الشاطئ السوري ” دجاجة تبيض ذهباً” لو أحسنّا تدجينها..مشاريع الجدوى الهزيلة تطرد فرص الاستثمار المجزي والعبرة في الاستدراك السريع..

 

  

 

 

خاص – الخبير السوري:

 

 

نحظى في سورية بشاطئٍ بحريٍ بطول 183 كم، يغلب عليه الطابع الرملي بحرياً، والأرض السهلة الخصبة برياً، والبعد المتموج المسافات عن الجبال المحاذية، ما سمح بإطلالة جبلية واسعة على البحر وإطلالة  بحرية واسعة على البر لعشرات الكيلومترات، إلا أن مصبات الصرف الصحي التي مازالت تصب في البحر منذ عشرات السنين ومن عشرات الأماكن، ألحقت الكثير من الضرر بهذا الشاطئ، كما أن الأبنية العديدة السكنية والمنشآت التي أقيمت على قسم كبير منه بشكل غير مدروس ما كان منها عائداً للقطاع العام أو التعاوني أو الخاص، فضلاً عن القادم الذي قد يكون الأكثر سلباً نتيجة الهجمة المستمرة التي يشهدها الشاطئ باتجاه المزيد من المشاريع السياحية بأنواعها وتنوع ملكياتها وتسمياتها، والتي يكاد يغلب عليها الطابع الاستغلالي بعباءته الاستثمارية الفضفاضة، كل ذلك أخر كثيراً الاستثمار الإنتاجي المتكامل للشريط الساحلي يما يخدم الساحل والداخل، ويخدم الاقتصاد الوطني لمئات السنين، ورغم أنه سبق أن تم إنفاق ملايين الليرات السورية على العديد من الدراسات الرسمية المهتمة بهذا الشاطئ، إلا أن معظمها ما زال بين أخذ وردّ وإعادة نظر، وما زالت هوة كبيرة تفصل بين ما يلوح بالأفق ذهنياً، أو موثق ورقياً، وما يتم اعتماده تطبيقاً ميدانياً، رغم الأهمية الكبرى لاستثمار اقتصادي أمثل  لهذا الشاطئ، وخاصة أن الشاطئ السوري (وتحديداً عبر شاطئ محافظة طرطوس)  يشكل مدخلاً برياً (من البحر) عبر سورية باتجاه الدول المجاورة /العراق والأردن/  وعبر هاتين الدولتين باتجاه عالم فسيح من دول عربية شقيقة ودول أخرى صديقة، تربطنا بها علاقات اقتصادية وسياسية.

 

أولوياتٌ مقلوبة

 

لاشك أن العمل باتجاه تحقيق المزيد من النشاط السياحي الخدمي على الشاطئ ظاهرة حضارية مهمة جداً وذات مردود اقتصادي كبير، ولكنه قد تأكد ميدانياً أن السياحة كثيرة التأثر بالعديد من الأزمات، ما جعل المصلحة الوطنية تقتضي الميل باتجاه تحقيق المزيد من النشاط الاقتصادي الإنتاجي بدءاً من اهتمامات القطاع العام أولاً، إلى جانب إغراء الرأسمال الخاص الوطني للإقبال على هذا النوع من الاستثمار، لا أن يكون الإغراء منصباً فقط (أو بأغلبيته) باتجاه الرأسمال الوافد من خارج الحدود، ما يتطلب أن تعمل الجهات المعنية على إعادة النظر في استثمار الشاطئ بمشاركة من جميع القطاعات الاقتصادية (العام والتعاوني والمشترك والخاص) وبما يحقق الاستفادة الرسمية والشعبية، ويشكل مورداً رئيسياً للميزانية العامة.

