عودة “متسللة” إلى الخانة المخصصة للإصلاح العقاري في الذاكرة التنفيذية ..التقييم العقاري “ضربة معلم لم تُعلّم” في سوق متمردة..فماذا بعد؟؟

 

خاص – الخبير السوري:

لم تفلح الوصفات الجاهدة لتقويم اعوجاجات السوق العقارية في سورية، بتحقيق ما تصبو إليه الحكومة وفق تصريحات مسؤولي الجهاز التنفيذي ذي الصلة بقطاع “الإثراء السريع” والتي تدور حسب المزاعم الراشحة من أروقة الإشراف حول تنصيب جملة من الأدبيات والتقاليد الرصينة لأداء سوق طالما كانت منعتقة من أية ضوابط.

ونذكر أنه وبعد أعوام من الأخذ والردّ بين الجهات المسؤولة عن شجون قطاعنا العقاري الملعون بلعنة التمويل الأبدية، وما تكشف بين الفينة والأخرى من فضائح وقصور في سوق الإقراض العقاري، أقرّت الحكومة منذ سنوات قانوناً ينظم مزاولة مهنة “التقييم العقاري”، سواء من شخص طبيعي أو شركة مدنية أو تجارية.

المنتج الجديد – الذي لم يدخل حيز الفعل الحقيقي حتى الآن ربما بسبب الظروف العامة الصعبة – من شأنه أن يكشف القيمة والثمن الحقيقي للممتلكات والأصول بفرعيها الثابت والمنقول، وكذلك قيمة الضرائب “الشغل الشاغل” لجباة دوائرنا المالية. إن مهنة التقييم أو التثمين العقاري -في عُرف التمويل العقاري- باتت ثقافة متأصّلة لمعرفة معظم مركبات الاقتصاد، وتمييز القيم السوقية عن غير السوقية، عبر خبير محترف يقدم بالنتيجة رأياً نزيهاً ومستقلاً لمصلحة العقار، وليس لمصلحة أي من أطراف عملية التبادل العقاري، مقابل أتعاب معينة منصوص عليها  من الجهة المانحة لترخيص المزاولة.

إن هذه المهنة، التي تسمى في اقتصادات الجوار مهنة قضاة الأموال، نظراً لما تتمتع به من أهمية اقتصادية بالنسبة للمال العام والخاص، إن لم تُفصّل على مقاسات اقتصادنا -التائه بين الموجه والحر- لن تكون صمام أمان له، بل على العكس ستكون وبالاً عليه، كما اقتصادات عالمية وقعت ضحية فقاعات عقارية، أوصلت البعض منها إلى شفير الانهيار، بسبب التقدير الخاطئ لقيم العقارات.

أزمة السكن العصية على التغيير والحاضرة في حياة السوريين دون منازع، باتت رهن دخول هذا اللاعب إلى قطاع، ما زالت الأسعار فيه تتشبث بقممها الملتهبة، علماً أن الصعود العاصف الذي رفع أسعارها منذ ثلاث سنوات إلى معدلات خيالية، توقف. لكن الأسعار لم تهبط بعد، وبقيت “جنونية”.

بريستيج

منذ التسعينيات، وجمود لا مثيل له يخيم على سوق إقراضنا العقاري، لجهة تقييم العقار الذي ترغب المؤسسة المصرفية بإقراضه، الأمر الذي يؤثر في ملاءة الضمانات التي تطلبها من المقترض، الذي قضى في بعض الحالات 20 عاماً بحثاً عنها، ومن ثمّ أصبح في ذمة الله، دون أن تخطو قدماه عتبة البيت الموعود. الغاية من إقرار مشروع قانون ينظم مزاولة مهنة التقييم العقاري في قطاعنا المائع، تأتي كخطوة ضرورية لتنظيم سوق الإقراض العقاري، حيث يوائم التخمين العقاري بين قيمة العقار وأسعار السوق، مع مراعاة ما تفرضه طريقة المقارنة.

إذاً، تنظيم مزاولة مهنة التقييم العقاري، لا تنم عن اعتباطية أو موضة كما يرى الكثيرون من طلاب السكن. فالمقيّم العقاري، مهمته الأساسية تقدير قيمة الأملاك العقارية السوقية وليس تحديد سعرها، وهذه القيمة قد تكون في أحايين كثيرة الحافز لتقديرها.

زيادة العرض على العقارات مقابل الطلب في قطاع كان ولا يزال، يستقطب أكثر من نصف التوظيفات الاستثمارية، مرهونة بالمنتج الجديد الذي أجاز له القانون، أن يكون شخصاً طبيعياً (جامعياً)، أو شركة مدنية أو تجارية مجازة من هيئة التمويل العقاري. مع جواز تأسيس شركات تساهم فيها شركات مهنية دولية، على أن تحدد مساهمتها كشخص اعتباري بنسبة 25 بالمئة، وبما لا يتجاوز 49 بالمئة من رأس المال، وعدم جواز أن تمثل الشركات غير السورية، أو الترويج لها أو العمل باسمها، أو استخدام علاماتها التجارية.

