“عقلنة الدعم” ضربة قاسية للصناعيين بهيئة ممر إجباري..والعلاج بسياسة تشغيلية “رعائية”..

 

 

دمشق – الخبير السوري:

نظريا نستطيع قبول سياستنا الاقتصادية لعقلنه الدعم، فهي سياسة تدعو للحفاظ على ممتلكاتنا الوطنية من النقد ومنع تهريبها، بالرغم من أن الارتفاعات السابقة  للمحروقات لاقت رفضا كبيرا نتيجة الانعكاسات التي رافقتها من غلاء للسلع بكافة أنواعها، والتي حاولت الحكومة التعويض عنها بزيادة الدخل للفرد، وعلى مستوى الأفراد فأن المعادلة قد تكون مقبولة نوعا ما إلى جانب الكثير من التقنين في استهلاكنا اليومي للمواد الغذائية والأساسية أيضا،وذلك من مبدأ تحمل جزء مما تعانيه بلدنا من أزمات اقتصادية واجتماعية وغيرها.

انعكاسات

أما إذا أردنا البحث عن انعكاسات ارتفاع المحروقات على شركات ومنشات ومصانع لا تزال تخطو الخطوة الأولى في عملية الإنتاج، يظهر لنا الكثير من السلبية لقرار رفع أسعار المحروقات على الصناعيين، لأن هذا الارتفاع يسبب ارتفاع الكلفة الصناعية الموجودة من قبل، والذي سيؤدي إلى زيادة معدلات التضخم ووجود أثار عكسية على تكلفة أنتاج السلع وخاصة الصناعية منها وربما سيؤثر على جودتها، ومع التسهيلات الكبيرة التي تقدمها الحكومة للقطاع الصناعي لتعزيز وجوده واستقراره إلا أن الكثير من الصناعيين اعتبروا هذا القرار مجحف بحقهم.

مغالطة

إذا كانت العقلنة الاقتصادية تعني كفاءة استخدام الموارد والعدالة الاجتماعية ، وهي المصطلح آو الطريق الأسهل للمضي في  تطبيق السياسات الليبرالية عبر المزيد من تحرير الدعم الاجتماعي والتخلص من عبء ضبط الأسواق ومراقبة الأسعار ومنع الاحتكار، فأن بعض الصناعيين وأصحاب المنشات راو أن رفع الدعم عن المحروقات بالنسبة لهم  بمثابة ضربة قاسية خاصة في مرحلة إعادة تدوير حركة الإنتاج، في الوقت الذي كان من المنتظر قرار حكومي ينشط الصناعة والإنتاج للوقوف أمام فوضى السوق ودوامة الغلاء والتضخم،علما أن أسعار المشتقات النفطية مرتبطة بتوفر القطع الذي سيؤمن عن طريق الإنتاج والتصدير، ومن وجهة نظر بعض الصناعيين كان يتوجب اخذ قرارات من شأنها أن تدعم تعافي منظومة الإنتاج بكل أنواعه الزراعي والصناعي وغيره، إضافة إلى إجراءات لتنشيطها وتصديرها، لأن ذلك سيساهم في تخفيض أسعار الصرف  والتخفيف من الحاجة لرفع أسعار المشتقات النفطية، لكن عندما ترتفع تكاليف الإنتاج وبحسب أصحاب الخبرة فأن هذا الارتفاع سيؤدي إلى دوامة تضخمية ستزداد قوة وستتسبب في ارتفاعات جديدة وقادمة للمحروقات،ودعا الصناعيين الحكومة إلى إتباع حلول سياسة تشغيلية رعائية وتقديم إعفاءات لصغار الكسبة  وللمزارعين وللصناعات الصغيرة والمتوسطة لمساعداتها على الانطلاق نحو تحقيق الإنتاج.

التوقيت

كيف لعقلنه الدعم أن تعني رفع أسعار حوامل الطاقة في السنة السادسة للحرب ،وهل هنالك وقتا أفضل وأنسب للمزيد من الدعم الاجتماعي غير وقت الحرب والأزمات ،لكن الحكومة الحالية استطاعت تحت مسميات ليس لها علاقة بعلم الاقتصاد أو العدالة الاجتماعية أن تطبق أقسى صدمات التحرير الاقتصادي ،ذلك الذي عجزت عنه حكومات ما قبل الأزمة، ما أدى إلى تخوف الصناعيين من سياسة عقلنه الدعم  خاصة أن معظمهم يعاني ما يعانيه من قروض وتامين مواد أولية وأيدي عاملة وغير ذلك من مستلزمات الإنتاج،وعلنا نخفف من ثقل هذا التخوف بكشف رأي مصدر هام في وزارة الاقتصاد والذي أكد لـ”لبعث” أن السعر العالمي للمحرقات اعلي من السعر المحلي، لذلك تحول قرار رفع أسعار المحروقات إلى ضرورة حتمية لمنع استنزاف المحروقات التي تؤمنها الحكومة للمواطنين بمبالغ هائلة ويتم تهريبها بطرق غير شرعية لدول مجاورة وبأسعار بخسة، ويتابع المصدر أن تامين المحروقات أولوية الحكومة لكن إجراءات عقلنه الدعم وبحسب المصدر لابد منها من اجل المحافظة على الثروة الوطنية وعلى الاستمرار في تامين المحروقات للصناعيين.

