خصخصة هادئة وسلسة على إيقاع حرب هادرة.. تشاركية “تحت الطلب” تفتح شهية هواة استثمار سورية وليس الاستثمار فيها..

 

 

خاص – الخبير السوري:

طُرحت فكرة الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام منذ فترة زمنية بعيدة, كنوع مبطن بريء من الخصخصة، وقد نُفذت في بعض الحالات بصيغ شتى الهدف منها القضاء على القطاع العام ونهبه ثم تصفيته. فوق ذلك فهي لا تتطلب من القطاع الخاص استثمار أموال كثيرة, بل كل ما عليه استثمارات صغيرة على شكل “ترقيع” لا تخلق فرص عمل إضافية, بل تقضي على فرص عمل قائمة تحت ذرائع شتى منها “ترشيد التشغيل” و”التخلص من العمالة الزائدة” و”تطوير المنشأة” وغيرها.

مثال على ذلك, ما تمّ إنجازه وافتتح في نهاية عام 2011، في منطقة مساكن برزة- بدمشق، إذ بدأ منذ أكثر من عام الهدم وإزالة الجدران وتحويل المجمع الضخم إلى متجر ضخم من طابقين تبلغ أبعاده حول 105خطوات طولاً و35 خطوة عرضاً تقريباً وتبلغ مساحته الطابقية 73×25×2م2= 3650 م2 وقيمة البناء أكثر من 36 مليار ل.س تضاف إليها قيمة الأرض التي مساحتها قرابة 2000م2 وقيمتها مليارات الليرات السورية.

سمي حينها بما يتناسب مع “الأمركة” التي تستشري مع الخصخصة “مول” وليس متجراً أو مجمعاً استهلاكياً! فوباء الأسماء الأجنبية على المنشآت والمحال التجارية ومنتجاتها, استشرى بشكل لا يليق بقطر عربي سوري ممانع! وكان ممنوعاً في السابق!.

تحت الطاولة

كم دفع المستثمر ليصبح شريكاً؟ وعلى ماذا يحصل مقابل هذه الشراكة؟ كم حصته من الأرباح والقرار في مجلس الإدارة؟ بكم تم تقييم الأصول الثابتة والموجودات؟ ما هو مصير عمالها؟ هل حفظت حقوقهم؟.

هل تمّ “استئجاره” وكم كانت الأجرة السنوية وكم مدة العقد؟

هل هذه التجربة جديرة بالتكرار؟ وبأية شروط تتحقق المصلحة العامة؟

ماذا لو قام القطاع الخاص ببناء مجمع تجاري جديد على حسابه,عوضاً عن هذه الشراكة المزعومة؟ كم كان سيستثمر وقتها؟ 10 مليارات ل.س أم20 مليار ل.س أم50 مليار ل.س؟ كم كان سيخلق فرص عمل جديدة في قطاع البناء وقطاع التجارة؟ وكم سيزيد الطلب في الوضع الاقتصادي الحالي الذي يعاني من الركود؟

ما هي شروط العقد؟ أليس من حق الجمهور معرفة ذلك, ما دام القطاع العام ملكية عامة؟.

من يملك حق الإدارة؟ وهل يتناسب ذلك مع حصص الملكية بين القطاعين الخاص والعام؟.

كيف توزع الأرباح؟

فهذه الشراكة تعفي القطاع الخاص من المغامرة, لأن المشروع قائم على الأرض, ولأن رأس المال المستثمر ليس كبيراً!.

حدث ذات يوم

يقضي الرشاد الاقتصادي بأن يشيد القطاع الخاص شركات زراعية وتجارية ومصانع جديدة وغيرها, انطلاقاً من إستراتيجية التنمية الاقتصادية العامة واستراتيجيات التنمية الزراعية والتجارية والصناعية الخ., لا أن “يلهط” الشركات والمنشآت والمصانع القائمة, تحت مسمى “الشراكة”.

لقد بيع مصنع في “برلين”عاصمة ألمانيا مساحته نصف مليون م2 ويشتغل فيه نحو 6000 مهندس وعامل فني وغيرهم, بمبلغ مارك واحد! عندما تمت خصخصة المصانع والمنشآت في جمهورية ألمانيا الشرقية بعد أن تم إلحاقها بجمهورية ألمانيا الاتحادية، كان عماله يريدون شراءه, لكن طلبهم رفض وتمت الصفقة تحت الطاولة! لكن العمال تابعوا الموضوع ونشروه في الصحافة الألمانية، ترافق الفساد مع الخصخصة في الاتحاد السوفييتي السابق ودول أوروبا الشرقية, فهل اختلف الأمر لدينا مع مجريات التشاركية التي ابتكرها النائب الاقتصادي في الحكومة السابقة.

