” بزنس” جديد يعوم على واجهة المجتمع السوري..استثمار أوجاع طالبي الملاذات الآمنة خصوصية كشفها الظرف الراهن.!!

 

 

 

خاص – الخبير السوري:

تأمين منزلاً للسكن قبل الأزمة ظل على مدى عقود من الزمن هاجساً أرق حياة الفقراء ومتوسطي الدخل، وتحول خلال الأحداث الراهنة إلى أزمة فعلية ضيقت الخناق على المواطن مكملةً مسلسل الهموم المعيشية المتزايدة في ظل استغلال تجار العقارات ومالكيها حاجته الماسة لمأوى يسكن فيه عبر زيادة أسعار إيجارات البيوت حتى وصلت في مناطق السكن العشوائي مثلاً إلى 30 ألفاً تقريباً؛ كما أن حالة الجمود في عمليتي البيع والشراء التي يصرّ أصحاب النشاطات العقارية على وجودها منذ ثلاث سنوات، أدت إلى حال سكون إذ تضاءل التداول وقل الطلب إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثة عقود، وبقي العرض على حاله متوافراً لكن بأسعار خيالية.

الأحداث بكل تجلياتها أرخت بظلالها السلبية على قطاع العقارات، ودفعت المواطن إلى التردد في الشراء تحسباً لتفاقم تداعيات الحرب على الوضع الداخلي، حيث انعدم الطلب بشكل لافت على المساكن الواقعة في المناطق الساخنة أمنياً، وتباطأ في المدن والضواحي الآمنة بسبب تضخم أسعارها بين الثلاثة إلى أربعة أضعاف عما كانت عليها قبل الأزمة، وهذه كانت إحدى أهم العوامل التي دفعت المواطن إلى التريّث في هذا الاستثمار الطويل الأجل.

أفضل الاستثمارات

بالمقابل لم يثمر الركود الذي أصاب العقارات وضعف الطلب في تحقيق تراجع ولو كان طفيفاً في الأسعار بالمدى الذي كان متوقعاً، وقد يكون عدم توافر الأموال بين أيدي الناس وانعدام السيولة في الوقت الحالي بعد شحها فترة طويلة، سبباً رئيسياً لذلك الركود التضخمي، من وجهة نظر خبير العقارات في المصرف العقاري هيثم البلوشي، الذي أشار إلى أن سوق العقارات في سورية دخل هذه الحالة نتيجة عدم تنازل أصحاب العقارات الذين بنوا المساكن خلال فترة ارتفاع التكاليف عن هامش أرباحهم المخطط له مسبقاً، وكون الاستثمارات العقارية بالنسبة لهم هي ملاذ آمن  لنقودهم، وواحدة من أفضل البدائل الاستثمارية المتوفراة لهم في الاقتصاد، وفي الوقت ذاته، نسبة كبيرة من المواطنين لا يملكون القوة الشرائية اللازمة لمواجه تلك الأسعار المرتفعة نتيجة لتدني وتراجع القيمة الحقيقية للدخول، ولارتفاع تكاليف المعيشة الأساسية.

حالة الركود المسيطرة على سوق العقارات في سورية الناجمة عن تضخم أسعار العقارات وضعف الطلب عليها، هي مشكلة نعاني منها منذ عقود وليست وليدة الأزمة، وتعبير عن خلل واضح في السياسات الاقتصادية العامة المالية والنقدية والسكانية، فانخفاض القدرة الشرائية نتيجة التضخم بأسعار سلة المستهلك، والطلب الهائل على إيجار المساكن وخصوصاً في المناطق الآمنة، عوامل يجب عدم إغفالها أبدا عند الحديث عن سوق العقارات في ظل الأزمة، على اعتبار أنها المؤشر الأكبر للحالة الاقتصادية العامة كونه مرتبط بجوانب حياتية متعددة، كما يقول الخبير الاقتصادي أنس الفيومي، مثل العمالة واستيراد المواد الأساسية في عملية البناء والأولية الداخلة في عملية التصنيع، موضحاً أن الحصار الاقتصادي رفع من تكاليف العقارات وبالتالي من التسعيرة النهائية، سواء على الإيجار أو الشراء، وتحديداً في المحافظات التي نزح إليها عدداً كبيراً من المهجرين كمحافظات طرطوس واللاذقية والسويداء ودمشق والقنيطرة، بينما ارتفعت أسعار الأراضي دون غيرها من العقارات في المناطق غير الآمنة، ودخلت المساكن والمعامل في حالة جمود يرثى لها، وعزا الفيومي تضاعف ثمن المتر الواحد من الأراضي فيها بمعدل خمسة أضعاف عما كانت عليه قبل الأزمة، إلى إدراك رجال الأعمال الأرباح الخيالية المكتسبة بعد زوال الأزمة من خلال المضاربة عليها، ومعرفتهم المسبقة أنها مناطق تطوير عمراني مزدهرة.

