ثغرات النظام الضريبي السوري “بوابات” نزيف حاد لموارد الخزينة العامة..والاستدراك مطلوب جراحياً اليوم قبل الغد..

دمشق – الخبير السوري:

دفعت الرغبة بالإصلاح الاقتصادي العديد من الدول المجاورة إلى وضع قانون ضريبي يتناسب ويتماشى مع متغيرات دورة الحياة الصناعية والاستثمارية وحتى الفردية، وذلك بغية تطوير النظام الضريبي من خلال تخفيض الضريبة عن الرواتب والأجور، وزيادة الإعفاءات الشخصية لذوي الدخل المحدود بهدف   تشجيع الإنتاج والاستثمار والتصدير، والتركيز على الضرائب المفروضة على أوجه استخدامات الدخل كالممتلكات والميراث وغيرها.

اختلاف رأي

وبما أن الإصلاح المالي هو نقطة الانطلاق في عملية الإصلاح الاقتصادي سواء على صعيد الإنفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري، أو على صعيد الموارد وفي مقدمتها الموارد الضريبية بشقيها المباشرة وغير المباشرة، يرى البعض وهم من أهل العلم والاختصاص أن تجربتنا المحلية في قانون الضرائب رقم / 49/ لم تتعد التعديلات على بعض بنود قانون الضرائب والرسوم، معتبرين أن هذا الإجراء غير كاف لتحقيق العدالة الضريبية في مجتمعنا، ولا يفي بمتطلبات المتغيرات السريعة لحركة المجتمع، بينما يرى المسئولين الإداريين والمنفذين لقانون الضرائب بأنه جيد ويتماشى مع واقعنا الحالي، ويحقق إيرادات كبيرة ومرتفعة لهيئة الضرائب والرسوم دون أن يعيروا العدالة الضريبية أي اهتمام.

اختلاف

بين صد ورد يلاقي قانون الضرائب في سورية جدلا كبيرا بين المسئولين من جهة، وبين المفكرين والأساتذة المختصين في جامعاتنا الذين يجمعون على أن قانون الضرائب الآن هو عبارة عن نسخة مشوهة عن قانون الضرائب الفرنسي من جهة أخرى، وكما ذكر أستاذ الاقتصاد المختص بالضرائب والرسوم د.ابراهيم العدي أن جميع دول العالم تخلت عن فكرة إصلاح النظام الضريبي أو الاعتماد على تغيير بنوده فقط، بل كان هناك توجه كبير من تلك الدول لإلغاء القانون القديم ووضع قانون جديد بالكامل يعالج جميع القضايا والثغرات والمستجدات في القانون الجديد.

أما من وجهة نظر مصدر مسؤول في هيئة الضرائب والرسوم والذي كان سلبيا في توضيح رأيه بالقانون أنه تم وضع قانون ضرائب جديد في سورية عام 2004 يفي بمتطلبات العمل الضريبي، وملم بجميع المشكلات الضريبية، معتبرا أن القانون كاملاُ ولا يوجد فيه ثغرات بل على العكس ما يراه البعض تماما.

وبالعودة إلى من كان بها خبيرا أوضح العدي أن القانون الحالي هو قانون “49” لكن تم تعديل بعض بنوده، وبالتالي فهو غير قادر على إعطائنا نتائج جيدة، لذلك لابد من إلغاء النظام الضريبي الحالي وإيجاد نظام ضريبي بديل، كما فعلت بقية الدول العربية والأجنبية، لأن الغاية هي إيجاد نظام ضريبة الإيرادات العامة، وإنهاء الإرباك الضريبي كإيجاد ضريبة واحدة للدخل بدل من وضع ست أو سبع ضرائب على راتب الموظف.

