ميزات سورية من ذهب تضيع في أروقة القرار…استرخاء مريب في مساحات الخطأ الممنوع؟؟!!

 

خاص – الخبير السوري:

لعلنا لا ندعي باطلاً إن زعمنا أن قمحنا الذي ننتجه بات ثروة مهدورة، رغم أنه يبدو ادعاءاً غير مُنصف لهذه الثروة التي طالما كانت سرّ أمننا الغذائي، و” الحافظة” النقية التي حفظت ماء وجهنا في السنوات العجاف وسنوات الاسترخاء على حدٍّ سواء.

إلّا أن ما نرمي إلية هو أن ثروة ميزات نسبية ومطلقة فيما ننتجه من قمح، إذ يكفي أن نطلق مصطلح ” قمح سوري” في أي مكان من هذا العالم لنسوّق ما لدينا وبأعلى الأسعار، أي ثمة ما يمكن أن يوافينا فيه قمحنا من عائدات أكثر من مجرد كونه مادة أولية لصناعة رغيف الخبز، رغم إدراكنا لأهمية الأخير وارتقائه إلى مرتبة” مصيري وضروري” في تفاصيل يومياتنا كوطن ومواطن.

فا التفاصيل المكثفة والكثيفة في هذا السياق دفعت بوجهات نظر أكاديمية ترى أننا لم نستطع الاستفادة من القمح بالشكل المطلوب بما يملكه من ميزة نسبية حتى الآن، فالهاجس الناشئ في السنوات الأخيرة تمثّل بالبحث عن اكتفاء ذاتي طالما تغنينا به طويلاً في سنوات سابقة، فثلاثون بالمئة من المساحات الصالحة للزراعة كانت خارج دائرة الاستثمار، وهي مرشحة للزيادة بعد كل قرار حكومي لا ينصف الفلاحين، القمح القاسي مطلوب عالمياً، وسعره ضعف سعر الأقماح الطرية، إلا أن أصحاب القرار التنفيذي لم يحاولوا الاستفادة من هذا التميّز بزيادة المساحات المزروعة بالقمح القاسي لمبادلته بالطري مع روسيا والمغرب ودول أوروبية عدة، كما أن البعض شكك بصوابية الاقتراح، لأن القمح الطري يعد المكون الأساسي في صناعة مادة الخبز، والإخلال بمعادلة التوازن في الإنتاج بين النوعين، سيدخل بعض الدول على خط التحكّم بلقمة عيش السوريين، خاصة أن القمح يستخدم كأداة ضغط في “بازار” الساحة السياسية الدولية..

 

مناورة

لم تخف مصادر الشركة العامة للمطاحن في سورية  أن النسبة المعتمدة من القمح في صناعة الخبز تشكّل 75% للطري و25% للقاسي، موضحةً أنه يمكن تغيير النسبة بين هذين المكونين مناصفة 50% لكل منهما حسب المتوفر أحياناً، وهذا سيتيح هامشاً للمناورة في زيادة مساحات القمح القاسي على حساب الطري دون أن يهدد ذلك رغيف خبز السوريين، فالمطلوب إيجاد توازن دقيق يتيح إمكانية الاستفادة من القمح القاسي بآلية مدروسة وليس بشكل عشوائي، كما جرت العادة، فالتوسع بحسب أكاديميين متخصصين بالتحسين الوراثي للمحاصيل في كلية الزراعة بجامعة دمشق لا يمكن أن يجري بدرجة كبيرة، ولا يجب أن يأخذ القمح القاسي مكان مساحات القمح الطري بما يمكّن بعض الدول من التحكم بالبلاد من جديد، فالقسم الأكبر من الأراضي يزرع بالقمح الطري، وبما يتراوح بين 70 – 75% من المساحة الإجمالية، والنسبة الباقية تزرع بالقمح القاسي، ولذلك يمكن زيادة المساحة إلى حدود 50% للقمح الطري و50% للقمح القاسي، فإمكانية التوسع ستكون بمساحات محدودة، وبما يلبي الطلب المحلي من القمح الطري، فالتوسع بزراعة القمح القاسي يفتح المجال أمام تصديره أو مقايضته بالطري مع الدول الأخرى، وخاصة الأوروبية التي تعتمد على القمح القاسي في صناعة المعكرونة والمعجنات، لأن القمح القاسي منافس على المستوى العالمي، ويمكن الاستفادة من سعره المرتفع في توفير قطع أجنبي للبلاد..