 

خياراتٌ أجدى

 

ففي مجال الاستثمار الاقتصادي الإنتاجي: إضافة لما هو موجود على الشاطئ من منشآت اقتصادية مرفئية عامة، وخاصة مرفأي اللاذقية وطرطوس، تبدو الحاجة ماسة لإحداث توسُّع في طاقة ونشاط هذه المرافئ، وخاصة أنه من الملاحظ أنه كثيراً ما شهد وما زال يشهد حوضا مرفأي طرطوس واللاذقية ازدحام البواخر لأسابيع وأشهر، وكثيراً ما تتحمل إدارة المرفأ (أو بعض البواخر الناقلة) نفقات كبيرة لقاء هذا التأخير، وغالباً تشهد ساحات ومستودعات كل منهما الكثير من تراكم المحفوظات والمخازين التي استمر بعضها عشرات السنين، وكل ذلك انعكس سلباً على إدارة المرفأ والجهات الناقلة المتعاملة معه، ما يجعل الحاجة ماسة لتوسيع النشاط المرفئي في السنوات القادمة، أكان ذلك من خلال توسيع المرافئ العاملة حالياً، أم العمل لإقامة مرفأ جديد أو أكثر، والأفضل أن يتم إحداث مرافئ جديدة متخصصة على الشريط البحري الموجود جنوب مدينة طرطوس، المفتوح مباشرة على الداخل السوري، عبر بوابة حمص وعبره إلى الدول الشقيقة والصديقة، وليكن أحدهما مختصاً بتصدير الفوسفات واستقبال بعض الصادرات ذات المواصفات الكيميائية بعيداً عن قلب المدينة كما هو حال مصب النفط، ولا شيء يمنع أن يتم منح إقامة مرفأ مشترك على الساحل بالتعاون بين الدولة ومستثمرين مناصفة، أو بأغلبية أسهم لأحد الطرفين شريطة أن يبقى للدولة حق الإشراف الأمني على هذا المرفأ، كما أن جزيرة أرواد المتاخمة لمدينة طرطوس تشكل مصدر ثراء اقتصادي كبير من كل النواحي، ما يتطلب المزيد من الحكمة في استثمار هذا الموقع المهم سياحياً وإنتاجياً وثروة سمكية، مع ضرورة إيلاء الثروة السمكية الأهمية الكبرى على كامل الشريط البحري، تنمية واستثماراً.

 

السياحةُ الإنتاجية

 

وفي ميدان الاستثمار السياحي الخدمي  الإنتاجي: سبق أن أقيمت العديد من المنشآت السياحية العامة والخاصة، بما في ذلك الأبنية السكنية الفردية والتعاونية، ولكن بعضها مازال قيد الإنجاز الجزئي أو الاستخدام الجزئي منذ سنوات، ما يقتضي العمل بكل ما من شأنه أن يدفع المشاريع السياحية (وتحديداً السكن السياحي منها) المتعثرة للإقلاع وتحسين تخديمها واستثمارها، وفتح آفاق جديدة أمام كم متنوع من الاستثمارات السياحية العائدة للقطاع الخاص في ضوء دراسة متكاملة للشريط الساحلي، شريطة التمعن ملياً في مشاريع الاستثمار السياحي الوافدة من الخارج، والأخذ بعين الاعتبار وجوب أن يكون للقطاع العام وجود في الاستثمار السياحي القائم حالياً (والجديد المناسب)، وأن يتم استثمار أية منشأة سياحية عامة بأيدي القطاع العام لما فيه مصلحة البلد، لا أن يتم إعطاؤها (بالمساومة عليها كما هو حال بعض المنشآت الموجودة) لمستثمرين محليين متنفذين، أكانوا في السلطة أم في القطاع الخاص، بأسعار رمزية تسمح لهم بتحقيق المزيد من الأرباح، بدلاً من أن يقوم القطاع العام نفسه باستثمارها وتعود أرباحها للميزانية العامة للدولة.

