تحويلُ السيارات للعمل على الغاز فكرةٌ من ذهبٍ ضاعت بين دخان المحرِّكات العاملة على المازوت

فاق عدد أسطوانات الحديث عن التحول إلى الغاز كوقود للسيارات، عدد ما لدينا من أسطوانات المادة على مستوى البلاد، التي تحولت -الأسطوانات- إلى سلعة للاحتكار والتهريب والمضاربة والتلاعب بقصد الإثراء عبر الاستثمار في الأزمات.
ولعل من اللافت أن يخبو بريق أي حديثٍ في اتجاه تحويل السيارات في السوق السورية إلى الغاز، بمجرد أن ترشح فكرة من هذا القبيل، وكأن ثمة فريقاً مناهضاً لمجمل الموضوع هو من حال دون تطبيق الفكرة وبالتالي تسبب بفوات أرباح ووفورات تستحق أن توصف بالهائلة.
وفورات
وقد يكون من المفيد هنا لمن يهمهم الأمر الحديث عن الفوائد الجاهزة للحصاد والاستثمار في حال اهتدوا إلى تطبيقات حقيقية لما تم طرحه من أفكار تقتضي التوجه نحو الغاز كوقود للسيارات، فأولى هذه الفوائد أننا لا نعود بحاجة إلى استيراد المازوت والكمية التي تنتجها مصفاتا حمص وبانياس وقد بلغت عام 2010 حوالي 4 ملايين طن تكفي تقريباً للتدفئة وتسخين المياه في المساكن التي بلغ عددها أكثر من 4 ملايين مسكن عام 2010 ويقدر استهلاك المسكن في الموسم الشتوي وسطياً بـ1000 لتر.
من جانب آخر تنخفض تكلفة النقل بالنسبة لأصحاب المركبات وللاقتصاد الوطني وللأشخاص أو البضائع ,لأن تكلفة استهلاك الغاز أقل بكثير من تكلفة استخدام المازوت، كما تنخفض تكلفة التلوث الناجم عن المركبات بنسبة 90 % لأن الغاز صديق للبيئة، كذلك تكلفة تحويل المركبة للعمل على الغاز هي بضعة آلاف ليرة سورية فقط!.

تجارب
لقد دأبت الأمم المتحدة منذ عقود على دعم تحول المركبات إلى استخدام الغاز بمساعدات مالية لأنه صديق للبيئة, ويوجد الكثير من محطات تعبئة الغاز في دول كثيرة مثل الولايات المتحدة وألمانيا ومصر والهند وفنزويلا والجزائر وإيطاليا وغيرها. ومن كل ما سبق لن نكون متسرعين لو قلنا إنه ينبغي التعاقد على بناء محطات التزويد بالغاز للمركبات مع دول صديقة على الفور.
كما يقضي الرشاد الاقتصادي أن نعتمد على الخطوط الحديدية في نقل الركاب بين المدن, فنستغني عن آلاف المركبات من باصات كبيرة ومتوسطة وصغيرة (صراصير), التي تنقل الركاب بين المحافظات, فلا نعود بحاجة إلى تجديد هذا الأسطول الضخم كل بضع سنوات مع قطع غياره، ولا نستهلك ملايين الأطنان من البنزين والمازوت سنوياً، لهذا السبب نوفر اهتلاك الطرق السنوي بسبب أعداد الأسطول النقلي الضخمة, وخاصة شاحنات العبور التي تسبب أضراراً بيئية كبيرة من تلوث للهواء وحوادث سير وما ينجم عنها من قتلى وجرحى وأضرار مادية (تمنع تجارة العبور على الطرق حفاظاً على البيئة وتلزم باستخدام شبكة الخطوط الحديدية في العديد من الدول المتطورة بيئياً)، وننتقل خطوة كبيرة على طريق التطور النقلي, كما فعلت الدول المتطورة نقلياً, وخاصة الدول الصناعية، ونعلم أن الخطوط الحديدية شيّدت منذ أكثر من قرن في الوطن العربي, وخاصة الخط الحديدي الحجازي، ثم أهملت بشكل كبير. وفي الثمانينيات شيّدت بضعة آلاف الكيلومترات من الخطوط الحديدية العريضة في القطر العربي السوري, ثم تراجع الاهتمام بها، إلا أن الضرورات تقتضي أن نستثمر مبالغ غير قليلة في توسيع شبكة الخطوط الحديدية المكهربة, لتزيد بمعدل 3000 كم بسرعات عصرية بين 300-500كم/ساعة خلال الخطة الخمسية الحالية الحادية عشرة, كما فعلت الصين التي كانت دولة نامية استعمرها الأوروبيون واليابانيون في مطلع القرن العشرين وأصبحت الآن دولة عظمى، وكما فعل الاتحاد السوفييتي السابق ودول غيره قبله بعقود. نستطيع قطع المسافة بين حلب ودمشق وبين اللاذقية ودمشق في غضون ساعة واحدة، وبين دمشق وتدمر مقصد ملايين السياح العرب السوريين وغيرهم من ملايين السياح العرب والمسلمين والأجانب في أقل من ساعة! وخاصة عندما تستكمل التنقيب والترميم وإعادة بناء أوابدها كما كانت من قبل, حصراً من علماء آثار عرب وبعثات تنقيب وترميم عربية, حفاظاً على تراثنا من النهب والتزوير والتدمير.