كيف لشراكة أن تتم بين القطاع العام الذي يطمح لإرواء الطلب وتوفير فرص عمل جديدة ويكتفي بتغطية تكلفته, مضافاً إليها هامش أرباح متواضع جداً, لأن هدفه بناء صناعة متطورة واقتصاد متين, وبين القطاع الخاص, الذي يهدف إلى تعظيم أرباحه أو تعظيم حجم مبيعاته أو الحصول على أكبر حصة من السوق الخ. وإلى أهداف أخرى محتملة؟.

وهم

توهم هذه “الشراكة” المزعومة بين القطاع العام والخاص المواطن بأن الأسعار معتدلة، هل يجوز للقطاع الخاص أن يتولى تشييد وإدارة مشاريع البنية التحتية مثل الطرق والكهرباء والهاتف والماء وغيرها؟.

هذا القطاع سيادي ولا يجوز أن يتولاه إلا شركات القطاع العام، لا يجوز أن تتولاه شركات القطاع الخاص سواء أكانت عربية سورية أم عربية من الأقطار الأخرى أم أجنبية من أي قطر كان!. إن التخلي عن السيادة أمر خطير جداً يعرّض الأمن الاستراتيجي للقطر العربي السوري والأمة العربية للخطر على المديين القريب والبعيد.

القطر العربي السوري قلب الأمة العربية وهو سبّاق إلى التحرر والعمل القومي العربي وسباق إلى بناء الأسس القويمة التي تحفظ استقلال الأمة العربية وهو قدوة لباقي الأقطار،فعندما وقّع السادات الخائن “اتفاقية كامب ديفيد” وتابع مبارك سياسته في الحفاظ على هذه الاتفاقية بما في ذلك ارتهان جمهورية مصر العربية للعدو الامبريالي الأمريكي- الأوروبي- الإسرائيلي, “شرعن” لفتح الباب على مصراعيه لعقد اتفاقيات مماثلة تفرّط بالاستقلال مثل اتفاقية وادي عربة واتفاقية “الكويز” ومهد الطريق للتطبيع مع العدو الصهيوني “مشروع إسرائيل” بين أقطار عربية عدة واعترفت دول إسلامية كثيرة بـ “مشروع إسرائيل” ودول نامية أخرى, تحت مسمى: ما دامت دول عربية قد اعترفت بالعدو الصهيوني, فلا نلام إذا حذونا نحن حذوها؟.

تغريرٌ دولي

عندما يتخلى القطر العربي السوري عن ملكية البنية التحتية, يفتح الطريق لباقي الأقطار العربية ويشجع من سبقه للتمادي في هذا الطريق الشديد الخطر على الاستقلال.

هذه هي وصفة صندوق النقد الدولي القاتلة للدول النامية بشكل عام وللأقطار العربية والإسلامية بشكل خاص, كي تتراجع الدولة عن القيام بمهماتها وتتضاءل تدريجياً, ليتولى القطاع الخاص الذي تستطيع السيطرة عليه بآليات عديدة, فتوجهه كما تريد, ضد مصلحة الأمة العربية والعالم الإسلامي بما يخدم مصالح العدو الغربي.( لمزيد من التفصيل أنظر أيضاً: خصخصة النقل الداخلي, تخلّ عن مطرح سيادي واستجابة لوصفات مستوردة).

والخطوة التالية مشاركة القطاع الخاص الأجنبي بملكية البنية التحتية أو تملكها كلية, فيصبح المواطن يدفع فاتورة الكهرباء والماء ورسوم عبور الطريق السريع وفاتورة الهاتف الخ، لشركات أمريكية أو أوروبية أو إسرائيلية! (أكثر من 40 % من الشركات في القطر العربي الأردني التي خصخصت اشترتها شركات من “مشروع إسرائيل”.

موضوعية

سببٌ ثانٍ يقف ضد وجهة النظر التي تطالب بشراكة القطاع الخاص مع العام في مشاريع البنية التحتية, وهو أن القطاع الخاص يهدف إلى تعظيم أرباحه، هذه فلسفته وهذا حقه, في حين يهدف القطاع العام لتقديم خدمات جيدة بأسعار تغطي التكلفة وتزيد عنها بهامش ربح متواضع وليكن حول10 %! بمثل هذا الهامش من الأرباح لا يعمل القطاع الخاص ويشترط أضعافه!.

عندما يهيمن القطاع الخاص أو فلسفته على هامش الربح المرتفع, ترتفع تكلفة الإنتاج في القطاع العام والخاص و”المشترك” وترتفع تكاليف معيشة المواطن.

