أولويات وثروات…بقلم: ناظم عيد

إن كانت المحاباة سلوكاً مقبولاً في الأعراف الاجتماعية، وحتى السياسية في شطرها الدولي، ليس بالضرورة قبولها في الأدبيات الاقتصادية وتقاليد إدارة الموارد، لأننا أمام مسارات شديدة الخصوصية.. مقدّماتها أرقام، ونتائجها كذلك، لا تعترف بالعواطف والسرديات العائمة غير المعشّقة بالوقائع.
لو سلّمنا بمثل هذه الرؤية سيكون علينا إحصاء ملامح التعاطي “الرخو” المزمن، لا سيما مع الرساميل الخاصة، التي أعادت تشكيل نفسها في ثوبٍ وطني فعّال، نافضةً عنها تهمة الطفيلية التي علقت بها لعقود طويلة من الزمن، ونجزم بأن محاولة الإحصاء والتحري هذه ستوافينا بالمزيد من الشواهد التي تحتاج إلى المعالجة السريعة.
ولعله من الملحّ هنا أن نرصد صور التحوّل الدراماتيكي الذي حصل لدينا في زمن قياسي.. من قوانين الحصر والمنع التي طوّقت قطاعات حيوية واسعة، إلى فضاءات مفتوحة وحرية استثمارية أفرزت لدى المتموّلين المحليين حالة من الاستسهال المفرط في التقاط الفرص فكنّا أمام فعل تنموي أجوف ناتج عن خصلة الطفيلية ذاتها التي تفاءلنا متسرّعين بأن الزمان قد طواها إلى غير عودة.
لن نتشعب في التفاصيل فهي كثيرة، وكلها تنتظر إعادة دراسة وتوليف جديد مع استحقاقات مرحلة صعبة، بات من الضروري معها أن يتولّى قطاع الأعمال “ردّ الدين” للدولة، وربما يكون هنا بيت القصيد في الرؤية التشاركية الموضوعة الآن على سكة الإقلاع، لكن لا يجوز أن نعبر باتجاه مثل هذه المصافحة الجديدة قبل تحديد خارطة طريق واضحة المعالم والإحداثيات.. أي لنجيب على سؤال بالغ الأهمية يستفسر عن قائمة الأولويات التي تتيح وتتطلب الفعل التشاركي.. وأغلب الظن لو نجحنا في تحديد هوية مطارح الاستثمار المشترك وأعلنا عنها صراحة وفق معايير شفافة، سنكون أمام أفق جديد على مستوى التنمية الاقتصادية والخدمية، وإلّا عدنا إلى المربع الأول في رحلة شاقة حافلة بأرقام ليست ذات انعكاسات حقيقية في مضمار الإنتاج الإجمالي لكننا صنّفناها في خانة الناتج العام دفترياً بالشكل الذي تمليه أسس المحاسبة والرياضيات المالية، فلن نختلف على أن التشاركية في توليد الطاقة الكهربائية، أو تشييد مصنع أعلاف يعفينا من وزر الاستيراد، ليست كالتشاركية في استثمار مواقف السيارات في شوارع مدننا وفق صيغ مستوردة بمسميات جاذبة.
من بوابة التشاركية نلج إلى مضمار الفرص الامتيازية التي هي بالفعل “دجاجة تبيض ذهباً” لمن حظوا بها، وكان من الحكمة ألّا تتخلى عنها الدولة أو الحكومة، أما وأنه قد حصل في كثير من الحالات فنرى ألا غضاضة في استرجاعها وعلى طريقة “عفى الله عمّا مضى” لأن الخزينة العامة أولى بموارد هي بأمس الحاجة إليها لتلبية استحقاقات إنفاق لا ترحم في زمن شح الإيرادات وتلاشي مرتكزات توليد عائدات هائلة، بفعل الحصار تارةً، وبفعل التخريب الممنهج الذي حصل على يد الجماعات الإرهابية تارة أخرى.
وعلى سيرة الفرص الامتيازية.. بدأ الجدل يتفاعل حول السماح بتصدير أغنام العواس، وهو جدل موسمي اعتدناه، لكنه أطل برأسه باكراً هذا العام.. لن ندخل في تفاصيله لكننا نلفت عناية وزارة الاقتصاد بطاقمها الجديد إلى أن الدولة أولى بـ “دسم” تصدير ثرواتها الوطنية، من تاجر أو حفنة تجار ينتظرون الفرصة كل موسم بفارغ الصبر، ونعتقد أنه من المريب أن تنفق الحكومة المليارات على تأمين احتياجات القطيع ثم تقدّمه شبه هدية لمن فاز بامتياز التصدير، فخسرت وخسر المربي حيث ربح السماسرة والتجار..!!
هي أوراق مختلطة تنتظر إعادة تصنيف وترتيب، وهي مهمة تتماهى جيداً مع توجهات الحكومة الجديدة التي يبدو أنها عازمة جدياً على توليف البوصلة التنموية المشتتة، وفق أولويات الظرف الراهن التي تدفع بالاعتبار الوطني العام إلى الواجهة وبلا منازع.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]