تحسين الكفاءة

إخماد نار لهيب أسعار العقارات يستحيل دون بث الحكومة لعامل الاطمئنان عبر إنشاء عقارات ودفع التعويض للمتضررة عقاراتهم نتيجة الأحداث، من وجهة نظر الفيومي، و أشار في هذا السياق إلى ضرورة البحث عن السبل الكفيلة للحدّ من الزيادة المضطردة بالأسعار من خلال تحسين كفاءة استخدام الأراضي المتاحة عبر تحديد مواقع المباني الجديدة والأراضي غير المستغلة بالكامل، وتوفير مستوى معيشي متميز لجميع السكان عبر التخطيط لإقامة المرافق والمنشآت المجتمعية الملائمة.

الأزمة الراهنة أثرت في جميع القطاعات ومنها العقارات ومن المحتمل أن تستمر على المدى القصير إلى المتوسط لكنها ستحقق آثارا إيجابية على المدى الطويل ..وجهة نظر متفائلة للباحث الاقتصادي محمد رجب من كلية الاقتصاد جامعة دمشق، ناتجة عن توقعات بتغير اللاعبين بالسوق وخروج الفاسدين وانحسار الفساد وزيادة الشفافية والرقابة، ‏وقال: من الطبيعي أن تنعكس أسعار مواد البناء الأساسية والصناعات الرديفة مثل الطلاء والسيراميك والرخام والصناعات الخشبية على التكلفة النهائية لسعر العقار بيعاً وإيجاراً، وأن هذه العوامل هي ضاغطة لتلبية الاحتياجات السكنية لشريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود.

و لا يخفى على أحد أن ارتفاع أسعار مواد البناء أثر سلباً على سوق العقارات، فالارتفاع اليوم سببه ليس زيادة الطلب وإنما ارتفاع تكلفة الإنتاج والاستيراد بسبب الظروف الحالية، وكذلك ارتفاع قيمة القطع الأجنبي وازدياد تكلفة المستوردات، ومدخلات الإنتاج فلذلك عندما يكون هناك ارتفاع في التكلفة ترتفع الأسعار.‏

تجميد السيولة

و لاشك في أن حالة القلق التي تسيطر على الأسواق تقف حائلاً دون تقييم الأوضاع بالنسبة للعقارات حيث سيطرت حالة الارتفاع على جميع الأسعار وزادت حركة البناء المخالف، ويبدو أن الأوضاع الحالية يصعب خلالها تقييم الخسائر التي تلحق بالسوق العقاري كأحد أعمدة الاقتصاد الرئيسة، وهذا ينذر حقيقةً بحدوث أزمة كبيرة في مجال العقارات التي تقود إلى أضرار كبيرة على الاقتصاد بسبب وضع السيولة النقدية وتجميدها بهذه الكتل الإسمنتية غير المجدية على المدى الطويل، وباعتقادي إن توسع مناطق المخالفات وعدم تنفيذ المخططات التنظيمية مشكلة خطيرة سببها الرئيسي المماطلة والتسويف وترحيل المشكلة دوماً إلى فترات مستقبلية قادمة.

الارتفاع بأسعار العقارات هو عملية تسير باتجاه واحد للأعلى فقط، ومفارقة تميزت به هذه السوق في سورية دون غيرها من المجالات الاقتصادية الأخرى، فمهما اختلفت الظروف المحيطة يبقى السعر المرشح للارتفاع هو العنوان الأوحد للاقتصاد، فليس عندنا ما يسمى نزولاً بالسعر حتى و لو شمل ذلك كل دول العالم قاطبة، ويبدو أن ذلك هو واحد من أسرار الاقتصاد العصي على الفهم؟!.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]