مؤهلات

إن المهتمين والعاملين في هذا المجال، لا بدّ أن يتعرّفوا على المبادئ والأسس العلمية للتثمين العقاري، وتطبيقاتها في الواقع العملي، ليكونوا قادرين على ممارسة هذه المهنة باحتراف وفعالية. فاتباع المنهج العلمي المتكامل لأعمال التقييم العقاري، وتعلّم منهجية التقييم بالعودة إلى البيوع السابقة، يعدان خطوة ضرورية في مسيرة التقييم الطويلة، مقارنة مع عمليات التقدير الاعتباطي أو العشوائي، وما أكثرها في سوقنا!.

حريٌّ بخبير التقييم، أن يكتسب مهارات التثمين أو التقييم عن طريق حساب تكلفة العقار، وأن يلمّ بعلوم البناء والهندسة لتحديد الأبعاد والخواص الطبيعية للأملاك، إضافة إلى معرفته بعلوم المساحة والاقتصاد، والمحاسبة والإدارة المالية والتمويل، والجغرافيا، وذلك من أجل تقدير حركة السكان ‏والاستثمارات لتوقع العرض والطلب على الأملاك، ومدى تأثير هذا على قيمتها مستقبلاً.

ممّا لاشك فيه، أن أهم عناصر كفاءة أداء الخبير لعمله، هو خبرته السابقة و‏تنوعها ومدى متابعته للحديث منها على مبدأ التعليم ‏المستمر، شأنها شأن أي مهنة أخرى. ولعلّ هذا هو السبب في أن سجلات خبراء التقييم ‏العقاري في دول الجوار، تجدد كل ثلاث سنوات لتقييم أداء الخبير لأعماله، و‏مدى قدرته على استيعاب متغيرات السوق.

صفوة القول، خبير التقييم، إن لم يكُ مؤهلاً بشكل يتفق مع خطورة المهمة الملقاة على عاتقه، فإن البون بينه وبين أي سمسار أو وسيط عقاري، لن يكون شاسعاً، وتالياً فإن معرفته بالقواعد الموضوعية والشكلية لإعداد تقرير التثمين، ستكون من باب جبر الخواطر.

هواجس

لا يخفي المهتمون بشجون قطاعنا المرتبك، مخاوفهم من تحوّل المكاتب العقارية والسماسرة والوسطاء إلى مقيمين، أو خبراء، أو “شقيعة” عقاريين، على اعتبار أن التقييم العقاري، مهنة عبارة عن مرحلة أساسية للتمويل العقاري.

فالتثمين العقاري، بشهادة الخبراء أنفسهم، أداة من الأدوات الأساسية التي يعتمد عليها نظام الرهن العقاري، ودراسات الجدوى الاقتصادية، وغيرها من الأنشطة التجارية، فضلاً عن أنه مثل أي حرفة مبنيّ على أسس وقواعد علمية، وليس على فرضيات وآراء شخصية، وكذلك مؤشر مهم جداً في جميع الاستثمارات العقارية.  لكن كل تلك الدعائم والاشتراطات، لا تجعل هذا المنتج بعيداً عن المتطفلين من غير أهله، الأمر الذي قد يهدد مستقبل هذه المهنة الواعدة ومصداقيتها أيضاً، وربَّ سائل يسأل؟ ويجيب آخر: إن التقييم العقاري بكل بساطة لا يعتمد على وجهة نظر المقيم الخاصة فقط، لوجود مبررات علمية يجب الأخذ بها أثناء التقييم، فالمطلوب إذاً، نشر الوعي عن كيفية اكتشاف الخطأ في التقييم من غير المؤهلين علمياً ومهنياً.

هيئة التمويل العقاري، بدورها تمتلك الحق في معاقبة أي مقيِّم عقاري بالتنبيه الخطي والإنذار والإيقاف عن مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو إلغاء الترخيص، إذا أخلّ بالمسؤوليات المنوطة به، أو بقواعد ومعايير المهنة وآدابها، أو ارتكب تصرفاً يسيء إلى مكانتها. عسى أن نرى ذلك فعلاً لا قولاً.

 

استعراض

حلحلة معضلة التمويل في قطاعنا العقاري، باتت على المحك من خلال تقييم الضمانات (الشخصية أو العينية) التي تقدمها شركات التمويل العقاري أو إعادة التمويل، أو أية جهة مصرفية أخرى. لكن، إن لم تصدق النبوءة، فما بالوسع فعله؟ بالتأكيد لن نبكي على الأطلال كما فعلنا مع المطورين العقاريين الذين تحولوا إلى متاجرين بالأراضي، ومن ثم إلى مضاربين من الطراز الرفيع، وهم يبادلون المفسدين في السوق، “رقصات المنفعة المتبادلة”.

التقييم العقاري، لن يعيد الألق لقطاع يخيم شبح الركود عليه منذ عقود، ولن يخرجه من براثن فوضى عقارية بامتياز تشرح فوضى الاقتصاد بأكمله، إلى النور..!.

بقي أن نقول: إن حالف الحظ هذا المنتج في إعادة تنظيم شجون قطاع راح ضحية قطار اقتصاد موجه، واليوم ضحية اقتصاد السوق، فإن أزمة السكن ستتلاشى تباعاً، وإذا لم يحالفه الحظ، ولن يحالفه، فعلى الجهة الناظمة لعمله والمخولة إعطاءه شهادة حسن سلوك أسوة بالمطورين، أن تعدّ كُتيبات تعليمية لمزاولي المهنة، من قبيل (كيف تعدّ خبيراً، أو تعلّم كيف تقيم عقاراً في خمسة أيام).

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]