 

السياحة الشعبية

 

وفي ميدان الاستثمار السياحي الخدمي الشعبي:  من المؤكد أن عدداً غير قليل من المواطنين لا يقدرون على امتلاك موطئ قدم على شاطئ البحر ولا يمكنهم دفع بدلات الإيجار الكبيرة لساعات أو لأيام متى رغبوا زيارة الشاطئ، ما حدا بالكثيرين من أبناء الساحل والداخل (أفراداً وجماعات) إلى النزول إلى الشاطئ والغوص في مياه البحر في مواقع غير نظيفة وغير مؤهلة وغير خاضعة للمراقبة، وترتب على ذلك العديد من الحوادث، إذ لا يكاد يخلو عام من حوادث غرق عديدة لأبناء أكثر من محافظة نتيجة  دخول الكثيرين إلى البحر من مناطق غير معدة مسبقاً لذلك، ما يتطلب أن تعمل الجهات الرسمية المعنية بالشاطئ، في كل من محافظتي اللاذقية وطرطوس، على إعادة النظر في الملكيات الحالية للشاطئ، والعمل على تخصيص عدة مواقع على طول الشاطئ  بمحاذاة البحر، وبعرض وعمق كافيين وبمساحات تتراوح حول خمسة هكتارات في ضوء الممكن ضمن كل موقع، وبمسافة فاصلة بين كل موقع وآخر بحدود /10/ كم وتحضيرها وتجهيزها لمصلحة السياحة الجماهيرية العامة من أبناء المحافظة، والرحلات الطلابية والعمالية والشعبية القادمة من بقية المحافظات، وخاصة في أيام العطل الأسبوعية والأعياد وفي موسم الاصطياف، على أن تكون هذه المواقع مؤمَّنة بالضروري من الخدمات والمرافق العامة من ساحات وحدائق وملاعب أطفال، وأن يتضمن كل موقع منشآت تجارية وخدمية تؤمن للزوار متطلباتهم بأسعار شعبية، وحبذا أن تعمل كل وحدة من وحدات الإدارة المحلية (المدن والبلدات والبلديات الموجودة على طول الشاطئ) على تجهيز هذه المواقع واستثمارها لمصلحتها، بما يؤمن نفقات خدمة وتحسين وصيانة هذه المواقع، ويضمن تحقيق بعض الريعية لمصلحة ميزانيتها السنوية، من خلال تحميل الداخلين إليها دفع رسوم رمزية، إضافة إلى عائدات الإيجار المتحصلة عن طريق طرح استثمار المحلات والمنشآت الخدمية المعدّة في هذه المواقع، وأرى من المفيد أن تسارع وزارة الإدارة المحلية لتوجيه المحافظتين بضرورة توجيه مجالس المدن والبلدات والبلديات المتاخمة للشريط البحري لإجراء كل ما يلزم لتحديد هذه المواقع وتملكها وتجهيزها، وحبذا أن تسارع شركات القطاع الخاص المتعددة الناشطة في المحافظة أو خارجها، للتباري فيما بينها لتجهيز هذه المواقع على نفقتها الخاصة منفردة أو مجتمعة، تبرعاً منها، تحقيقاً لمعادلة التشاركية التعاونية بين العام والخاص والأهلي، وحريٌّ بنا أن نعترف أن لبعض رجال الأعمال مساهمات خيرية مشكورة بعضها منظور وبعضها مستور.

 

رشادٌ استثماريّ

 

الاستثمار الأمثل للشريط البحري السوري يؤمن المزيد من الدخل الوطني، ما يتطلب الحكمة في استثماره، عبر التخطيط بالتأني والتنفيذ بالتبني، شريطة الأخذ بعين الاعتبار أهمية إقامة محطات الصرف الصحي التي تمنع وصول المخلفات غير الصحية إلى الشاطئ، والحفاظ على كثير من الأراضي الزراعية الخصبة، ما هو مشجر منها أو مستثمر في الزراعات الحقلية المتنوعة، وخاصة المحمية ذات الأهمية الكبيرة لدخل واستهلاك المواطن السوري، شريطة اجتناب حصول أي غبن بحق الذين قد يتم استملاك عقاراتهم للمصلحة العامة.

 

عبد اللطيف عباس شعبان

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]