ما قبل أزمة ليرتنا وما بعدها؟…بقلم: ناظم عيد

 

ليس طموحاً زائفاً أن ينتظر المراقبون تحسّناً في الأوضاع الاقتصادية تظهر خلاصاتها من نافذة سعر صرف الليرة السورية على خلفية التغييرات الجديدة في الطاقم التنفيذي، فثمة آمال عريضة تتداخل بتفاصيلها لكنها تتماهى في اتجاهها، يمكن التقاطها من حيثية سعر الصرف باعتباره المؤشّر البسيط المنطوي على الحصيلة الإجمالية للاقتصاد الكلي، ونتحدّث هنا عن قيم حقيقية وليس إدارية، أي ليرة متماسكة وليست ممسوكة، بعيداً عن آليات التسعير التقليدية الدارجة.

من هنا يبدو علينا تجاوز حالة التعاطي السطحي البائس مع أزمة ليرتنا، والإقلاع عن مجرد المعالجات النقدية التي لن تفضي إلى استدامة في استقرارٍ مزعوم، وتدخلنا – كما حصل – في لغط إعلامي بين التهويل ومحاولات التعبئة، لنقع في مرمى رسائلنا المرتدة التي أوجعتنا كثيراً في يومياتنا المعيشية.. والسوق شاهد.

ننتظر تحسّناً بعد قراءة المقدّمات الإيجابية المُستشفّة من الحراك الدؤوب لإرساء ترتيبات هادئة لم يُعلن عنها بعد في “المقصورة التنفيذية”، وتتمحور حول توطين أدبيات عمل مختلفة تعتمد أسلوب الفعل وليس ردة الفعل في مقاربة “كتلة” المشكلات التي تعتري اقتصاد البلاد، وهي كتلة كبيرة بفعل ركام بضع سنوات الأزمة وترهُل الأداء الحكومي ارتباكاً لا تخاذلاً.. لكن النتيجة كانت واحدة.

مقدّمات تدفعنا للتفاؤل بأن ثمة فهماً سريعاً لحقيقة أن المسألة النقدية تتطلب معالجات اقتصادية تأتي الأدوات النقدية في آخرها وليس في مقدمتها، وأن غرفة العمليات النقدية ليست في مصرف سورية المركزي، بل تتوزعها وزارات الزراعة والصناعة والاقتصاد والعمل والهيئات الفاعلة المنبثقة عن رئاسة الحكومة، لنصل إلى غرفة التحكم المباشر هناك “السبع بحرات”.

فليرتنا تتعزز ليس بالإدارة النقدية بل بالإدارة الاقتصادية، التي تركز مفرداتها على زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي، والتركيز على منتجات الميزة النسبية والمطلقة، ثم بإدارة حكيمة ورشيدة -مطلوبة بإلحاح – لملف التجارة الخارجية، أي تقليص تدفقات المستوردات الكمالية والترفيّة والدفع بمخرجات الإنتاج المحلي في قنوات التصدير “مهما كانت الوسيلة”.

والإدارة الاقتصادية ستفشل فشلاً ذريعاً إن لم تحظ بالتكامل والتناغم بين كل الجهات ذات العلاقة من قريب أو بعيد، فهنا ممنوع الخلاف والتنازع بين الوزراء والوزارات بالشكل الذي حصل، وكلّفنا كثيراً في عمل الحكومة السابقة، التي كانت شبه مشلولة الحراك في آخر سنة من عمرها، وهذا ليس سراً نذيعه بعد رحيلها، أي ليس اغتياباً على طريقة كسر جرار الفخار وراء من أخلوا مطارحهم.

أما في الحيز الخاص بالإدارة النقدية فلا نعتقد أن الشأن النقدي شأن شعبي تجري مداولاته الفنية على الملأ، عبر الإكثار من الظهور الإعلامي للهروب بالتصريحات التسويغية من الإخفاقات المتكررة ، رغم أن الليرة هي “السلعة” الأكثر شعبية على الإطلاق، لكن أدوات إدارتها يجب ألا تكون كذلك، وهذا على الأرجح تدركه جيداً الإدارة الجديدة لمصرف سورية المركزي، فللحاكم الذي باشر مهامه حديثاً، وجهات نظر معروفة حافلة بالتحفظات على الأخطاء التي تابعناها بأسف في إدارة المسألة النقدية، وكدنا معها نقتنع بأن ليرتنا مأزومة بإدارتها وليست متأزمة بضعفها، وقد تكون هذه هي الحقيقة التي رفضنا التسليم بها.

عموماً المقدّمات تبيح قدراً وافياً من الطموح والتفاؤل بإنجاز حلول لما تعثرنا في معالجته سابقاً على المستوى الاقتصادي عموماً والنقدي خصوصاً، مع الإصرار على أن هذا الأخير نتيجة لمقدّمات اقتصادية وليس مقدّمة لنتائج اقتصادية، كما رآه “المجتهدون” في الحكومة السابقة، وحاولوا تسويقه بجرأة منقطعة النظير.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]