف الستائر السميكة.

والحقيقة أن الترتيب الجديد للأولويات على خلفية الحرب على سورية، لم يعد يبيح لأي مسؤول اللوذ بمنصبه بعيداً عن الأولوية رقم واحد، والمتعلّقة بتفاصيل اليوميات العسيرة للمواطن في الأرياف والمدن، وهي أولوية غير بعيدة عن أس استحقاقات المواجهة، لأنها لصيقة بصيانة مقوّمات الصمود اللافت الذي كان علامة فارقة لبلدنا، في خضّم الحرب الضروس التي تُشن علينا.

كما أن مثل هذا الترتيب العفوي المطلوب بإلحاح، من المفترض ألّا يبيح لأي مواطن ميسور استعراض ملكات الإنفاق الترفي، وجذوة الاستهلاك الصاخب من النوع الذي تلعنه الأعراف الشعبية، لأنه “بطر” بغيض يستفز أوجاع الفقراء والمأزومين الذين باتوا كثراً اليوم.

فالتماهي مع الأزمة، إن لم يصل إلى مرحلة القرار الرسمي، لا بد أن يكون خياراً عفوياً، وإلّا غدا المسؤول المتخفّي احتفاءً بمنصبه، والمواطن المزهو بأمواله، كما الراقصين على الجماجم والمبتهجين في الجنازات ومواكب الموت المتوالية.

الآن لابد لنا أن نتفاءل، لأننا كنا بالأمس أمام تعديل في بنية قيادة الحزب، وقبله بقليل كان التعديل الحكومي، وفي هذين المُعطيين نافذة للتطلّع نحو فضاءات إيجابية من العمل الحزبي والتنفيذي، تقوم على حقيقة النظرة الموضوعية للمنصب والمسؤولية، والترجمة الواقعية للمصطلح في ظل خصوصية ما نمرّ به منذ أكثر من ست سنوات حرباً.

وإن كانت مقولة “لا قِني ولا تُطعمني” متداولة وذات دلالات عميقة في أوساطنا الشعبية، نعتقدها صالحة كمعيار في تعاطي المسؤول مع شارعه، فالخروج من المكتب والزيارة الميدانية مبادرة طيبة، قد لا يحتاج المواطن أكثر منها ليرضى ويقتنع ويتجدد صبره وجَلَده على الصمود.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]