الوطن العربي غني بالغاز, ومنه القطر العربي السوري, الذي يحصل فوق ذلك على مليارم3 من الغاز مقابل مرور أنابيب الغاز من مصر باتجاه أوروبا، ومن المنتظر تمرير أنابيب غاز من كل من العراق وإيران أيضاً عبر القطر العربي السوري, حيث يحصل على رسم عبور ويمكنه شراء ما يحتاجه فوق ذلك.
وفرٌ آخر
نستطيع عند الاعتماد على الطاقة الشمسية في تسخين المياه, سواء للاستحمام, أم للتدفئة, كمرحلة أولى، (تستخدم في المرحلة الثانية طاقات أخرى مكملة كالكهرباء مثلاً وغيرها)، تخفيض الطلب على استهلاك المازوت بشكل كبير جداً. ومن الرشيد أن تدفع الخزينة دعماً مرة واحدة كل 20 سنة مرة 80 % من ثمن شراء تجهيزات الطاقة الشمسية مثلاً, عوضاً عن أن تدفع دعماً كل عام للمازوت من أجل تسخين المياه والتدفئة.
في الأدراج الصمّاء
لقد أقرّت جمعية العلوم الاقتصادية منذ عدة أعوام، تكليف مجموعة من أعضائها الاقتصاديين بإعداد دراسات اقتصادية وقد بلغ عددهم عشرة اقتصاديين, مقابل مكافأة رمزية مقدارها 30 ألف ل.س لكل منهم. أنجزت الدراسات وبدأ التحضير لنشرها لكن بدأ مجلس إدارة الجمعية يماطل ويسوّف ثم امتنع عن نشرها حتى الآن! فلسفة هذا التقرير أنه معدٌّ من اقتصاديين مستقلين عن الحكومة والفريق الاقتصادي، (يتضمن تحت عنوان أحد فصوله سياسة الدعم والأسعار بشكل مفصل في مجال المشتقات النفطية والأجور وأسعار المنتجات الزراعية) وهؤلاء يشكلون طيفاً واسعاً من التوجهات اليسارية واليمينية بقصد إغناء الحوار بشكل عام والحوار الاقتصادي بشكل خاص, كما يحصل في دول عديدة متطورة اقتصادياً.
السياسة الاقتصادية التي كرسها الفريق الاقتصادي في زمن الدردري, لا تزال سارية والدراسة الاقتصادية تتعرض لهذه السياسة بالنقد البناء, لذلك نشرها أمرٌ ضروري ومفيد جداً, لأنها تتيح فهم السياسات الاقتصادية المتبعة بشكل أكثر وضوحاً. من الضروري نشر هذه الدراسة وترسيخ فكرة التقرير أو التقارير الاقتصادية العديدة من وجهة نظر مختلف الطبقات الاجتماعية كالفلاحين والعمال والحرفيين الخ. طبقة رجال الأعمال من صناعيين وتجار وغيرهم وثيقة الصلة بالسلطات التنفيذية والتشريعية وتعبّر عن وجهة نظرها مباشرة في لقاءات فورية مع السلطة التنفيذية وعبر وسائل الإعلام التي تملكها، والرشيد أن يدلي كلٌّ برأيه في تنافس عادل، فالحوار البنّاء هو شعار المرحلة ومن الرشيد أن يستمر على الدوام.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]