 

خارج الاستثمار

صحيح أن التوسع بالمساحات المزروعة بالقمح القاسي مطلوب، ولكن ليس بالضرورة أن يجري ذلك على حساب مساحات القمح الطري، فالخيارات المتاحة كما أوضحت المصادر كبيرة، لأن إمكانية التوسع بزراعة القمح القاسي في بعض المناطق ذات التربة المتملحة متاحة، فبعض مناطق حوض الفرات يحصل فيها تملح نتيجة الري المتكرر، ويمكن الاستفادة من هذه المناطق في زراعة القمح القاسي، وهي تقدر بنحو 300 – 400 ألف هكتار، وهذا ما سيؤدي لزيادة الإنتاج بطبيعة الحال، ما يؤدي لخروجها من الزراعات وتبقى فارغة، ويمكن تخفيض ملوحة التربة باستخدام بعض المواد الكيميائية التي تضاف إلى التربة، أو بزراعة بعض الأنواع النباتية التي تتحمل الملوحة بشكل كبير مثل المحاصيل العلفية، أو التي تمتص ملوحة التربة على مدار سنتين أو ثلاثة، وبعدها يمكن زراعة هذه الأراضي بالقمح، وهناك توجه نحو استنباط أنواع من القمح القاسي المقاوم لملوحة التربة أيضاً، فمع عملية استنباط أنواع متحملّة للملوحة، والمترافقة مع استصلاح للتربة، كما أن هناك أبحاث سنوية في مجال استنباط أنواع من الأقماح قادرة على تحمّل الجفاف والحرارة المرتفعة من قبل الهيئة العامة للبحوث الزراعية، وايكاردا، وأكساد، إلا أن هناك حدوداً لا يمكن تجاوزها وبما لا يقل عن 200 – 250 مم كمعدل هطول سنوي كحدٍ أدنى، حيث يمكن الحصول على إنتاج في مناطق أقل مطراً، ولكنه لن يكون مجدياً عملياً..

 

مقاوم للأمراض

ليست الميزات آنفة الذكر وحدها من تشجع على زيادة المساحات المزروعة بالقمح القاسي على حساب الطري، بل إن مقاومة الأمراض تدخل على خط المفاضلة أيضاً، حيث يوضح العارفون بالمسائل الفنية في ميدان الإنتاج، أن أمراض القمح القاسي أقل من الأقماح الطرية، فالقمح الطري تعرض لجائحة الصدأ منذ سنتين، والأصناف التي كانت مزروعة بالقمح الطري هي التي تعرّضت للضرر بشكل أساسي، وهذا عامل هام لإعادة التفكير لزيادة مساحات القمح القاسي على حساب الطري لكونه الأخير أكثر حساسية من سواه، وبالتالي يمكن الاستفادة من زيادة إنتاجية القاسي على الطري..

 

مبادلة

القمح الطري هو صاحب الحظ الأوفر على امتداد المساحات المزروعة في البلاد، ولهذه الأولوية أسبابها، والتي يمكن تبريرها بطبيعة الحال، حيث أشارت الأرقام التي جرى تزويدنا بها من وزارة الزراعة إلى أن المساحات المزروعة بالأقماح القاسية تتراوح بين 36 – 47% على امتداد السنوات الماضية، وهذا ما يجعل من هامش زيادة المساحات المزروعة مناصفة بين القمح الطري والقاسي أمراً متاحاً بطبيعة الحال، فالحديث عن المبادلة أو استيراد سورية لبعض الكميات من القمح الطري بهذا الأسلوب ليس بالجديد، لأن سعر القمح القاسي عالمياً ضعف سعر القمح الطري، فالقاسي يباع بنحو 600 دولار للطن الواحد، والقمح الطري يباع بما يقارب ـ300 دولار للطن الواحد، وبالتالي يمكن استيراد ضعف الكمية المصدرة في هذه الحالة، ولكن هذا لا يعني بطبيعة الحال النظر إلى القمح على أنه مورد للقطع الأجنبي، أو رافد لتمويل الخزينة العامة، بل يجب أن يبقى في حدود وظيفته الأساسية، وهي تأمين حاجة السوق المحلية بالدرجة الأولى، والبحث بعد ذلك عن إمكانية للاستفادة منه بطريقة أفضل إذا ما توفرت تلك الإمكانية..

فالمبادلة مع القمح الطري ستكون في سياق تعزيز الاحتياطي الاستراتيجي من هذا المنتج بالدرجة الأولى، لا أن يكون تصدير القمح أداة لتعزيز الاحتياطات النقدية كما يتخيل البعض، أو أسلوباً للحدّ من الخلل المزمن في الميزان التجاري على حساب الأمن الغذائي، بعد أن خلخل توازناته الاستيراد الكبير وغير المدروس من جانب القطاع الخاص..

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]