تهرب

ولدى وضع مسؤول هيئة الضرائب بصورة هذه الانتقادات والطلب منه بتوضيح لما يقال عن هذا القانون، كانت السلبية والتكتم سيدا الموقف، وبدا كأنه لا يملك أي تبرير فهو وكما وصف نفسه مطبقا للقانون، وأن مهمة تغييره تقع على عاتق وزارة المالية مكتفيا بتلميع النظام الضريبي الحالي، وهنا لابد لنا أن نذكر سورية قبل الأزمة والتي كانت من أكثر الدول في العالم تعاني من التهرب الضريبي إذ وصل عبئ التهرب الضريبي إلى 12% من الناتج المحلي، بينما يصل في مصر  كدولة مشابهة إلى22%، وأكثر الفئات تهربا هم الأطباء والمحامين والمهندسين والمحاسبين القانونيين، وهذا مؤشرا على أن تعديل بنود القانون ليس حلا ولا يمكن أن يفي بعملية الإصلاح المالي والاقتصادي.

نقد

نقد القانون الضريبي من قبل المختصين والخبراء جاء نتيجة دراسات عديدة قاموا بها أفضت إلى ضرورة استبداله، ووصف العدي نظام الضرائب الحالي بغابة من التشريعات المضللة والتي لا يمكن إجراء إصلاح ضريبي عليها نتيجة تردد الحكومات المتعاقبة في تغيير هذا القانون والاكتفاء بالتعديلات الضبابية، وهذا كان السبب الأساسي بقوننة وشرعنة التهريب الضريبي ونشر الفساد الضريبي، مضيفا أنه يجب علينا أن نسال من المستفيد من هذا القانون الضريبي، ونسأل المقصرين توضيح ماهية عملهم به..؟ وهنا لابد من الاعتراف أن هناك فئة من كبار التجار والصناعيين وأصحاب المصالح، يستطيعون التأثير في السلطة  التنفيذية والتشريعية ويعمدون على إبقاء هذا القانون متخلفا للاستفادة من ثغراته ليكون القانون على مقاس البعض، لذلك لم يكن هناك رغبة لإلغاء “القانون الضريبي” والاكتفاء بالتعديلات السطحية، فالجميع يشكو منه، التاجر، وزارة المالية، والطالب،  والمدرس وغيرهم .

ضرورة

تجتاح رغبة التغيير للقانون الضرائب وعدم الاكتفاء بالتعديلات أذهان الخبراء،  فالقانون الضريبي المعاصر يجب أن يتناسب مع الزمان والمكان، وأن يأخذ بعين الاعتبار المقدرة التكلفية للشخص لان الأسوأ هو تعميم الضريبة، وبحسب الدكتور العدي فان الضريبة يجب تشخيصها كرواتب الموظفين على سبيل المثال، ويتابع إن القانون عندما لا يكون فعال يخلق صراع بين وزارة المالية والمكلفين “الدافعين للضرائب” لذلك لابد من إيجاد نظام ضريبي عادل يفرض ضريبة على الفعاليات الاقتصادية والصناعية والخدمية بحسب دخلها، إذ لا يمكننا أن نقبل بضريبة على الشركات المساهمة 14% بينما تصل ضريبة الرواتب 22%، بالإضافة إلى البحث عن مطارح جديدة للضرائب.

من الآخر

تفرض علينا هذه المرحلة المفصلية في تاريخ مجتمعنا السوري إلى العمل بإتقان ودقة فيما يتعلق بقوانيننا الجديدة فبدلا من التعديلات المتكررة دعونا نستمع لخبرائنا من أساتذة الجامعات واتحادات الغرف التجارية والصناعية والنقابات المهنية في مناقشة القوانين الضريبية قبل إقرارها حتى نصل إلى قانون يحقق العدالة الضريبية، ولابد من التأكيد بان الحل لا يتوقف على بعض التعديلات وإنما يحتاج إلى تغيير جذري وكامل للقانون، (لان قص صوف الكباش خيرا من سلخ جلد الحملان).

ميادة حسن

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]