 المصدر ألقي بالعتب على الصناعيين، فكما يرى يجب بدورهم أن يكونوا جاهزين ومستعدين لحالات الارتفاع المتوقعة لأسعار المحروقات، وعلل ذلك أن تصدير منتجاتهم سيكون بالدولار أي بالعملة العالمية، أما فيما يتعلق بارتفاع أسعار المواد الأولية فكشف مصدرنا في وزارة الاقتصاد أن هذا الارتفاع سينعكس على التكاليف وأسعار المنتجات المحلية، مبينا أن الوزارة ساهمت كثيرا في حل جميع العقبات التي يعاني منها الصناعيين من خلال قانون دعم الإنتاج والصادرات والذي يغطي جزء كبير من تكاليف أنتاجهم، حتى لا يؤثر على القدرة الشرائية للمواطن.

استخفاف

قد يكون من المستغرب ذلك الاستخفاف الحكومي بعقول السوريين وخاصة الاقتصاديين منهم حين يسوغ الخطاب الاقتصادي الحكومي ارتفاع الأسعار بأنه تعديلا لأسعار المحروقات وليس زيادة أو ارتفاعا أو تحريرا للأسعار، وأنه مرتبط بارتفاع أسعار النفط عالميا مع أن أسعار النفط عالميا في أدناها ،وأنه مرتبط بمنع التهريب إلى الدول المجاورة مع أن سعر “تنكه” البنزين في لبنان أصبح الآن اقل من سورية وأن متوسط الأجور في لبنان هو 1200دولار بينما في سورية 50 دولار، هذا ما أكده الدكتور عدنان سليمان المتخصص بالسياسات الاقتصادية بجامعة دمشق  موضحا أن ارتفاع أسعار المازوت  يولد سلسلة ارتفاعات متتالية في كل مراحل الإنتاج والنقل والتوزيع وصولا إلى المستهلك الأخير ،لأن المازوت أو الفيول الصناعي يدخل كمادة رئيسية في مستلزمات ومدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي، وبالتالي أن ارتفاع تكاليف الإنتاج المادي في الوقت الذي تعاني فيه الزراعة والصناعة بالأساس من شبه توقف لعملية الإنتاج يعد ضربة موجعة تهدد أخر ما تبقى من أمال إعادة إقلاع العمل الإنتاجي.

 دفاع

تقدم الحكومة امتيازات كثيرة لأصحاب المنشات والمعامل ويبين لنا المصدر في وزارة الاقتصاد أن المنتج السوري يدعم مرتين الأولى في عملية أنتاجه، والثانية في عملية تصديره، بالإضافة إلى العديد من الخطط الصناعية والتي تقوم بها الوزارة لدعم شركات الإنتاج وتصريف المنتجات بالسوق المحلية للحفاظ على استمرارية الإنتاج وتحسين نوعه، وهذا الدعم  ينعكس على المواطن من خلال هذه السياسة، لذلك فان سياسة عقلنة الدعم ستوصلنا إلى حل منطقي لحماية الاقتصاد الوطني من التهريب وحرمان المواطن من المحروقات والذي حصل سلفا عن تعويض لهذا الارتفاع.

ليس حلا

يكفي السوريين المزيد من انهيار سعر الصرف وتأكل القوة الشرائية ودخولهم التي لم يبق منها أكثر من 10% بعد الارتفاعات الجنونية في الأسعار التي تجاوزت العشرة أضعاف ومعدل التضخم التراكمي الذي تجاوز1000% ،ليفاجئوا مؤخرا بارتفاعات جديدة بأسعار حوامل الطاقة من غاز وبنزين ومازوت  ليتحول أكثر من 87%من السوريين إلى ما دون خط الفقر العالمي، بهذه الرؤية الاقتصادية يجيب سليمان مضيفا أن كل ذلك لا يخرج عن توجهات السياسة الليبرالية التي تعتبر التجارة والخدمات قاطرة النمو الاقتصادي، وليس الإنتاج المادي ،حيث لم تنفع كل نداءات الصناعيين والمزارعين للحكومة بدعم مستلزمات الإنتاج وتوفير بيئة إنتاجية مناسبة لإعادة النمو الاقتصادي إلى حالته الايجابية .

خيار إجباري

إتباع سياسة عقلنة الدعم في هذا التوقيت يعد خيار إجباري لأنه الأسهل والأسرع باللجوء إلى المساس بأصحاب الرواتب والأجور المنخفضة دخولهم ، بدلا من التوجه إلى أصحاب الرساميل والثروات بفرض ضرائب على أعمالهم الاحتكارية وثرواتهم التي تضاعفت إثناء الأزمة عشرات المرات ،والسؤال الم تحدد الحكومة منذ بداية الأزمة وحتى اليوم خيارها وتوجهها علانية وصراحة بالانحياز إلى حيتان السوق وأصحاب الرساميل الكبيرة بإطلاق يدهم عبر الفساد والاحتكار وعدم المساس بإرباحهم، بينما راحت تبدع في إيلام أصحاب الرواتب والأجور عبر تأكل دخولهم والقوة الشرائية لليرتهم، وعبر ارتفاعات مستمرة لسعر الصرف والتضخم.

ميادة حسن

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]