التاريخ شاهد

في الثمانينيات كلفت شركة من ألمانيا الاتحادية بدراسة الجدوى الاقتصادية لإعادة تسيير الخط الحديدي الحجازي تحت ذريعة أن الشركات التي أنشأت الخط الحديدي الحجازي قبل قرابة قرن كانت ألمانية، وتم تجاهل الخبرات الوطنية في إعداد هذه الدراسة، وخلصت الدراسة إلى أنه من غير الاقتصادي إعادة تسيير الخط الحديدي الحجازي بحجة أن عائده الاقتصادي صغير حول 6 %!. حاولت الجهة الدارسة تعظيم التكاليف المتوقعة وتقليل الإيرادات المتوقعة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً وتجاهلت مزايا ومنافع عديدة متوقعة اجتماعياً واقتصادياً لأن الغرب لا يريد للعرب أن يتكاملوا اقتصادياً, وقد نصح الغرب إبان ثورة الشريف حسين في الحرب العالمية الأولى العرب بتدمير هذا الخط!.

القطاع العام يقبل بهامش ربح صغير ولو كان 6 % فقط, لأنه يهدف إلى تقديم الخدمات الضرورية لتطوير الاقتصاد وتخفيض زمن النقل وتكلفة الخدمات كي يصبح الاقتصاد كله في وضع تنافسي أفضل، والمستثمر الخاص لا يعنيه ذلك, بل يتعارض مع أهدافه في الحصول على أكبر ربح ممكن وفي أقصر زمن، قد يكتفي في البداية بأن يملك أكبر حصة في السوق, ولكن ريثما يحتكر السوق ويفرض السعر والشروط التي تعظم أرباحه لاحقاً!.

تنكّرٌ

تأخذ الخصخصة صيغاً عديدة, منها ما يسمى “الشراكة مع القطاع العام”، وتريد هذه الصيغة أن تجعل مخاطرة القطاع الخاص أقل ما يمكن, ومخاطرة المستثمر وابتكاره, هي ما يبرر في النظرية الرأسمالية التقليدية من أيام “ريكاردو” و”آدم سميث” و”كينز” الربح!.

ثانياً تهدف إلى جعل المستثمر الرأسمالي يوظف أقل ما يمكن من الأموال, ليحصل في النهاية على أعلى الأرباح بأقل مخاطرة وأقل رأسمال, لأن المشروع أنشأه القطاع العام ووظف رأسَ مال كبيراً, ولأن العقبات الكثيرة مزروعة في طريقه (كي يفشل أو كي يكون ربحه صغيراً, أو حتى كي يبدو خاسراً) مثل الجهات الوصائية الكثيرة جداً التي “تعرقل”عمله ولا تنظمه, فتمنعه من تجديد معداته وتجهيزاته وآلاته عندما يرغب, و”يستحوذ” صندوق الدين العام على اهتلاك المعدات والتجهيزات, المعدة أصلاً للاستبدال, فيصبح بحاجة كي يجددها إلى الموافقات الكثيرة جداً من الجهات الوصائية الكثيرة وإلى الأموال. ولو بقيت الأموال التي يدخرها لاستبدال معداته في حوزته, لكان قادراً بنفسه اعتماداً عليها وعلى أرباحه, التي تأخذها السلطات المالية كلها ولا تبقي له شيئاً, على أن يجدد معداته عندما تقتضي الضرورة الاقتصادية والفنية ذلك, كما تفعل الشركات الخاصة.

مضمارٌ آخر للّعب

القطاع الخاص الوطني المنتج له مكانته الراسخة في الاقتصاد وينبغي فتح الأسواق الخارجية له ودعمه في الأسواق الداخلية عبر الحواجز الجمركية وحمايته من “الإغراق” الذي تمارسه شركات أجنبية كثيرة، وعبر إعداد تقسيم عمل جديد بين الشركات والمصانع داخل القطر فيما بينها من شركات قطاع عام أو قطاع خاص. ومع المصانع والشركات في الأقطار العربية الأخرى, يخلق تشابكاً فيما بينها سواء على المستوى القطري أم على المستوى القومي. حينذاك يتشكل مضاعف للاستثمار, تنتقل منافعه إلى الشركات الأخرى. وكل انتعاش اقتصادي في فرع اقتصادي ما أو صناعة ما أو حتى مصنع كبير, ينتقل منه إلى باقي الفروع والشركات.

أما أن يحصل القطاع الخاص على أرباحه دون استثمارات تذكر, بل عبر التسلط على منشأة قائمة للقطاع العام ونهبه، فهذا لا يجوز أن يسمح به.

يفعل القطاع الخاص الطفيلي ذلك بالتعاون مع قوى الفساد, فيجفف إيرادات الخزينة ويخرب الاقتصاد والمجتمع.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]